عبد الستار العايدي

بعد حسم الصراع بين مكونات المشهد السياسي الذي تتزعمه حركة النهضة وقيس سعيد لصالح هذا الأخير وصراع لازال قائما بين السلطتين التنفيذية والقضائية، يقفز صراع آخر وسط تعتيم كبير حول أطرافه إلى صورة المشهد السياسي المتأزم، صراع بين أجنحة السلطة التنفيذية أو قصر قرطاج الذي ظهر بعد إقالة مديرة الديوان الرئاسي والشخص الثاني بعد رئيس الجمهورية والمقرّبة له نادية عكاشة، التي إختارت الاستقالة حسب قولها من أجل "المصلحة العليا للوطن"، حيث تؤكد بذلك أن هناك طرفا آخر يخالفها الرأي وله تأثير كبير على توجّهات قيس سعيّد أو يتوافق معها خلال المرحلة الحالية أو الفترة القادمة.

يرجّح البعض من المتابعين أن الطرف الثاني الذي سحب بساط قصر قرطاج الوثير من تحت أقدام مديرة الديوان الرئاسي، هو وزير الداخلية الحالي توفيق شرف الدين وذلك بعد إحالة مسؤولين أمنيين بعض السفارات التونسية وأمنيين بوزارة الداخلية على التقاعد الوجوبي، مماّ قد يفسّر على أنّ إرتباطات نادية عكاشة السياسية والأمنية والديبلوماسية القوية والتي تتغوّل يوما بعد يوم داخليا وخارجيا قد دفعت الطرف الثاني إلى قطع أوصالها لتكون هناك فرصة جيّدة لكبح جماح رغبتها في السيطرة الكاملة على خيوط اللعبة داخل قصر قرطاج وتحديد خارطة تتوافق مع رؤيتها الشخصية ومصدر إزعاج شديد لباقي حاشية القصر، وحسب تصريحات عدد من السياسيين، هذا الطرف الثاني الظاهر في الصورة والممثّل الرئيسي للحاشية القوية حول رئيس الدولة، عائلة قيس سعيّد، أكّد إنتصارها في إحكام النفوذ داخل القصر وخارجه.

إقالتها أو إستقالتها، تبرز التضارب الحالي بين عكاشة وسعيّد بعد فترة طويلة من التوافق خاصة إقرار الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية 2021 التي كانت مديرة الديوان الرئاسي هي الفاعل الرئيسي في دفع قيس سعيّد لتنفيذها، مما يحيل على أن الإقالة قد تعلّقت بمسألة خطيرة تخصّ ملفات دولية من الممكن أن تكون تتعارض مع التوجه الديبلوماسي والسياسي الدولي الذي إختاره رئيس الجمهورية ، وقد تمّ إعتباره خيانة من قبل أقرب المقرّبين له من الحاشية السياسية خاصة بعد تصريح نادية عكاشة أنها كانت إستقالة لغاية الحفاظ على المصلحة العليا أو الفضلى للدولة. إختلاف في وجهات النظر بين الرئيس ومديرة ديوانه بخصوص المسائل الدولية المتعلقة بتونس والدول الكبرى ومسألة التعامل مع النفوذ الإسرائيلي داخل صندوق النقد الدولي أو المؤسسات المالية المانحة الأخرى والتسريبات عن زيارتها السرية لفرنسا قد يكون أحد الأسباب المهمة التي أجبرت قيس سعيّد على التخلّص من ذراعه الأيمن في ظلّ إرادته رسم وجهة سياسية داخلية وخارجية لتونس برؤية فردية.

تساؤلات تدقّ أبواب قصر قرطاج المغلقة أمام الشعب والرأي العام الدولي وكذلك الإعلام التونسي والدولي، أوّلها هل سيعود نظام العائلات الحاكمة في سياسة الدولة تحت عنوان الديمقراطية في ظل النظام الرئاسي، العائلات التي ظن الشعب أنها قد سقطت بسقوط نظام بن علي ومن قبله النظام البورقيبي ، هل فشل قيس سعيّد في السيطرة الكاملة على المشهد السياسي والسلطة القضائية مما أجبره على التخلي على الفريق السابق العامل تحت إمرته والاستعانة بفريق جديد لتحقيق الأهداف التي رسمها لنفسه، هل أن الأجنحة التي تدعم قيس سعيّد قد بدأت تفقد بوصلتها في تحقيق المساعدة الناجعة بعد سقوط ريشها بعد الصراعات التي خاضها ضد مكونات المشهد السياسي وضدّ محاولات القوى الدولية ثنيه عن قراراته بعد 25 جويلية  وعدم الرضوخ لعدد من الطلبات.

حسب ما تردّده بعض الأوساط السياسية، إذا كانت عائلة قيس سعيد ومن تبعها من وزراء قد أصبحت الجناح القوي الذي يأمن إليه رئيس الدولة  بعد تململ بعض من عناصر إدارة القصر خاصة في ظل التكتم الذي فرضه لضمان نجاح نقاط خارطته المستقبلية، سيجبر قيس سعيّد عاجلا أو آجلا إلى التنازل عن بعض من أهدافه حتى لا يخسر الركن الذي يسانده سواء كانت رؤيته صحيحة أو يشوب بعضها النقص والضعف، وبذلك سيتم إعادة التأسيس لما يسمىّ العائلة الحاكمة بدل الرئيس الأوحد، وكلاهما سيسقط الدولة في مستنقع الديكتاتورية الفعلية ضمانا لمصالح الحاكمين ومصالح العائلات المتحالفة معهم.

وإذا كان الفريق السابق أو الجناح التي كانت تتزعمه نادية عكاشة قد فشل في إيجاد الحلول حسب الأفكار التي تم تنفيذها بعد 25 جويلية 2021 ، سيفرض واقعا صعبا أمام الفريق الذي سيستلم المهمة بإتباع آليات وأساليب جديدة في سبيل ضمان نجاح قيس سعيّد في الصراعات التي إفتعلها داخليا وخارجيا وتفادي التشوهات التي رافقت ما طرحه من وعود وسقوط أغلبها في حضيض العجز عن تنفيذها، سيفيد هذا بأن ضمان تطبيق أجندة رئيس الدولة حرفيا سيتطلّب وضع أسس أكثر صرامة لتغيير الواقع السياسي جذريا، ففقدان أي جناح بوصلته المتجهة قسرا نحو الطريق الذي يسيره قيس سعيّد أمر غير مطروح بالنسبة له، خاصة وأن المساندة السياسية من بعض الأحزاب والمنظمات بعد 25 جويلية قد تضاءلت إلى حدّ العدم، هذه المساندة الوقتية هي المرتكز الأساسي الذي أجبره على تجديد بعض من أجنحة قصره خوفا من أن تتهاوى بعيدا عنه ويفقد توازنه السياسي أمام الخصوم داخليا والسقوط المدوّي لوعوده أمام بعض الدول التي تنتظر أن يتراجع ثلاث خطوات إلى الوراء كان قد إتخذها سابقا، صياغة مشهد سياسي جديد وتغيير صفة القضاء من الإستقلالية إلى وظيفة لدى الدولة وعدم الرضوخ للضغط الإسرائيلي على المجموعة الدولية،.

أجنحة بلا ريش تسقط وأجنحة تسارع لينمو لها ريش في وسط الغرف المظلمة لقصر قرطاج، أعمدة قصر تهدم وأخرى يتم بناءها وتشكيلها حسب رؤية صاحب القصر الذي يرى أن لا مستقبل لمشروعه السياسي البديل دون ضمان ولاء من يقف معه على نفس الخط لتحقيق المشروع السياسي البديل.