في هذا الاستدراك الذى يتناول ما عرضته سابقا من تحت هذا العنوان , بشيئي من توسيع في زاوية الرؤية , ليضم الزمن الماضي مما تناولته والحاضر منه الذى نُعايشه . اقول . وبالرجوع الى النص المقدس لرسالة الاسلام . والذى يقول في العديد من مواضعه , بان هذا الاعرابى لم يستطيع ان يتحرر ويغادر (اعّرابيته) الى مرحلة التحضّر والتمدّين , بل ضل قابع فيها معاند عاجز منافقا . ومن هنا نستطيع القول , بان عرّاب (سايس - بيكو) . قد لا يفوته هذا الاقرار . وقد يتمكن هذا العراب ومن خلاله .  من وضع يده  على مفتاح شخصية هذا الاعرابى , وبه قد يستطيع اللوج والتسلل اليه , في مكنونات خريطته الاجتماعية النفسية الثقافية   . 

    وفى تقديرى ان هذا الولوج الى الاعرابى في خريطة الاجتماعية الثقافية . هو مَن مكّن عرّاب سايس - بيكو , فى زمن ما بين الحربين , كما يقول التاريخ في احداثه , من اعتلاء اكتاف ذاك الاعرابى , وسخر راحلة بعيره وسرج فرسه ودراعه وسيفه . ووظّفها جميعها في إنفاد مشروعه . الذى صاغه وشكّله بمفردات سايس- بيكو . ليصبح ذلك المشروع , واقع ملموس في فسيفساء جغرافية , تغطى كل رقعة شرق المتوسط وجنوبه . وجاعلا وفى الوقت نفسه . من ذلك الاعرابى تابعا وحارسا وقيّما امين على هذا المنجم الطبيعى و الخزان البشرى , التى تضمه الرقعة الجغرافية لسايس- بيكو . بعدما جعلها العراب حكْر على نفسه , وفى خدمة بلاده . 

   قد نستطيع قبول هذا القول . عندما نعرف بان هذا العراب العتيد . قد قام بترحيل كل ما وقعت عليه يده . من المراجع والوثائق والكتب من الفضاء الجغرافى لسايس – بيكو , التى تتناول هذا الاعرابى في احواله الاجتماعية والروحية والتاريخية والفكرية الخ . واحتفظ بها في عاصمة بلاده . بل وعمقها بحثا وتنقيب ميدانيا , عبر جولات رحالاته وبعثات ارسالياته . ومن هنا كانت وصارت بلاده , محجا ومزارا , لكل دارس وباحث ومنقّب في شئون الاعراب واحوالهم .

   فقد شاهدت فى لقاء متلّفز مع منتصف تسعينات القرن الفائت على وجه التقريب .  احد القنوات وهى تستضيف *الدكتور النفيسى كما سمى نفسه - اعتقد بانه كان كويتى - تحدث في ذاك اللقاء في امور عدّة . قال من بين ما قال . بان التحضير والاعداد لنّيله درجة الدكتوراه , قد كلّفه عناء مشقة الحج الى لندن , والاعتكاف في ذاك المحج لمدة ثلاث سنين من الزمان  , بالقرب من مكتبة وزارة الخارجية لذلك البلد . والتى تضم كل المراجع العلمية , التى يحتاجها وتتناول مبحثه في تخصصه الدقيق , والذى كان وكما قال , في احد جوانب فرع من فروع المذهب الشيعى , وهنا وبهذا نعرف بان تلك المدينة , قد صارت محج للأعراب ودارسي شئون الاعراب . وللملاحظة .  بان بلد الدكتور لا تبعد سوى مرمى حجر عن عتبات الشيعة بالعراق , وعن حوزات قم في ايران ايضا ! . 

