كثيرا ما نسمع بان مصر . هى قاطرة دول المنطقة . وهذا القول يستبّطن في مضمونه . بان انطلاق القاطرة وتحرّكها . سيترتب عليه وبالضرورة . جر وحركة العربات من ورائها . والتى تمثلها في هذا القول . جميع دول المنطقة . لا شك بان مصر تمثل مخزون هائل من الكفاءات والقدرات البشرية . ولكن الا  ترو ايضا . بان  مصر تمثل استثناء داخل المنطقة . 

       ولتوّضيح ما ذهبت اليه في هذا القول . سألج الي ذلك . عبر ما يتداول عن مصر . بان مصر هِبت النيل . وانا سأضيف على ما جاء عن مصر  . بان مصر هِبت النيل والفرّعنة . فالنيل بطغيان ماءه  فيضانا وانحسارا . هو من اسس للفرعنة وللفرعونية والفرعون .  وبقول اخر . استطيع القول . بان مصر هبة النيل والطغيان . فهاتين الركيزتين الماء والفرّعنة  . هما من صاغ وشكل عبر القرون  . المرتكزات الثقافة لمصر . وصارت مصر حبيسة لهما . ولم تستطيع الفكاك منهما حتى يومنا هذا   . 

     والملّفت بان مصر لا تستطيع ترك بصمة على جدار التاريخ والحياة . الا عبر انضاج المصريين لحالة الفرّعنة . كما تجلّت قديما في وجه (خوفو) والاهرام . وحديثا مع  محمد على وجيشه . والخديوي مع ديل سيبس فى قناة السويس . وعبد الناصر والسد . وقد كان السادات في - تقديرى - سيكون حالة فرعونية . لولم يتم اغتياله . 

       وبهما - النيل والفرّعنة - صارت مصر نسيج متفرّدْ في محيطه . له خصوصية استثنائية . تظهر امام المراقب والمهتم . فى ثقافة مغّلقة , بمعنى . بانها ثقافة لا يستطيع التعايش معها . الا من صاغه الماء والطغيان مند الازل . فهى تبدو . وكأنها حكّر على المصريين . وربما هجرة بنى اسرائيل من حوض النيل الى صحراء سيناء . فيه المثال الكافى  على عدم القدرة لغير المصريين في التعاطى والتعايش مع الثقافة . التى انتجها حوض النيل  . 

     وكأن هذه الثقافة قدر للمصريين لا فكاك منه . او ان هذه الثقافة لا تستطيع الانّتعاش والحياة خارج هذا الحوض  . فهى ثقافة قُدّتْ من ماء وفرّعنة  . ولربما ولهذا السبب . نجد ان اقليم السودان . الذى كان ولا يزال امتداد لفضاء النوّبة بمصر . اكثر تناغم وقربا وتجانس ثقافيا مع المصريين  . منه على ممن يسكن الصحراء الغربية او  صحراء سيناء فى جغرافية مصر   .

      فقد كنت شاهد. على  حالة وحدث . عرفت من خلالها وباندهاش كبير . بان هذا الجسم المصرى الكبير . لا يرى فهما - الصحراء الغربية وسيناء -  سوى اطراف بعيدة . وجسم غريب عن كيانه . بل ويكاد يلفظهما . وهذا الاستغراب ليس راجعا . وفقط لتماسهما معه . بل ولكوّنهما من ضمن مفردات مصر الجغرافية  . 

        فقد كان ذلك مند زمن   . في منطقة مرسى مطروح . اذ كنت احد منتسبي الحامية العسكرية الليبية . التى كانت تتمّوقع على تلك البقعة .  ففى احد الايام . كان اتصال هاتفى بين آمر الحامية العسكرية الليبية . وآمر المنطقة العسكرية بمرسى  مطروح  . انتهى على الالتقاء بمقر المنطقة . لأمر طاري وعاجل وهام . انتقلنا الى هناك . وتمت معالجة الامر العاجل والهام . وعند خروجنا من المكتب . الذى كان يفضى الى باحة واسعة .امامه  كانت تقف بداخلها سيارة شحن مكّشوفة  . مملؤة بحشد كبير من ساكني الصحراء الغربية . كان الركوب بالشاحنة . ُيعانى الاكتظاظ والاختناق والاغماء  .  مما دفع احد رفاقنا للتساؤل مستغّربا . من يكون هؤلاء الذين بالسيارة ؟ ! . فرد الضابط المسؤول من فوره . وبلهجة مصرية . قائلا . دُولْ عرب . لا حظ قوله . دُولْ عرب ! . هذا الرد يبيّن وبوضوح . مقدار حرارة العلاقة وبرودها في ما بين الجسم واطرافه  . 

    كنت احاول القول . ان العمل على رفع الحرارة في العلاقة بين الجسم المصرى وطرفيّه - الصحراء الغربية وسيناء- هى خطوة ضرورية وهامة . في اتجاه قبول الجسم لعضويه الشرقى والغربى . وهذا - وفى تقديرى - ليس متوفر في استعدادات هذا الجسم . ويرّجع ذلك في تقديرى .الى انكفاء هذا الجسم المصري على ذاته .  في حدود لا تتعدى ضفتى مجراه . المتّجه والمسافر عبره وخلاله . مند الازل صوب البحر . وبصيغة اخرى . اقول وارّجع ما فات . الى انكفاء هذا المصري الى ماضيه . وانّشغاله به ودائما . مما انّساه وحجب عنه حاضره . والذى من مفردات  . يأتي في الصدارة  محيطه وفضاءه الجغرافي القريب والبعيد  . وهذا ما يجّعله قاطرة ذاته . وليس كما هو شائع . قاطرة لمنطقه لا تشاركه  ثقافة انتجها واسس لها . طغيان النيل بفيضانه وانّحساره . 

      ولكن اذا فكر ذات يوم . هذا الجسم المصرى الكبير . في بعث الحرارة في طرفيّه الشرقى والغربى سينا والصحراء الغربية . فهل يتم ذلك  عبر جر ماء النيل توئم الفرّعنة الى جغرافية سيناء والصحراء الغربية  ؟ .  . أمّ ان هذين العضويين - الصحراء الغربية وسيناء - وبحكم استعداداتهما وتشكّلهما البِكر . لا يستطيعان كما بنى إسرائيل . من التعايش والتكيّف . مع ما صاغه النيل والفرّعنة . من ايقاع يضبط حركة الحياة على امتداد  ضفتي مجراه , مند الازل الغابر . ؟ . ام ان ذلك . يحتاج من المصريين الالتفات الى حاضرهم بقدر . والى ماضيهم بقدر اقل . والاستغناء عن التحّديق الزائف والدائم . في تِرّعت النيل . التى قد تنتهى بهم . الى ما انتهى اليه نرّجسْ  . كما جاء في اسطورته .                                                                           

الآراء المشنورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة