حسين مفتاح

بعد انقسامات حادة وشقاق واحتراب وصل حد التخوين وتبادل التهم، يتفق أخيرا مجلسا النواب والدولة في ليلة ولادة حكومة الاستقرار أو "الاستمرار" بعد أن ظن الجميع أن لا شيء قادر على جمعهما، فما الذي تكفل بالجمع بينهما إذن؟.

قبل أيام كان زهاء ثلاثة ملايين ليبي ينتظرون إجراء الانتخابات الرئاسية التي اقرتها المنظومة الدولية ضمن ما أقرت فيما اسمته بخارطة الطريق، وعلى الرغم من انعدام الجدية إلا أن ما تم من خطوات سبقت التوقف أو سيطرة القوة القاهرة كما اسماها "السائح"، تكشفت النتائج المحتملة لأي عملية انتخابية قد تجرى، ومن أهم هذه النتائج وإن كانت غير كافية لتحقيق حل لما آلت إليه البلد بعد عقد من تدوير وتعقيد الأزمة، إلا أنه تأكد أنها كافية لأحداث تغيير حقيقي في تشكيلة الأطراف السياسية المسيطرة "بعقد احتكاري" لصدارة المشهد السياسي.

قدرة الانتخابات حال إجرائها على التغيير هو ما حال دون المضي قدما في تنفيذها حينها، وهو ما جعل الخطين المتوازيين يلتقيان في اتفاق مجلسي النواب والدولة على خارطة طريق بديلة سيكون نتاجها حكومة بديلة أصطلح عليها حكومة الاستقرار لتكفل لهما الاستمرار وللمجلس الرئاسي الذي جمعه معهما "الاصطلاح" فيما تمت التضحية بحكومة الوحدة الوطنية التي تم التخلص منها في رحلة الاستقرار ضمن نسق صدارة المشهد كما يتم تخلص صواريخ الفضاء من بعض أجزائها للاستمرار في رحلاتها نحو الاستقرار في المدارات المحددة لها.

ما يدور هذا الخميس في طبرق أقصى الشرق، يسمع صداه في طرابلس في الجانب الغربي من البلاد، ولعل هذا ما يبشر بتأجيل هاجس التقسيم الذي لاح واضحا قبل أيام عندما اقترح المرشح الأوفر حظا في ترأس الحكومة الجديدة أن تمارس حكومته مهامها من مدينة سرت، ولكنه في الوقت ذاته فتح المجال أمام هاجسا لا يقل إزعاجا ما لم يفضي بالأساس إلى الهاجس الأول، ألا وهو إندلاع الصراع مجددا بين حكومة جديدة مدعومة بتوافقٍ محليا "وإن كان صورياً" إلا أنه لم يسبق أن تحقق، وحكومة أخرى تتمسك بما تعتبره شرعية البقاء علاوة على الدعم الخارجي الذي لم تخفيه تصريحات حكام البلد الفعليين في أكثر من مناسبة...

المشهد إذن تجلى وظهرت ملامح تفاصيله إذ سيفضي الوضع القائم هذا إلى صراع جديد سيبدو صراع بين الشرعيات المفقودة، أو حتى صراع بين إرادات محلية وخارجية كما ستقول "جماعات التبرير الجاهز"، ولكن كل هذا المخاض لن يولد إلا شكل جديد للصراع من أجل التمديد والاستمرار لفاقدي الشرعية ومنتهيي الصلاحية بأي حال، وذلك باستبعاد "شبح" الانتخابات وقوتها القاهرة، وتخدير الشعب بوعود وتعهدات وشعارات تبدو جديدة في ظاهرها... قديمة ومستهلكة في مضمونها.