       كنت احاول الوصول بالقول . بان هذا الانبعاث الذى يعصف دما ودمار وخرابا , بالفضاء الجغرافى لمنظومة سايس – بيكو . والذى تصادف إيقاظه  واستيقاظه , مع وجود كل هذا الكم الهائل من ادوات الدمار والخراب , قريبة وفي متناول يده , بِدأ من السكين كاداه للذبح  وحتى الطيران الموجّه عن بُعد . وليس انتهاء براياته وشعاراته واناشيده ذات النبرة المهدد بالخوف والموت . كل هذا وفى مجّمله كان يرتكز ويتّجه ويستشّرف , خطوة من زمن ذاك الاعرابى , قد ثم وأده في مهدها , يسعى ويجتهد وفى زمننا هذا , نحو إحيائها في المسجد الضِرار . ليجعل منه مزار ومحجا وقِبّله يَسّتقبلها بوجه اعّرابيته . في محاولة منه لبعث ما ثم هدمه وتحّريقه بالنار في كنف وبيد تلك البدايات البعيدة . 

     ولكن الاستفهام الضاغط والمستند على كل ما جاء في السطور السابقة . يقول :- هل ثقافة هذا الاعرابى , تستطيع انتاج كل هذه القدرة التنظيمية . التى تُدير كل هذا الدمار , الذى يضرب بالفضاء الجغرافى لشرق المتوسط وجنوبه ؟ ! . أم ان ذلك يحتاج عقل استثنائي مُركّب  ليس وقطعا بحوّزة الاعرابى , ليولّد ويبلّور به هذه القدرة التنظيمية في آلية . لها كل هذه الدقة  في الاعداد والتجهيز والتخطيط والادارة , وخلق البدائل لتخطى الطارئ المفاجئ  وايضا . هل ثقافة هذا الاعرابى ,  التى تنهض على المشاعر والعواطف , تتوافق مع العقل البارد ؟ . الذى يتولى ويُدير هذا الذى يعصف دمار وخراب . بالفضاء جغرافية سايس – بيكو . 

     ام انه تمت من له القدرة للقيام بكل هذا . ابتدأ من استدعاء ذاك الحدث البعيد من الماضى البعيد , ونفخ الحياة في جنباته , عبر تأطيره في كادر باتساع جغرافية سايس – بيكو , يظهر فيه بقبضه باطشه , يجّتهد في عرضها عبر (الميديا) وهى تقطر بالدم . وبيده الاخرى كانت تنهض راياته وشعاراته . وفى الان نفسه . كان لسانه يلّهج  بأناشيد متوعّدة شرا ومنّدرة خوفا . وله وفوق كل هذا , القدرة على إلباس وجلّببت هذا الأعرابي البسيط وجغرافيته , التى تغطى شرق المتوسط وجنوبه . بكل جلابيب هذا الرعب المدمر المُخيف  . ليجعل هذا القدير القادر من كل هذا . اداته الجديدة , التى سيعّتلى بها اكثاف الاعرابى ثانيتا , ولكن في هذه المرة , ستكتسى خُطّوته العتيدة هذه , بصبّغة مقدّسه , تُصعّب من مَرامها على كارهيها . 

 وفى الخلاصة . لا خلاص لهذه الفسيفساء الجغرافية التى تغطى برقعتها فضاء شرق المتوسط وجنوبه , ولا خيارات عديدة امامها . لتخطى هذا الذى يعصف بجنباتها من تأزم وتخلّف , الا بإبعاد هذا الاعرابى عن صدارة وتصدر المشهد . من خلال الاجتهاد في اقناعه لإناخة بعيره , بل العمل على عقر ناقته كى لا تقوم ثانيتا . وتشّجعه على الترجّل من على راحلته , والتوجّه ومعه , بالتخطيط عبر توسّل العلم في ادواته وسلطانه ,  نحو استدراجه للتخلي عن ترحاله الدائم . في صحراء التيه المادي والمعنوي  . والاتجاه به نحو الاستقرار والاستيطان ومن ثم الاستثمار في عقله وجهده وفى التراب الذى بين قدميّه . في الوعاء الجغرافي لوطنه , وليس في غير وعاء وطنه . 

*الدكتور النفيسي . كان على المذهب السنّى , وتقول بعض الكتابات , بانه كان قريب من التيار الردكالي . الذى تمكن فصيل من اتباعه , من احتلال الحرم المكي اواخر عام 1979م .                               

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر سياسة البوابة