مصطفى حفيظ

تم الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجزائرية المنبثقة عن البرلمان الجديد بعد الانتخابات البرلمانية، التي جرت في 12 يونيو/حزيران الماضي. ومثلما كان منتظرا لم تحدث المفاجأة باستثناء ظهور اسم رمطان لعمامرة. وزير الخارجية الأسبق ونائب الوزير الأول في حكومة بدوي، التي عيّنها بوتفليقة بعد استقالته تحت تأثير "الحراك الشعبي" بعد 22 فبراير/شباط 2019. وإسم لعمامرة ارتبط حسب وصف "الحراكيين" بالعصابة الحاكمة، التي طالب الشعب برحيلها. والآن بعد أكثر من عامين على رحيل الرجل من على رأس مهامه كرئيس للدبلوماسية الجزائرية، ما الذي دفع تبّون لإعادته إلى الواجهة؟ وهل سيقوم لعمامرة بإعادة الجزائر للعب دورها إقليميا وإفريقيا مثلما كانت في السنوات الماضية؟ أم أنّ لعمامرة سيصطدم بواقع متغيّر فرضته ظروف وأحداث غابت عنها الجزائر في الثلاث سنوات الأخيرة كالأزمة في مالي، ليبيا، بوركينافاسو، تشاد ودارفور، إفريقيا الوسطى والحرب على الإرهاب، بحكم بقاء داعش والقاعدة في الساحل الافريقي؟ كل هذا يدخل ضمن التحديّات الخارجية، التي تواجهها الحكومة الجديدة

سواء لعمامرة أو الحكومة التي ينتمي لطاقمها، فالمهمة الموكلة إليه تدخل في إطار تحقيق أهداف برنامج الرئيس في شقّها المتعلق بالسياسة الخارجية، مثلما صرّح بذلك الوزير في تصريح للصحافة عقب استلام مهامه. وطبعا لعمامرة، المعروف بخبرته الطويلة وسمعته الجيّدة إفريقيا وأمميا، يعرف جيّدا الظروف والتغيّرات الحاصلة في إفريقيا وبمنطقة الساحل والمنطقة المغاربية. وهو ما جعله يصرّح بأنّه سيعمل على "جمع الشمل والاندماج والحدة المنشودة على المستوى الاقليمي، بدون نسيان القضية الفلسطينية التي تعتبر إسمنت تضامن الشعوب العربية، وكذلك العمل على تحقيق السلام والاستقرار في ربوع إفريقيا خاصة دول الساحل وبؤر التوتر". والظاهر من خلال هذا التصريح أنّ الأولوية هي إعادة الجزائر للعب دورها في حلحلة القضايا والمسائل العالقة في إفريقيا، خاصة إقليميا، أي في دول الساحل مثل مالي، النيجر، تشاد، بوركينافاسو، وحتى في دارفور وإفريقيا الوسطى. لكن الأهم من ذلك هي الأزمة الليبية لأن استقرار ليبيا من استقرار الجزائر. وهذا أمر واضح في السياسة الخارجية الجزائرية، والذي صرّحت به الجزائر مرارا. لكن مهمة العودة بالدبلوماسية الجزائرية إلى المحافل الإقليمية والدولية ليست بالأمر السهل بالنظر للواقع الذي تعيشه المنطقة، سواء المغاربية أو دول الساحل وافريقيا عموما. والجزائر يبدو أنها غابت فعلا عن الساحة منذ بداية الأزمة السياسية، التي ظهرت بعد محاولة نظام بوتفليقة أو الجماعة، التي كانت وراءه افتكاك عهدة خامسة لرئيس مريض لا يقدر حتى على الكلام. لذلك سُجّلت على الدبلوماسية الجزائرية بين 2019 و2021 بعض العثرات والنكسات، وحتى الفضائح التي أفقدت من سمعتها، كحادثة طرد مندوب الجزائر في البرلمان الإفريقي، وهي وحدها حادثة أحرجت الجزائر كثيرا. إضافة إلى فشلها في النيجر بعدما دعمت الرئيس محمد بازوم، الذي فازّ بالرئاسيات الأخيرة. بينما كان منتظرا أن يدعو الرئيس الصحراوي أثناء تأدية القسم الرئاسي، لكنه لم يفعل، وبذلك خسرت الجزائر طرفا إفريقيا لدعم موقف الصحراء الغربية في نزاعها مع المغرب، حيث اقتصر التمثيل على مستوى وزارة الخارجية فقط. وليس ذلك فقط، إذ أن بعض الأحداث كالانقلاب العسكري في مالي العام الماضي، وما نتج عنه من توتر أمني، أو التوتر الأمني في افريقيا الوسطى بين قوة حفظ السلام (مينوسكا) والمرتزقة المسلحين والحضور الروسي هناك، أو بعبارة أخرى تقويض الروس للحضور الفرنسي هناك، بدعمها للرئيس الحالي لأفريقيا الوسطى تواديرا والجيش الوطني للبلاد. ومعروف أن فرنسا كانت تدعم مرشح الرئاسيات فرانسوا بوزيزيه، برغم أنها لم تكن تدعم الانتخابات هناك، حيث كانت تدفع إلى الفوضى. وطبعا، الصراع في افريقيا الوسطى بين المسلمين والمسيحيين بالتحديد، وحتى بوركينافاسو وحربها ضد الجماعات الإرهابية لداعش والقاعدة. وهناك أيضا الأزمة في دارفور وتشاد بعد مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي وازدياد حدّة التوتر بفعل المتمردين على الحدود في جنوب السودان. إذن، أين الجزائر في هذا الصراع؟ حتى أنها لم تسجل حضورها في مؤتمر باريس لدعم السودان، في حين أخلت الساحة لدول عربية أخرى، منها قطر وتركيا والسعودية للاستثمار هناك. وفي كل الأحوال، فإنّ الأوضاع الحالية في المنطقة تهمّ الجزائر أكثر لكونها تحدث على حدودها الغربية والشرقية الجنوبية. وأيضا الوضع الإقليمي، سواء على حدود الجزائر أو في دول الساحل، هو وضع مقلق للجزائر في ظلّ ظروف مشحونة بالتنافس الروسي الفرنسي على التموقع في افريقيا، وحتى تركيا وقطر والصين، فضلا عن الولايات المتحدة وطموحاتها بإقامة قاعدة عسكرية في الساحل. إذن، أين الجزائر من كل هذا؟ وهل لعمامرة قادر على إعادة الدور الجزائري في افريقيا؟ هل ستكون قادرة على لعب دور إقليمي مثلما يجب؟ أم أنّ معطيات الواقع تشير بعكس ذلك؟ 

يجب التأكيد بأن الواقع يشير إلى أن إفريقيا اليوم ليست هي إفريقيا من ثلاث سنوات مضت، أي سنوات الأزمة الداخلية، التي عاشتها الجزائر وابعدتها بنحو ما عن الأحداث. فالكثير من الأطراف تلعب على أكثر من جبهة في إفريقيا، هناك روسيا، فرنسا، المغرب، قطر تركيا السعودية، والصين. وكلها تبحث عن التموقع وكسب أكبر فرص للاستثمار، دون نسيان دعم أطراف بعينها للجماعات المسلحة والإرهابية في مجموعة من دول الساحل كمالي، النيجر، بوركينافاسو. يوجد أيضا تسجيل تراجع عن دعم القضية الصحراوية من جانب بعض البلدان الافريقية، برغم استمرار جنوب افريقيا ونيجيريا والدول التي تربطها بها علاقات كزمبابوي أنغولا وكينيا، وكلها معترفة بالحق الصحراوي، إذ حتى موريتانيا اتجهت لتعزيز العلاقات أكثر مع المغرب وغيّر بعض السياسيون مواقفهم إزاء القضية. إذن، أين الجزائر في هذا الجو المشحون بالتنافس الدولي على صناعة إفريقيا جديدة؟ هل الجزائر الآن قادرة على افتكاك دور في اللعبة الجديدة على المستوى الإقليمي والافريقي؟

