عبد الستار العايدي

باب آخر يفتحه قيس سعيّد في حالة الصراع المتجدد بين السلطتين التنفيذية والقضائية بعد إصدار المرسوم الرئاسي عدد 35 لإعفاء عدد كبير من القضاة وغيرهم من الموظفين التابعين لوزارة العدل، قرار يأتي بعد أن تم طبخه على نار هادئة وبصمت خلال الفترة التي أعقبت حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتأسيس مجلس آخر مؤقت، صراع البقاء المتجدد هو أيضا لا يختلف في حالة ليّ الذراع المتواصلة  بين رئيس الدولة والاتحاد العام التونسي حول عناوين المشهد السياسي القادم وأسسه وتفاصيله، وجهان من الصراع لعملة واحدة وهي لا نجاح لخارطة طريق سعيّد دون أن تكون له اليد العليا في إدارة البلاد حاليا حسب رؤيته وما تقتضيه المرحلة المؤسسة لما بعد الاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية.

تحت عناوين الفساد المختلفة، يصدر قرار بإعفاء قضاة ووكلاء جمهورية وغيرهم، هذا القرار الذي كتب بحرفية أغلقت جميع الأبواب أمام كل المعفيين بشبهة الفساد للطعن في هذه القرارات والدفاع عن أنفسهم وكذلك التوجّه لمزاولة مهنة المحاماة إلى حين صدور حكم قانوني يبرأ من لا تهمة ضدّه، مما دفع كل العاملين بسلك القضاء إلى إعلان الاضراب العام وتصعيد التحركات الاحتجاجية ضدّ ما وصفوه بسعي رئيس الجمهورية للسيطرة على السلطة القضائية ورئاسة النيابة العمومية بمساعدة وزيرة العدل، التي كانت تشغل خطة قضائية قبل ذلك، وجعل القضاء عموما محرّكا من محرّكات مشروعه السياسي بعد أن كانت له السلطة التشريعية ليفرض كل المراسيم التي تقرّ إستتباب الحالة السياسية، فالتعديل أو التنقيح القانوني الذي أجراه قيس سعيّد منحه صلاحية كبرى من صلاحيات المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي قام بتعيين أعضاءه، هذه الصلاحية هي تأديب كل من تعلقت بهم التهم بمختلف أنواعها، مما يحيل فعلا إلى رغبة سعيّد في قيادة قاطرة القضاء لخدمة غايته الكبرى.

هذا المرسوم الرئاسي وضع القضاة في حالة إنقسام، بين المساندين لقيس سعيّد والرافضين لقراراته، إلى حدّ وصف المساندين أو الصامتين أمام هذه المراسيم الرئاسية بـ"الخونة" وأنهم "يتقربون من السلطان لمنافع شخصية على حساب زملائهم وشرف المهنة"، بالاضافة إلى ما إعتبره عدد من القضاة بأن ما فعله قيس سعيّد يشبه المذبحة وأن هدفه هو صنع فراغ داخل المؤسسة القضائية لتعيين الموالين له وتوظيفهم لتنفيذ كل المراسيم القادمة والقرارات وذلك تحت غطاء تنقية القطاع من الفاسدين، إنقسام كان فريسة سهلة لمخالفي سعيّد من السياسيين للتنديد بما قام به وتسجيل هدف في مرمى رئيس الجمهورية وإعتبار أن ما قامت به حركة النهضة سابقا حين إعفاء عدد من القضاة كان طبقا لدستور نظام بن علي والقوانين الداخلية للقضاء، ورغم نجاح الاضراب العام للقضاة إلا أن هناك شرخ قد أصاب جسد القضاء عموما مما قد يقود في فترات مقبلة لممارسات شبيهة بما أتاه قيس سعيّد اليوم ومحاولة محاسبة أنصاره من القضاة اليوم.

بالتوازي مع الصراع المتواصل بين السلطتين حول مراكز النفوذ داخل الدولة لا يزال الخلاف محتدما بين سعيد وإتحاد الشغل حول الرؤية الناجعة التي ستفضي إلى الجمهورية الجديدة وليس لجمهورية يقودها شخص واحد، فبعد إعلانه التوجه إلى إضراب عام في عدد من قطاعات الدولة يوم 16 جوان 2022 بعد فشل المفاوضات الاجتماعية مع الحكومة حسب ما أكده نورالدين الطبوبي يحاول إتحاد الشغل أن يسحب ولو جزءا من بساط المشهد السياسي من تحت أقدام قيس سعيّد وذلك بتنظيم أولى جلسات حوار وطني جمعت عددا من الشخصيات الوطنية في عدد من المجالات السياسية والقانونية والاقتصاد وغيرها لبحث مسودّة مشاريع إصلاحات سياسية وإقتصادية ذات صبغة إجتماعية، في الجانب الآخر سعي حثيث من طرف لجنة الحوار الوطني التابعة لقيس سعيّد لإقناع أكبر عدد من الشخصيات الوطنية وقيادات الأحزاب المساندة لتسريع مدة الجلسات الاستشارية حول مشاريع الاصلاحات السياسية  والاقتصادية والاجتماعية التي ستنبثق عن أشغال اللجنتين الاستشاريتين، إثنان وأربعين شخصية وطنية كانت كافية لقيس سعيّد ومن يشرف على تسيير اللجان أن تبدأ الحوار الوطني دون وجود لأكبر شريك إجتماعي في تونس، إتحاد الشغل، وهو من الممكن أن يقود لتعميق الخلاف والصراع ومحاولة قيادة إتحاد الشغل أن تكسر دفة المشهد السياسي بتحريك المجاذيف، المعطى الاقتصادي والاجتماعي، عكس التيار الحالي مما قد يكون سببا في إجبار سعيّد للعودة إلى الوراء ولو خطوة واحدة حتى لا يخسر نجاحه على درب إنجاز دستور وتنظيم إستفتاء شعبي بخصوص ذلك خاصة وأن المعطى الاقتصادي والاجتماعي لا يزال حجر العثرة أمام خطوات قيس سعيّد بعد فشل الحكومة إلى حدّ اليوم في إقناع الصناديق الدولية بجدوى الإصلاحات الاقتصادية التي قدمتها إلى جانب فشلها في إقناع إتحاد الشغل في تأجيل المطالب الاجتماعية .

هذا الصراع بجناحيه السياسي والقضائي مع قيس سعيّد قد يكون هو الطريق السريع لمعارضيه حتى يستعيدوا ولو جزءا من المشهد السياسي الذي إستحوذ عليه رئيس الدولة ، وهذا سيقود بالضرورة إلى إقتناع المجموعة الدولية بجدوى آراءها السابقة حول فشل سعيّد في صياغة وجه جديد للدولة الديمقراطية دون مفهوم التشاركية، خاصة بعد كلمة حفيظ حفيظ أحد قيادات اتحاد الشغل لتدويل صراعه مع سعيّد خلال مؤتمر منظمة العمل الدولية الذي أشار فيها إلى ضرورة تكريس مبدأ الفصل بين السلطات في تونس حتى لا يعود شبح الانفراد بالقرار السياسي والتأسيس لحوار شامل وحقيقي لترسيخ مبدأ الديمقراطية.

سيظلّ الصراع متجدّدا ولكن بصور مختلفة في كل مرّة، وسيكون على أشدّه إذا كان الدستور الجديد مجرّد نسخة مشوّهة خاصة وان قيس سعيّد لم يطرح مسألة القانون الانتخابي للإستشارة والإصلاحات الجديدة هي كذلك ذرّ للرماد.