هل كان النظام الجماهيري ديموقراطيا....؟؟
 واين كان معمر القذافي المفكر من معمر القذافي المسؤول.....؟؟
هنا  لا بد للقارى  ان  يستوعب ان الحديث لا يشرحه مقال مقتضب بل يقتضي  فضاء اكبر  هذا أولاً .
وثانياً....
 ان الحديث  موجه  إلى عدة اجيال ، جيل عاش الفترة وعاصرها  ، بعضه تشكّل وعيه قبلها ، وعاصر الملكية واقعا وتاريخا   ، ما لها وما عليها ،
وبعضه تشكّل وعيه خلال مرحلة الفاتح  ، ولنقل أربعون عاما اكثر او اقل  ، وكان فاعلا فيها او متفرجا ومراقبا  ، معها  او ضدها .
جيل  أخر  ولد خلالها ولم  يعي تفاعلاتها و معاركها  و نجاحاتها وإخفاقاتها  .
جيل تشكّل وعيه اليوم خلال مرحلة مضطربة فكراً وممارسة  اختلط  فيها  معنى الحرية بالتدخل الاجنبي،
الوطني بالعميل  ،  والشهيد بالقتيل   ،  البطل بالمجند للأجنبي  ، جيل يتعرض لمحاولات شديدة لتشويه تاريخه  ،  وفصله عن جذوره. اعرف ان كلامي هذا سوف لن يرضى البعض  ومن كل الاتجاهات  هناك  من سيردد الشتائم الى نظام الامس  سبهللاً  ، وخارج موضوع الحديث ، وينعته بالدكتاتورية  بشكل مطلق  وهناك من يتعصب لفترة أربعين عاما ويُلبِسُها ثوبا ديموقراطيا فضفاضا بشكل عام.
 وثالثا......
 أُحاول ان أكون موضوعيا قدر الإمكان فأنا جزءٌ فاعل في مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ ليبيا  ، كانت من أغنى مراحل الوعي السياسي الشعبي وليس النخبوي .
واعود الى بداية الإدراج ،
 لابد من الفصل عند الحديث عن ديمقراطية   النظام  من عدمها ، و التفريق بين  الفكرة حكم الشعب من خلال المؤتمرات واللجان الشعبية النظرية الجماهيرية  ، والنظام في مجمله الذي يضم   عمل وتصرفات معمر القذافي والمسؤولون السياسيون تنفيذا وتشريعا والعاملون بكل القطاعات بما فيها العسكرية والأمنية  وعموم الشعب بمختلف مراكزهم ومواقعهم من يحضر المؤتمرات الشعبية  ومن لم يحضرها  ، من كان موظفا او من كان قطاع خاص . 
فالنظام هو مجموع الحراك المجتمعي غثه وسمينه خلال الفترة . 
والفكرة تبقى حلماً رومنسياً جميلاً  متى ما بقيت تنظيرا في بطون الكتب وعلى السنة المفكرين .
فلو نظرنا الى الفكرة مجردة عن وحل الواقع وطينه وأنانية الانسان ، واحتكمنا اليها لخرجنا بنتيجة إيجابية  تقول بديمقراطيتها ،  فلا اجمل من ان يجتمع الشعب نفسه كله
ويجلس على كراسي الحكم ويصبح كرسي الحكم كراسي والحاكم حكاما  ، مادامت الفكرة تقول ، لكل مواطن الحق والإمكانية معاً  في حكم نفسه واحلال المواطن لحما ودما دون قيد قانوني او شرطا فكريا يساريا او يمينيا متدين او علماني فوضوي او واقعي،  في تلاقح للأفكار في داخل المؤتمر الشعبي والذي يتجاوز العمل الجبهوي الطليعي الى مايشبهه ولكنه تحالف جبهوي قاعدي او شعبي محل الرئيس والنائب والممثل  ، الحزب والجبهه والبرلمان.... يُشّرع القوانين ويكلف السلط التنفيذية ويراقبها ويحاسبها ويقيلها
ولا اعتقد ان عاقلا سيرفض ذلك
 وإن كان سوف يسأل عن الكيفية .
كيف يتحقق الحلم !!!!
والإجابة على هذا السؤال   هي التي ستعطينا الإجابة على السؤال الذي بدأ به هذا الحديث  هل كان النظام (  الجموع وحركتهم خلال الفترة وتعاملهم مع الفكرة ) ديموقراطياً  أم شوه الفكرة  عرق الجموع وصراخهم وربما تخلفهم او تطلعاتهم الفردية أم شيطان ادم الذي اخرجه من الجنة  أم طغيان معمر القائد على معمر المفكر أم هي المعارك والتحديات الخارجية والداخلية 
وهل كان معمر القذافي ديموقراطيا
أم ان معمر القذافي المفكر  كان يختلف عن معمر القذافي الحاكم.   وفِي محاولة لتقديم اجابة على تلك الأسئلة  نؤجز ...
بدأ معمر القذافي مرحلته في السلطة بندوة الفكر الثوري للبحث عن أسلوب إدارة المجتمع والدولة وكان عملا فكريا متميزا بالنظر الى ذلك الزمن وتحدّث فيه المثقفون الليبيون بمختلف اتجاهاتهم الفكرية .
وعند تشكيل اول حكومة في عام1969 عهد بها للسيد محمود المغربي وهو شخصية يسارية ينتهج الفكر الماركسي ومن خارج التنظيم المدني او العسكري الذي قام بالثورة . واعطى وزارة الدفاع لآدم الحواز ووزارة الداخلية لموسى احمد وقد كانو ضباطاً بالجيش ومن خارج التنظيم ،
كما تم إعطاء عدد من الشخصيات الإخوانية  او ذات الاتجاه الديني مواقع  قيادية مختلفة في الدولة الجديدة
مثل. الدكتور المقريف  
وإبراهيم صهد.      
وإبراهيم احواص
د على ابوزعكوك
الشيخ محمود صبحي 
كما تم تكليف شخصيات وطنية مناضلة مثل صالح بويصير بالخارجية ثم من بعده  منصور الكيخيا احد ابرز قيادات حزب البعث
كما تم تكليف ابناء عائلات  بوزارات عدة  ، كان كبارها مسؤلون في العهد الملكي مثل عبد العاطي  العبيدي عمه حامد العبيدي  وزير الدفاع ايّام الفترة الملكية ، 
عمر المنتصر  وكان ينتمي لحركة القوميين العرب أميناً للجنه الشعبية العامة ، عمه رئيس وزراء  في العهد الملكي ....الخ
بمعنى ان معمر القذافي  حينما تولى مقاليد الامور لم يكن له موقفاً مضاداً  لمشاركة ابناء الوطن بمختلف  الاتجاهات الفكرية  او الطبقية   رغم وضوحه الفكري الذي عبّر عنه في البيان الاول لثورة الفاتح الحرية والاشتراكية والوحدة،
ورغم النية  الوطنية الطيبة لحركة الضباط الاحرار وخلو ثورتهم من اَي اعمال عنف ضد من ينتهج خطا فكريا غير خطهم  او ضد مسؤلين في العهد الملكي ، وخلو حركتهم  من اَي اعمال عنف ودماء ،  الا انهم تعرضوا لمؤامرات  للإطاحة بهم  من كل الفئات التي احتضنوها  سواء كانت دينية او يسارية  أو قبلية أو حتى ناصرية في مرحلة متاخرة  . بدءاً بما عُرف بمؤامرة الحواز  وموسى احمد في الشهور الاولى للثورة ،
وكان خطاب الثورة الشعبية عام 1973م وبالرغم  من انه ركز على الجهاز الإداري للدولة والإعلان عن قيام اللجان الشعبية ولم يتناول مسالة التنظيم السياسي . إلا انه رسم خطاً واضحاً امام الحزبية.
صاحب هذه الفترة استعارة تنظيم  الاتحاد الاشتراكي من التجربة الناصرية في مصر تحالف قوى الشعب العاملة وهو تنظيم جماهيري مفتوح لمن يريد  ،  تنظيما سياسيا وحيداً لادارة العملية السياسية في ليبيا .
واستمر هذا التنظيم  الى عام 1977 م إعلان سلطة الشعب 
وقيام المؤتمرات الشعبية الأساسية .
وبقيام المؤتمرات الشعبية التى فتحت للجميع وكان حق ممارسة العمل السياسي يتم من خلالها ،  حقا مكفولا بغض النظر عن المعتقد السياسي والديني .
وحُرّم العمل السياسي الحزبي بقانون  ، رغم ان ذلك القانون لم يُحرِّم اعتناق او تبني اَي مواطن لافكار يسارية او يمينية تختلف مع مايطرحه معمر القذافي المفكر ،
وإنما الذي مُنع بشكل صريح هو قيام اى تنظيم بقصد الاستيلاء على السلطة . 
ومن ثم فإن الطرح النظري في سلطة الشعب لم يكن يكرِّس او ينشئ حكم الحزب الواحد كما يُروج له اليوم بل هو اقرب مايكون الى حكم التحالف الشعبي القاعدي والبعيد عن حكم النخبة بوصفه ملتقى لكل الافكار  في إطار المؤتمر الشعبي .
صاحب هذه الفترة خروج اغلب من يحملون  أفكاراً  دينية حزبية او افكارا يسارية حزبية الى خارج ليبيا وشكلوا معارضات الخارج  ، كان بعضهم معارضا وطنيا  شريفا ،  و ارتبط بعضهم بعلاقات عمالة مع دول ومخابرات اجنبية ، لدول لها سياسات عدائية مع ليبيا ، وياتي على رأسها امريكا ،بريطانيا، فرنسا، ومصر في عهد الرئيس السادات  ، والعراق  في عهد الرئيس صدام ،والمملكة السعودية .
قادت  هذه المرحلة  الى صدامات محلية وخارجية وحصار  غربي  وقتال في داخل  ليبيا وخارجها .
فقد قام حزب البعث بلملمة أعضائه من جديد وبدأ نشاطه السري  ضد الدولة الناشئيه وباشر في عمل مضاد بدعم عراقي .
وتشكلت جبهة إنقاذ ليبيا من الإسلاميين  وباشرت العمل العدائي بهجوم مسلح في داخل طرابلس انطلاقا من امريكا والسودان وتونس.
ونظم حزب التحرير  وحزب الاخوان التقليدي نشاطهم في الجامعات والمؤسسات .
وتكفلت السعودية بدعم الوهابيون  وانتشرت الحركة في طرابلس وسيطرت على بعض المساجد والكليات الجامعية وكان لابد من التصادم معها.
وبدأ اليساريون  التقليديون والتروتسكيون  او اليسار الجديد عملا منظما وسريا للاستيلاء على السلطة  قضية الشرع والبشتي  .
وبداية العمل في تنظيم الدولة الأمازيغية  بإشراف المخابرات الامريكية  وقضية على الشروى بن طالب وأخرين .
كل ذلك التكالب الحزبي  ومعاركً الجبل الاخضر   مع تنظيم القاعدة  وتنظيم المقاتلة للاستيلاء على الحكم ، تم وسط وخلال صدور  الكتاب الاخضر ثم ماتبلور لاحقا في سلطة الشعب من خلال تنظيم المؤتمرات الشعبية المفتوح للجميع .
كان هناك عملافكريا  وجديدا يجري في ساحة ليبيا ،  تجاوز الأحزاب والبرلمانات وسط معارك تنموية وتحديات اجنبية لا غتيال الدولة الناشئة. 
ووسط ذلك كله اختار معمر القذافي لنفسه دور القائد لكل هذه المعارك الفكرية والتنموية والسياسية على الساحة المحلية والدولية 
ولأول مرة يجد الشعب الليبي نفسه  
بكل فئاته رجالا ونساء امام عمل سياسي حقيقي لإدارة الدولة كان بالامس عملا للطلائع المثقفة والمتعلمة في احزاب الانتلجنسيا وبرلمانات النبلاء والطبقة البرجوازية.