وبالعودة لتشكيلة الحكومة الجزائرية الجديدة، والتي كما ذكرنا لم تكن مفاجئة، فهي حكومة أغلبية رئاسية في البرلمان تخدم أجندة الرئيس فيما تبقى من عهدته الرئاسية. والبرلمان بتشكيلته الحالية لا يستطيع معارضة مشاريع الرئيس المستقبلية، بحكم أن المعارضة لا تمثّل خمس عدد نواب المجلس، أي لا يزيد عددهم عن السبعين نائبا على الأقل. إذن، ما الذي سيفعله رئيس الدبلوماسية الجديد أمام تحوّلات قد تحتّم على الجزائر التأقلم معها؟ 

فور استلامه لمهامه على رأس وزارة الخارجية قال لعمامرة إنّ دبلوماسية الجزائر قويّة وتؤثّر على مجريات الأمور في الساحتين الإقليمية والدولية. لكن لعمامرة إمّا أنه بعيد عن الواقع أو أنّه يدرك جيّدا أن الحقيقة ليست كذلك. ولعل معطيات الواقع تثبت عكس كلامه، فخلال السنتين الأخيرتين وحتى الساعة لا تبدو الدبلوماسية الجزائرية بخير. والملاحظ أن الجزائر، بين 2019 و2021 بالأخص، تراجعت عن ذلك الدور الإقليمي الرائد، الذي لعبته في عديد القضايا الإقليمية والافريقية على وجه الخصوص. فالتنافس بينها وبين المغرب على رعاية الحوار الليبي- الليبي ازدادت حدّته، مع حدّة التوتر بين الجارتين المغاربيتين (الجزائر والمغرب) بسبب القضية الصحراوية. فمنذ الإطاحة بحكم القذافي عن طريق احتجاجات الشعب الليبي ودخول ليبيا في حرب أهلية بعد 2014، ما تزال ارتداداتها إلى اليوم، بقيت المساعي قائمة لتحقيق الاستقرار في ليبيا. والجزائر رافعت دوما لصالح الحل السلمي عن طريق الحوار. لكن ذهب بعض المتابعين للشأن السياسي في الجزائر إلى القول إنّه لا توجد دبلوماسية واضحة في الجزائر، وأن هناك هوّة بين المواقف الدبلوماسية والخطاب الرسمي، أو بعبارة أدق انعدام رؤية دبلوماسية، حيث اقتصرت فقط على رد الفعل، بينما غابت المبادرات. وربما كان الوضع الداخلي، الذي عاشته الجزائر بعد اندلاع الاحتجاجات ضدّ عهدة خامسة لبوتفليقة والتي سميت لاحقا "الحراك الشعبي" واستمر لأكثر من عامين، هو السبب في تراجع الدور الجزائري إقليميا وافريقيا. بالنتيجة، هل سيتمكن لعمامرة من تغيير الوضع إلى الأحسن؟ هل يمكنه بعلاقاته الكثيرة والطيبة مع أكثر من دولة إفريقية وعربية أن يحقق أهداف الرئيس الجزائري، التي رسمها في برنامجه الانتخابي وأكدها مرارا، خاصة في الجانب المتعلق بالسياسة الخارجية؟ 

ولا بأس من التذكير بما قاله تبّون لوسيلة إعلامية عربية مؤخرا، حيث أكد بأن الجزائر مستهدفة بالتآمر لأنها لا تسمح هي بدورها بالتآمر على البلدان العربية. وقال إنّنا مستهدفون أيضا لأننا بلد لا مديونية خارجية عليه، وبالتالي مستقل القرار وصاحب سيادة، والجزائر بلد يحمل مشعل فلسطين والصحراء الغربية والشعوب المضطهدة، وأنّ استقرارها هو بفضل الجيش الجزائري القوّي، وأنّ قضية الصحراء الغربية بين أيدي اللجنة الأممية لتصفية الاستعمار منذ أربعة عقود والأمم المتحدة تعتبر أن الصحراء الغربية مستعمرة. وعن ليبيا قال إنّنا رفضنا أن تقع أول عاصمة مغاربية وإفريقية طرابلس في قبضة المرتزقة والجزائر كانت على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوطها.. ومن خلال هذه التصريحات تتضح سياسته، وهي أيضا السياسة الخارجية الجزائرية منذ عقود بخصوص بعض القضايا. لكن المهمة الحالية الآن هي كيفية العودة للعب الدور المنوط بها افريقيا وعلى المستوى الإقليمي. فهل سيحدث تغير في المدى القريب بعد عودة لعمامرة؟