ماحدث في العاصمة مؤخرا ومايحدث في الجنوب ، لن يكون الأخير وسيتكرر كما لوكان مشهدا من شريط سينمائي بائس لانملك غيره في زمن ممتد من الفراغ والعطالة  ..الأمر ببساطة أن الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية التي أنتجتها فبراير قادرة على توليد العنف إلى مالا نهاية ، وكذلك لأن من يشرفون على قوانين اللعبة في ليبيا وشقيقاتها في المنطقة لايرون أن هناك مايستوجب الإستعجال في إيقاف النزيف ، وهم علاوة على ذلك يملكون القدرة والقوة على تحمل الكلفة الانسانية والاخلاقية لهذه الفوضى التي يتعهدونها ويرعون زرعها الدامي ..
الطبقة السياسية الطفيلية في جناحي الوطن وجنوبه ، تدرك بدرجات متفاوتة ، أنها لاتملك من الأمر شيئا ، وهي لذلك تكتفي بفتات الأموال المنهوبة من خزينة الشعب ،و تعجز عن التحرك والفعل بعيدا عن مدارات اللبناني المرتزق غسان سلامة القائم بمهام الراعي السياسي المباشر لمصالح المجتمع الدولي " امريكا واروبا "..وسلامة هذا نجح حتى الآن  في تطبيق كل نماذج الخداع والايهام النفسي التي درسها في الجامعات الفرنسية ليظهر بمظهر الوسيط الجاد الباحث عن الحلول والنظام وسط قطعان من الهمج المنفلتين ، وإلى حد ما أقنع قطاع كبير من الرأي العام الداخلي والعالمي أن المشكلة في ليبيا ، مجرد مشكلة سياسية بين أطراف محلية تحركها مصالح فئوية ضيقة ( جهوية وقبلية وحزبية وايديولوجية) ضاربا صفحا وعفوا عن الأيادي المجرمة الممتدة من وراء الحدود والتي تتحرك في العلن والخفاء ، تغذي الفتن والإحتراب  وتدعم مختلف المجموعات المسلحة سياسيا تحت دعاوى التعامل مع الأمر الواقع ، إضافة  لتأمين خطوط إمدادها بالذخيرة والأسلحة القادمة من تركيا ومن الدول الافريقية ومن الشرق والغرب ، ناهيك عن العبث بالواقع الجيوسياسي للبلاد من خلال تشجيع تغيير المعادلة الديموغرافية في مدن وقرى الإقليم الجنوبي تحت رعاية المخابرات الفرنسية والايطالية والامريكية ..
بعيدا عن المنظور الدولي المحاط بالضبابية  وصراع القوى والمصالح بين عواصم الهيمنة الرأسمالية الغربية على أرضنا ..المعضلة في ليبيا ليست سياسية بقدر ماهي معضلة أمنية مفتعلة ومعضلة إجتماعية بنيوية مرتبطة بهشاشة النسيج القبلي المنهك بسبب  قرون من الاستعمار والتبعية ..ولذلك فإن إنتظار الليبيين للحل الخارجي ، خيانة للذات ولمستقبل الأجيال القادمة ..ليس فقط لأن الخارج يفترض أن يمثل ، بل يجب أن يمثل في وجدان الشعب الليبي ، المعادل الموضوعي للعدو الطامع ، ولكن لأن طبيعة العلاقات الدولية لاتحتمل كل هذا " العشم " والأمل الذي يعلقه بعض الساسة الوطنيين وغير الوطنيين على ضمير وأخلاقيات وإنسانية المجتمع الدولي الذي تتحكم فيه مجموعة دول بعينها توجهه كيفما شاءت لخدمة سياسات ومصالح محكومة بمنطق لاعلاقة له بقيمة الأوطان ومصالح الشعوب المستضعفة..  
 ومثلما بدأت المشكلة في العام 2011 تحت وطأة التحريض الاعلامي والنفسي ، بخروج قبائل وحواضر قبلية - لا أفراد ولا أحزاب ولاشرائح مدنية -  عن سلطة الدولة والنظام لأسباب لافائدة من الخوض في شرعيتها ووجاهتها ولا أسبابها الحقيقية .. فليس هناك خيار وطني واقعي وعملي غير البحث عن الحل بذات الطريقة أي باستخدام المدخل الاجتماعي القبلي الذي أسس لحالة التشظي والشقاق منذ بداية الأزمة  ..
إن خارطة الإنقاذ الوطنية المختصرة واضحة ولاتحتاج إلى خبراء دوليين ولا وساطة أممية ولاتنظير من قبل هواة " الهدرزة" والرطانة بالمصطلحات الاجنبية على شاشات الفضائيات المشبوهة ..ويمكن تلخيص ملامحها الرئيسية في النقاط التالية :-
إجتماع عاجل ( للقيادات الشعبية الاجتماعية - " اللوياجيرغا" - مجلس القبائل) تحضره كل الفعاليات المجتمعية على الأرض بغض النظر عن عديدها وثقلها في ميزان التسلح المليشياوي القبلي والجهوي ،    يضع ميثاق مصالحة وطنية شاملة ومسودة عقد إجتماعي عرفي يحل محل الاعلان الدستوري ، ومن ثم تشكيل لجنة فنية متخصصة من أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية  للإشراف على تفكيك الترسانات الحربية داخل كل مدينة وبلدة و قبيلة ، والذهاب إلى إنتخابات رئاسية مباشرة - بمرجعية العقد الاجتماعي العرفي-  تحت رعاية الإتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومراقبين دوليين من الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي.. أما غير ذلك من تصورات ومخططات سلامة وأرباب عمله من القوى الغربية وعملاؤهم من المحليين ، فهدفها الوحيد إطالة عمر الأزمة والقضاء على كل ممكنات الحل والخروج من المتاهة المفتعلة وتمديد معاناة الليبي في محاولته المستميتة للإحتفاظ برأسه فوق الماء..

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة