عبد الستار العايدي

بعد الانتهاء من الجدل المحتدم حول الدستور والذي احتفل بموكب ختمه رئيس الجمهورية قيس سعيد دون مشاركة ولو البعض من الطيف السياسي المساند والمبارك لمسار 25 جويلية، تطفو إلى السطح في نهاية هذا الصيف الساخن أوراق جديدة توجّب على سعيّد أن يجيد اللعب بها لمزيد تعبيد الطريق أمام المسار الذي رسمه ومسح المطبّات التي من الممكن أن تزعزع الأسس السابقة لسيطرته على المشهد السياسي عموما، القانون الانتخابي، المحكمة الإدارية والمحكمة الدستورية، عسى أن لا يترك أي من الثغرات لدخول قلعة سلطاته الواسعة. 

القانون الانتخابي أو محور الجدل الرئيسي خلال الفترة القادمة الذي يرى أغلب المتابعين للشأن السياسي أنه لن يخرج عن طوع إرادة قيس سعيّد ولا وجود للجان تشاورية حول فصوله خاصة بعد السماح لرئيس الحكومة نجلاء بودن بالشروع في إعداد مشروع يتعلق بالانتخابات لإنتخاب أعضاء البرلمان وأعضاء المجلس الوطني للأقاليم والجهات، وذلك تأكيد لفكرة أن قيس سعيّد يعمل على تمهيد الأرضية لما يسمى البناء القاعدي ومحاولة إضعاف السلطة التشريعية أمام صلاحيات السلطة التنفيذية وذلك بالتنصيص على مبدأ سحب الوكالة من نواب البرلمان وعدم وجود أي كتل برلمانية قوية قد تهدّد مراسيمه وأوامره مستقبلا وذلك يحيل ضمنيا إلى الغاية الرئيسية وهو تشتيت القوى الحزبية داخل البرلمان وضمان عدم توحدها في جبهة سياسية، كما أن نظام الاقتراع على الأفراد وليس على القائمات سيكون طريقا سريعا لإقصاء عدد من الأحزاب غير المرغوب فيها من طرف قيس سعيد، هذا القانون الانتخابي الجديد سيشمل أسس انتخاب مجلس الأقاليم والجهات، هذا المجلس باعتبار أن أغلب أعضاءه وحسب المؤشرات الأولى سيكونون موالين لقيس سعيد وأنصار مسار 25 جويلية هو نفسه شوكة أخرى في طريق صلاحيات البرلمان لصالح نفوذ السلطة التنفيذية.

معركة أخرى جديدة يفتح فيها قيس سعيّد باب الانتقادات الشديدة للمحكمة الإدارية  للمساس من هيبة السلطة التنفيذية خاصة بعد صدور الأحكام المتعلقة بايقاف قرار إعفاء عدد من القضاة والنظر في الطعون التي تم تقديمها ضد سير الاستفتاء، فسعيّد يرفض رقابة سلطة مؤسسة للسلطة التي كانت السبب في تأسيسها ويدرك أن الانتصار في هذه المعركة الصغيرة سيكون حليفه خاصة وأن جهاز المحكمة الادارية قد سارع إلى محاولة تأكيد أن قرار عودة عدد من القضاة تمّ في إطار القانون وإعلانه أن بيان وزارة العدل بعدم تنفيذ الحكم والإبقاء على القضاة محلّ تتبعات جزائية لا قيمة قانونية له رغم إدراكه بأنه لا سلطة له ولا آليات قانونية لمعاقبة من لم يمتثل لأحكام المحكمة الإدارية، عجز آخر للمحكمة بالإسراع إلى تبرير نظرها في طعون الاستفتاء بأن سلطتها الرقابية لم تتجاوز النظر في سير العملية التنظيمية ولم تشمل مضمون الاستفتاء أو الدستور نفسه، وإستنادا إلى هذا فقيس سعيّد لا يسمح بتاتا بوجود أي مؤسسة قد تطال صلاحيات سلطته التأسيسية خاصة بعد إنتصاره خلال صراعه مع السلطة القضائية والتي تم التنصيص عليها في الدستور الجديد على أن القضاء وظيفة كغيرها من الوظائف وان المحكمة الإدارية احد أجهزة السلطة القضائية وقد يكون ما حدث هو فتح باب جديد للصراع ضدّ السلطة التنفيذية.

في نفس سياق عدم السماح لأي جهاز في الدولة المساس بسلطات قيس سعيّد، يناقض الأخير مواقفه متحدثا عن المحكمة الدستورية التي أكد خلال موكب ختمه للدستور على أنها ستكون أعلى سلطة دستورية في البلاد وأن أحكامها ستكون سارية على الجميع رغم أنه سيكون هو نفسه السلطة التأسيسية لهذه المؤسسة التي ستسهر على تطبيق بنود الدستور وأعمال السلطة التشريعية، الدستور الذي خطّ أغلب فصوله قيس سعيّد والبرلمان الذي سيكون وجوده مثل عدمه، فخطابه الذي أكد فيه على أن المحكمة الدستورية ستعمل على ضمان علوية الدستور ستكون هي الغطاء القانوني العام لعدم التشكيك في شرعيته ومشروعيته وهي البناء الذي يحمي الدستور من البحث في ثغراته، وهي كذلك وبصفة خفية ستكون صدى لرؤية قيس سعيّد التشريعية المؤسسة للمسار السياسي البديل ولن تكون ضمن موجة المعارك التي يخوضها منذ 25 جويلية 2021 إلى حدّ اليوم.

اقتصر حسم صراع قيس سعيّد مع الجانبين الفرنسي والأمريكي بالتأكيد على أن الحقوق والحريات مكفولة حسب ما جاء به الدستور وأنه ليس لأي كان التدخل في معاركه الداخلية التي يعتبرها مساسا بسيادة الدولة وسلطاته التي تفوق  كل سلطات مؤسساتها.