عبد الستار العايدي

توجس الأوساط الرسمية وغير الرسمية بالاتحاد الأوروبي المتواصل من مآل الأوضاع السياسية التي يقود تطوراتها قيس سعيّد بفرض خريطة طريقه كحلّ أوحد دفعه إلى إرسال بعثة غير رسمية، لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي، لتقصي تفاصيل الأوضاع الحالية في تونس السياسية والاقتصادية والاجتماعية تزامنا مع المحاولة الفرنسية غير الرسمية أيضا والمنفردة بإرسال المبعوث الخاص لإيمانويل ماكرون، جيل كيبل، محاولات لدرأ هذا التوجس خاصة بعد المساندة الاوروبية الظرفية لما أقرّه سعيّد بعد 25 جويلية 2021 أعقبها إنزعاج ديبلوماسي ورفض لقرار حلّ البرلمان وتجميع السلطات بيد شخص واحد خوفا من سقوط التجربة الديمقراطية الناشئة في مستنقع الديكتاتورية مرة أخرى ووقوع الأطراف السياسية المرتبطة بالخارج تحت براثنها.

متابعة للأوضاع السياسية في تونس، حاولت بعثة البرلمانيين الأوروبية مرة أخرى تجميع شظايا الصورة المشتتة في أذهان أعضاء الاتحاد الأوروبي ومكونات المجتمع المدني وخاصة المؤسسات الأوروبية المالية المانحة التي أبدت إستعدادها سابقا الوقوف إلى جانب تونس ودعمها شرط أن يتحقق هدفان، الأول التأكيد على ضمان تواصل التجربة الديمقراطية ومبدأ التشاركية في تسيير الدولة وعدم التفرّد بالسلطة أما الهدف الثاني الإصلاحات الاقتصادية الناجعة بشرط أن يتحقق الهدف الأول، ذلك ملخّص بيان البعثة بعد لقاءها قيس سعيّد ونجلاء بودن وختمت جولتها بلقاء راشد الغنوشي ونائبته سميرة الشواشي ونائبه طارق الفتيتي التي أكدت على ضرورة احترام مبادئ التشاركية والتعددية والتمثيلية في خريطة طريق قيس سعيد، بيان إعتبره المعارضين "صفعة" بالدعوة إلى حوار وطني شامل الأمر الذي يصرّ قيس سعيّد على رفضه وتأكيده مرّة تلو الأخرى على الحوار مع ما وصفهم بـ "الوطنيين الصادقين والمخلصين"، موقف أوروبي غير رسمي يدعم الموقف الرسمي العام لدول الاتحاد الأوروبي تحت عنوان لا ختم على ورقة الدعم المالي والمساعدات دون الاتفاق على بند إلغاء الإجراءات الاستثنائية والتأسيس لحوار شامل دون إقصاء لأي طرف سياسي ودون التأسيس لدستور لا يضمن ذلك.

رسائل غير معلنة للاتحاد الأوروبي تؤثثها المحاولة الفرنسية بزيارة الباحث جيل كيبل تونس ضمن جولته لإعداد تقرير حول "مدى تأثير التغييرات التي يشهدها الحوض الجنوبي والشرقي للبحر المتوسط وكذلك منطقة الساحل والصحراء بإفريقيا على المجتمع الفرنسي، خاصة فيما يتعلق بالديانة الإسلامية الفرنسية، حيث كان فحوى لقاءاته تجديد التأكيد على ضمان قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية الشباب من التطرّف، زيارة لبحث مدى جدّية السلطات التونسية في عدم الانحراف عن منوال التجربة الديمقراطية الناشئة والبقاء على الوعود التي أطلقها قيس سعيّد في عدم المساس بهذا الملف بالاضافة إلى توجهات الرأي العام التونسي، الشعب عموما ومكونات المجتمع المدني، بعد أشهر من قرارات رئيس الدولة وتأثير ذلك على العلاقات التونسية الفرنسية.

زيارتين تحت عنوان الديمقراطية وحقوق الانسان، كانت الغاية الرئيسية والمخفية منهما هي بحث سبل إستقرار المشهد السياسي في تونس الذي سيكون بدوره مطيّة لضمان تواصل وجود النفوذ الأوروبي  والفرنسي خاصة والمحافظة على الامتيازات السابقة وأهمها النفوذ الاقتصادي إعتبارا أن تونس هي من الشركاء المتميزين للاتحاد الأوروبي، إمتيازات قد تتضاءل في خضم التجاذبات الدولية حول المصالح الاقتصادية التي إشتعلت جذوتها بعد الحرب الروسية الاوكرانية، توجّه أوروبي أكّده جيل كيبال بالقول أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تستطيع الدفاع عن الاتحاد الأوروبي" ، مما يحيل إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تغيير أجنداته السياسية والاقتصادية بعيد عن خارطة الطريق الأمريكية الاوروبية المشتركة في منطقة شمال إفريقيا وغيرها من مناطق النفوذ، ولعلّ الموقف الفرنسي غير الرسمي قد أعلن مساندته لهذا التوجّه الجديد ولكن الموقف الرسمي، الفرنسي خاصة، لازال يبحث سبل عدم فسخ عقد الشراكة مع أمريكا إستنادا إلى أن فرنسا تعتبر المتحدث الرسمي بإسمها في منطقة شمال إفريقيا وتونس بشكل خاص، توتّر العلاقات الدولية بين أوروبا وأمريكا كان ورقة ضغط للوفد البرلماني الأوروبي ومبعوث الرئاسة الفرنسية على قيس سعيّد لتحديد أولويات سياسته الديبلوماسية وماهية توجهاته المستقبلية في علاقته بالاتحاد الأوروبي وفرنسا إرتباطا بالصورة التي رسمها بعد تنفيذ الاستحقاقات السياسية في ظل التقارب الجزائري الروسي، المغربي الأمريكي، والصراع المحتدم حول الملف الليبي، والنفور الديبلوماسي بين الاتحاد الاوروبي ومصر بسبب ملف الديمقراطية وحقوق الانسان.

وبخصوص الملف الاقتصادي وسبل دعم تونس سواء في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي أو تقديم المساعدات والهبات من البنك الدولي أو المؤسسات المالية الاقليمية، أضافت الشروط الأوروبية ورقات ضغط أخرى إلى جانب الورقات الأمريكية وورقات صندوق النقد الدولي حيث تتفق أغلبها على نفس المبدأ وهو الحوار الوطني الشامل دون إقصاء أي طرف والخضوع لما ستفرضه هذه الدول مقابل أن تفتح المؤسسات المالية المانحة خزائنها، فملف خلاص الديون والموافقة على ديون جديدة لازال يؤرق رأس السلطة وحكومته في ظل العلاقات الدولية المتوترة بين الاتحاد الاوروبي وأمريكا المساندين الفاعلين في ملف المفاوضات مع صندوق النقد، ضغط تضاعف وطيسه بعد فشل قيس سعيّد خلال مباحثاته مع المنظمات الفاعلة في تونس في إطار الحوار الوطني كانت نهايتها رفض الاتحاد العام التونسي للشغل توجّه رئيس الجمهورية ورؤيته أعقبها تردّد منظمة أرباب العمل وعدم إتضاح رأي المنظمات الأخرى حول ما سيتم إقراره مستقبلا.

ستبقى مطرقة الضغط الأوروبي تدقّ جدران قصر قرطاج لتضييق الخناق الديبلوماسي والاقتصادي على توجهات السلطة التنفيذية وخياراتها المستقبلية خاصة مع تواصل الحرب الروسية الاوكرانية التي فرضت خريطة جديدة للصراع حول مناطق النفوذ الاقتصادي وكانت لها تداعيات وتأثيرات واضحة على منطقة شمال إفريقيا، بالإضافة إلى محاولة ترميم الصورة القديمة للمشهد السياسي في تونس بمعطيات وتفاصيل تختلف عما سبق بما لا يدع مجالا لخسارة التواجد القوي للنفوذ الأوروبي ووسطاءه ومنع تشكيل أي تحالف جيوسياسي جديد.