وهنا لابد ان نعترف ان ذلك كان عملا  حقيقيا نحو تعليم الجموع الديموقراطية وكان معمر القذافي صادقا مع نفسه والشعب في هذا الاتجاه 
لعب معمر دور المعلم لشعب ليس لديه تعليم ونسبة الأمية في سن العمل السياسي 70٪؜ ولا تجربة سياسية  في البلد ، اللهم إلا تجربة حزبي المؤتمر والفدرالي ، وجمعية عمر المختار في فترة الاستقلال، حيث كانت الأحزاب ممنوعة حتى في فترة الحكم الملكي.
كان ذلك المجهود المضني  يَنظُر اليه بعض الحزبيين والعائلات النافذة اقتصاديا ثم بعض ضباط الجيش  انه سوف يؤدي الى قطع الطريق عليهم في الوصول للحكم او استعادته.
وكان معمر منحازا للجماهير بمعنى الكلمة....!!! كان معمر المفكر يؤمن بالديموقراطية ايمانا مطلقا  وضمنها في كتابه الاخضر  ومارس معمر القائد الحكم بكل ما في الحكم من مكروه ومحبوب ومتضادات الشدة والرحمة القوة واللين.   وصفح عن خصومه وفتح سجنهم في اصبح الصبح  وأعدم أخرين . وكان ذلك من سؤ حظ معمر المفكر 
فالحكم على مر التاريخ لم يكن دوماً مفروشاً ببساط احمر ومكللاً بالزهور  بل كان في جانب منه عملا وسط الأوساخ .
اخضع معمر المفكر نظريته وكتابه الاخضر للتجربة والخطأ ويكاد يكون المفكر الوحيد الذي طبق أفكاره في دولة يتولى امرها ، وهذه واحدة من أسباب التشوهات التى علقت بالنظرية الجماهيرية  ، التعديل المستمر في هيكل واختصاصات اللجان الشعبية ، والمؤتمرات الشعبية
وتاثيرها على الاستقرار الإداري وتنفيذ خطط التنمية .
وهنا تَغَلّب معمر القائد السياسي الذي يجبره الواقع  الوطني الاقتصادي او الاجتماعي على الخروج على حرفيةالنظرية  على معمر المفكر  .
كان معمر المفكر يطرح افكارا اقتصادية واجتماعية وسياسية في منتهي التقدمية والعدالة شكلت اطارا للفكر اليساري الجديد الذي نلمسه اليوم في اكثر من بلد . 
وكان معمر القائد السياسي في نفس الوقت يراعي خصوصية المجتمع الليبي ببدويته وقلة تعليمه  وقبائله  ، وتاريخه.
كان معمر  بدويا بسيطاً  ،وليبيا اصيلا ، وعروبيا متعصباً،  وإسلامياً حقيقياً.
دخل بيوت الليبيين وقلوبهم  واكل معهم وعرف الكثيرون باسمائهم ، سمع منهم كل شئ  شكواهم ونقدهم لنظامه وحكومته وتلقى بيعاتهم المكتوبة بالدم  ، بعضها كان صادقا من  القلب ، وبعضها  كان نفاقاً  ،  سمع من  شعرائهم وخطبائهم   مدحاً في العلن ، وبعضهم ذماً في السر ،  وشكّلت احاديثه وخطبه الطويلة منهج حياتهم ، حدثهم عن الماضي وعن حياة يومهم ، وما ينتظرهم  غداً  ، كانوا يصدقونه فيما يقول ، وكان البعض يتندر على أسلوبه العفوي وأرائه الصريحه ،  تعصبت له الجموع ووقف ضده البعض ،
كان الليبيون يرونه  عنوانا لبلدهم  ، ورمزا لكرامتهم ، امام العالم ، وكان يراه البعض مُهرجا  عسكر العالم ضدهم في حصار سياسي واقتصادي .
وقفوا معه في معاركه أربعون عاما  ، ناصروه  ، وتأمر البعض عليه ، قاتلو معه  ،وخرج البعض مقاتلا ضده  ،. بكوه يوم اُستشهد !!!!! وحتى من فرح باستشهاده امس يبكيه اليوم سراً.....!!!

كاتب ليبي 

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة