إن الدول الغربية أجادت الاستفادة من الحضارة الإسلامية .. فهي أدركت أن سبب تقدم هذه الامة هو استخدامها أول كلمة نزلت في القرآن ( إقرأ) فتجاوزت بذلك الأمة العربية محدودية العقل العربي المنحصر في البلاغة والشعر والفصاحة والبيان إلى الحساب والكيمياء وغيرهما من العلوم .. وفي نقطة مفصلية بين سبل الانتقال للقوة العلمية عسكريا وبين سماحة طبيعة الفكر الإسلامي وتجنبه الابتكارات المضرة بالبشر انقضت الدول الغربية على اسبانيا بعد إحراق بغداد وتدميرها... لتخرج من عصر الظلمات وتدخلنا هذه العصور المظلمة عن طريق اربعة قرون للدولة العثمانية وما تلاها..


وللتخلص من الأمة الإسلامية تم استخدام العقل بتريث ..

بخلق ثقافة الصراع بين العثمانيين والعرب ثم تغليب الكفة العربية بعد خلق ثقافة عربية شمولية رافضة للوجود العثماني..

وسقطت الدولة العثمانية وكانت هناك أسس ثقافة معدة مسبقا للعرب بتحرير العقل العربي المسلم بالعقل العربي اليهودي والمسيحي ... اتجهت الافكار نحو ما عرف بالتنوير وامتزجت المفاهيم الغربية بدءا من التحرر من الزي العربي إلى استنساخ الشخصيات الغربية في شخصيات عربية وظهرت روايات واشعار رسخت لثقافة الانتماء للاقوى.... للغرب .

البناء الاعلامي والثقافي لما سمي الربيع العربي


اما التجهيز لثقافة ما قبل الربيع العربي المزعوم 2011 فقد تم تجريد المثقف العربي من العلاقة بين اللغة العربية والثقافة العربية .. فصارت اللغة العربية وسيلة لاستجلاب الثقافة الغربية وقد شجع على ذلك كثرة المؤسسات والشركات ألعالمية التي تعطي الجوائز للكتاب الذين يتجاوزون بكتاباتهم حدود المألوف في مجتمعاتهم ويتخطون حدود الخضوع للسلطات ولا اقصد التشريعية وما بعدها فقط إنما أيضا سلطة العرف والاخلاق والدين اولا... 

خصوصا وقد وظفت الدول الغربية مؤسسات ومنظمات الامم المتحدة لدعم كل الذين يتحدون هذه السلطات ويخرجون عنها ويخضعون إلى سلطة هذه المنظومة الدولية التي ترى في كل هذه السلطات عائقا امام سلطة رأس المال ، فكلما تم التحرر منها كلما اتسعت التجارة بمختلف انواعها كتجارة الاعضاء الجنسية وغير ذلك .. فيصير راس المال العالمي والفساد وجهان لعملة واحدة وهي برتوكولات بني صهيون..

لقد اظهروا لنا الصحون الفضائية وفق خطة اعلامية وثقافية ممنهجة .. فكان رأس المال العربي الفاسد  احد أهم سبل استثمار المال العربي لنقل المسلسلات المدبلجة عبر artوmdc وغيرهما كان هذا التوجه في بداية التسعينيات لتجهيز عقل ثلاثة اجيال بدءا بجيل التسعينات نفسه الذي كان الهدف الاساسي نحو ما عشناه مما سمي بالربيع العربي ..

لقد اتخذ المثقف العربي مسارات يستعرض فيها عضلات تفننه في الخروج عن المألوف ليوقع امته في شرك اعدائها عندما تنكر لكل شيء سوى السعي نحو الجوائز والعالمية ..

ولأن هذه العقول صارت متوفرة كان لابد من خلق مقومات استثمارها فكانت قناة الجزيرة .. والبداية كانت بزرع ثقة عقل المواطن العربي في هذه القناة من خلال دغدغة مشاعره بادعاء تبني قضاياه .. فمثلا برنامج ( الاتجاه المعاكس) كان يوظف هؤلاء باستضافتهم مقابل من يتمسكون بخصوصية مجتمعاتهم وكانت الدول المستهدفة دائما منذ البداية العراق وسوريا وليبيا مع بعض التنقلات الطفيفة ضد دول أخرى.

ولأن قناة الجزيرة بهذا الخطاب التفكيكي لما عرف بقيود الانظمة وتحرير العقل كان الهدف هو ضرب الأمة بكم هائل من الاكاذيب وإطلاقها دفعة واحدة بانطلاق ما تم الاعداد له ألا وهو ما عرف بالربيع العربي ، ولأن المواطن العربي تم زرع مصداقية قناة الحزيرة في عقله كان من السهل أن ينساق دون تردد نحو هذه الأكاذيب..

فليبيا مثلا التي تصرف فيها على أرض الواقع مئات المليارات أدار المواطن وجهه نحو قناة الجزيرة وأكاذيبها وترك ماهو حقيقة على ارض الواقع من مشاريع جبارة...

وهنا تمكن فكرة التأثير السحري للإعلام والثقافة على العقل العربي الذي ترك التمسك بكونه صميم الحضارة العالمية ليتحول إلى أداة لأعداء دينه وامته ..

فلو عدنا وراجعنا الكم الهائل عام 2011 ممن يسمون بإعلاميين ومثقفين وهم يتدافعون ولاء للهجوم الغربي للأسف سندرك ان عقل المثقف العربي بعد الفصل بين لغته وبين ثقافته صار أداة من أوات الاستعمار فكثيرا ما شاهدنا قبل 2011 وبعد من ( مثقفين) لا يعرفون من الثقافة سوى شكسبير وروميو وجولييت وما تلاه من نتاج فكري لأدباء الغرب دون أدنى تفكير في ان يتجه نحو المتنبي او عروة او غيرهما..

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة