آخر من يغادر مركب فبراير ونظيراتها العربيات ،هم رموز الاسلام السياسي ..لقد إنتهت المهمة التي من أجلها دعمتهم المؤسسة الغربية بشقيها المخابراتي والدبلوماسي ..سقطت الدول المستهدفة ..ليبيا واليمن وسوريا - ودعك من دعاوى الانتصار - وقبلهم جميعا سقط العراق ..وفي هذا الامر لعل مشروع الفوضى الامريكي والشرق الاوسط الجديد قد أسال لعاب أصحاب حلم الخلافة فتحالفوا معه عن قصد ووعي أو أن الامر ببساطة خدعة أخرى ساذجة تقع العمامة في أحابليها كالعادة..
بيان النهضة التونسية المرحب بعودة النظام السوري إلى المؤسسة العربية الرسمية ..تنكر الشيخ علي الصلابي لماسبق من تأييده لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا وإسقاط النظام ..الاصلاحات الاجتماعية والتشريعية التي تخوضها الاسر المالكة في الخليج كل ذلك مؤشرات قاطعة الدلالة على خيبة المسعى وانحسار المد الإسلاموي في المنطقة..ولعلنا في مدى العقدين القادمين سنعرف إسلاما آخر لم نعرفه طوال القرون الماضية ..الخلاصة ، مافشل فيه سجن بوسليم وأجهزة أمن بن علي وقسوة الأسد الأب في حماه حققه الربيع العربي بكلفة باهضة.. سقط الاسلام السياسي في الامتحان الصعب ..ولعلنا لانشهد سقوطا قريبا للاسلام الحضاري..
عبر التاريخ بدا العقل السياسي الاسلاموي ، متأخرا عن لحظته الراهنة وعن لغتها وأفكارها وحججها ..متعلقا بشكل مرضي ، بلحظة ماضوية ممعنة في طهرانية لاتاريخية صاغت سردياتها وأساطيرها  قراءة مصلحية ضيقة الأفق ، فرضها صراع القوى الإجتماعية ( القبلية والشعوبية والطبقية ) على ميراث المشروع المحمدي في التغيير..لتتحول هذه القراءة " البراغماتية " بمرور الزمن وتطاول العهد إلى مقدس عقائدي غير قابل للنقد والجرح ، وتبدأ دعاوى إمتلاك الحقيقة المطلقة التي بررت فتاوى إباحة الغزو والقتل والإعتداء على الآخر المختلف في كل أشكاله الثقافية داخل المنظومة الدينية نفسها أو خارجها في فترات القوة والقدرة على البطش..
تأصيلات أبو الأعلى المودودي وتنظيرات سيد قطب في معالم طريقه الأسطورية ، حاولت إستدعاء أطياف التاريخ لا كما حدث في سياقه المحكوم بشرطه الزماني ، بل كما كتبه خيال عقل مهزوم يبحث عن أمجاد وإنتصارات ضائعة في صحراء ذاكرة أثقلها الوهم والأكاذيب..
وأسقط هؤلاء من حسبانهم أن الدولة الإسلامية التقليدية " أو نظام الخلافة " المثبتة كنموذج ، كان إستجابة ثقافية وسياسية لواقع تاريخي خاضع لقوانين الصراع والتدافع بين الأمم ويلهج بذات الرطانة المرتبطة بنظرية الحق الإلهي .. 
وفي سبيل ملاحقة هذا السراب حاربت حركات وتنظيمات الإسلام السياسي العروبة والدولة الوطنية وحتى وسطية إسلام من يسميهم المنظرون والشيوخ بالعوام ، وأباحت التحالف مع الشيطان.. وإرتضت بلاضمانات ولا فهم لقوانين اللعب مع الكبار أن تكون رأس الحربة في مشروع إسقاط الإنظمة وإطلاق مارد الفوضى من قمقمه ليعيد ترتيب جغرافية المنطقة وفق مقتضيات الشرق الاوسط الجديد..ثم مالبث أصحاب المشروع أن قلبوا ظهر المجن وتنكروا للوعود التي كانت تبذل خلف الأبواب المغلقة لتمكين الإسلاميين من الوصول إلى السلطة والحكم بمباركة دولية وترحيب محلي..
ما فعله الغرب بحركات الاسلام السياسي وعلى رأسها حركة الأخوان بكل تفريعاتها وما فعله الغرب كذلك بالقوى الحزبية والسياسية الأخرى التي إنساقت وراء شعارات التغيير والثورة أثناء ماعرف بالربيع العربي  ، يشبه كثيرا أو قليلا ما فعلته بريطانيا العظمى بالشريف حسين في الثورة العربية الكبرى ، فبعد أن قضت منه ، وبه ، وطرا ، حاكمته بتهمة اللصوصية في قبرص  وتركته للنسيان والندم والحسرة ..كأن التاريخ حكايات تروى للتسلية وليست وقائع وأحداث ومعطيات ونتائج يمكن للعقل السياسي و أي عقل يتعاطى السياسة أن يستخلص منها العبر والدروس والقوانين ..
بالنسبة للإسلاميين ومع كل الفرص السهلة التي أتيحت لهم في مصر وتونس وليبيا ، لم يستطيعوا إلا أن يثبتوا سذاجتهم وعمالتهم وإرتباطهم بالمشاريع الخارجية لأنهم ببساطة لايملكون رؤية سياسية حقيقية يصنفون بناءا عليها أولوياتهم ، ولا أيديولوجية واضحة تتيح لهم قراءة العالم  وفهم صراعاته وتفسير مشاكله واقتراح الحلول..إنهم لا يملكون سوى الأوهام والخيالات المريضة والاحقاد والشهوة العارمة في السلطة وكرسي الحكم حتى وان كان قائما على جماجم شعوب بأكملها ، وهم بذلك يضعون أنفسهم بمنزلة واحدة مع الصهاينة وأعداء الحضارة والثقافة الإسلامية بل إنهم أسوأ وأشد خطرا ..

كاتب ليبي 

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة