عبد الستار العايدي

اعتبر البعض من المهتمين بالشأن السياسي على المستوى الوطني والعربي والدولي، وقيادات وأنصار حزب حركة النهضة وبعض الأحزاب الأخرى أنّ ما قام به رئيس الجمهورية قيس سعيد، يوم 25 جويلية 2021 ، من تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي ووضع كامل صلاحيات السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية.  

قيس سعيد، بعد إعلانه تجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي ووضع صلاحيات النيابة العمومية بيده ، عمد إلى القيادات العسكرية ومن ورائهم الجيش الوطني لحماية المنشآت الحيوية والمباني الحكومية والإشراف على تسيير بعض المهمات ببعض الوزارات مثل وزارة الصحة، وتسيير شؤون الجهات بعد إقالة كل الولاة وتجميد نشاط البلديات والمعتمديات، كذلك الإشراف على تطبيق قوانين البروتوكول الصحي وحظر التجول في الشوارع إلى جانب بعض المهمات  الأخرى.

رغم إعلان أغلبية الشعب التونسي وقوفه إلى جانب رئيس الجمهورية، فقد صاحب هذه القرارات توجّس وخوف من عودة الديكتاتورية ، وتهديد للديمقراطية الناشئة ومكتسبات الحريات وحقوق الانسان، حيث عمدت حركة النهضة استنادا لذلك في محولة فاشلة إلى تجييش الشارع التونسي وتأليب الرأي العام الدولي، واعتبرت والأحزاب المناصرة لها أن ذلك مؤشر لعودة الحياة السياسية تحت تصرف شخص واحد وإعدام لكل الحقوق والحريات، تخطيط إخواني دفع بمنظمات المجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف وعدد من النقابات مثل نقابة الصحفيين التونسيين للتنديد بما ينوي فعله رئيس الجمهورية مستقبلا.

على الصعيد الدولي، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها التأكيد على "الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تعدّ الأسس التي يقوم عليها الحكم في تونس"، أما فرنسا فقد أعربت الخارجية الفرنسية عن أملها بعودة "المؤسسات الدستورية إلى عملها الطبيعي" في تونس في أقرب وقت ممكن، ودعت جميع الفرقاء السياسيين في البلاد إلى تفادي أي شكل من أشكال العنف والحفاظ على الإنجازات الديمقراطية التي حققتها تونس 

من جانبها قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبهر لصحافيين إن بلادها تأمل في عودة تونس "في أقرب وقت ممكن إلى النظام الدستوري"، وأوضحت أن بلادها "قلقة للغاية" مما جرى، لكن "لا نودّ الحديث عن انقلاب"، كما اوضح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في تصريح مقتضب إن بلاده تراقب التطورات في تونس. وقال في مؤتمره الصحافي اليومي عبر الهاتف "نأمل ألا يهدّد شيء استقرار وأمن شعب ذلك البلد".

على ضوء حالة الاحتقان التي خلقتها حركة النهضة داخل تونس وردود الأفعال الدولية، سارعت رئاسة الجمهورية إلى دعوة كل قيادات المنظمات الوطنية وعدد من النقابات إلى قصر قرطاج لبيان وإيضاح الغاية من إصدار هذه القرارات والسبب في الاعتماد على الجيش بصفة شبه كلية في تطبيق هذه القرارات وتسيير بعض المهمات، لقاءات أكد خلالها قيس سعيد أن الغاية هي إعادة الأمور داخل المشهد السياسي إلى نصابها ومكافحة الفساد المستشري ووضع مسارات جديدة للخروج بتونس من الأزمات التي تخنقها، وتكليف وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي بالتواصل من نظرائه من الدول لإيضاح المسائل العالقة بخصوص مآلات هذه القرارات المفاجئة.

فما حدث أن القرارات المفاجئة جاءت طبقا لأحد فصول الدستور وعلى لسان رئيس الجمهورية منتخب، ورغم ما دار في كواليس المشهد السياسي من رغبة بعض جنرالات الجيش التونسي في الإطاحة بالنظام البرلماني والتأسيس لنظام رئاسي ويسانده الجيش من وراء الستار، إلا أن مهمة الجيش على أرض الواقع جاءت تطبيقا لأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة، قيس سعيد، وذلك تطبيقا للقانون والحفاظ على مصلحة الدولة العليا من أي محاولة لزرع الفوضى والتخريب والقيام بدور ريادي في تنفيذ المهمات التي أوكلت له دون التدخل في سير دواليب الدولة بصفة فاعلة. وحفاظا على معطى الحقوق والحريات ، لم يتم غير إغلاق مقرات قناة "الجزيرة" وقناة "العربي" بعد ثبوت تورطهما في محاولات لبث الفتنة والفوضى، إلى جانب أن ما يحدث هذه الأيام هو خدمة لمصالح الشعب بالفصل قضائيا في قضايا الفساد التي طالت الدولة ومحاسبة كل من ثبتت عليه أدلة تورّطه في نهب وسرقة أموال وثروات الشعب.

لا تزال الأمور غير واضحة المعالم حول مآل الدولة التونسية خلال بقية فترة الثلاثين يوما التي منحها الدستور التونسي لرئيس الجمهورية بعد تنفيذه لمعطيات الفصل 80 منه، خاصة في ضوء ما تحاول فعله حركة النهضة ضمن هذه الفترة ومن ورائها تنظيم الإخوان المسلمين الدولي للخروج من عنق الزجاجة والإفلات من لحظة حشرجة موتها السياسي البطيء التي أعلنت بدايتها الاحتجاجات الشعبية يوم عيد الجمهورية، 25 جويلية 2021 ، حيث أن فشل تطبيق وعود رئيس الجمهورية للشعب سيضعه أمام مأزق العودة إلى المربع الأول، وذلك ما تنتظره حركة النهضة، وسيفاقم غضب الشعب الذي من الممكن أن يدفع بإتجاه ثورة أخرى قد تكون عواقبها سببا في دخول تونس في نفق عدم الخلاص من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية.