ما أبلغها لغة الضاد وما أغناها وما أدق قواعدها وأحكامها، وما أكثر أفعالها وحركاتها وصورها ومفرداتها وجملها وتعابيرها... لم يكن عبثاً أن قيل في البدء كانت الكلمة ومن الكلمة (كن فيكون)، فالبلاغة لم تعد في الإيجاز وكفى، لا، بل غدت في تطابق الوعود مع ما يمكن إنجازه على أرض الواقع، فالهذر اللغوي الأخواني والخطابات الطنانة الرنانة في ليبيا أصبحت كسراب وغيوم بلا مطر، هي في المحصلة ثرثرة أخوانية قاتلة، تبدو نتائجها على الأرض حسب مطلقيها...

وكم هي الحكمة في لغة الضاد ومنها أن تتعدد حروف الجر، وتوجد حروف العلة والضمائر المستترة تحت العمامات الليبية والمنفصلة عن الواقع، ولغتها وأخلاقها وقيمها وقواعد إعرابها الممنوعة من الصرف، إلا في قنوات الصرف الصحي، لقد تمرّدت ضمائر على حركات اللغة بالضمة التي تقول لسان الضاد يجمعنا، وتنكرت لقبائل وشخصيات، وكسرت الضمة وفرّقت بدلاً من الجمع وتاجرت بالفتحة وأغلقت قلبها وعقلها، لكنها فتحت ذراعيها وغرائزها لكل تركي ومرتزق أثيم، ولم تؤمن يوماً بتاء الفاعل المتحركة المتحررة من الجهل، بل سكنت وانتابها سبات أهل الكهف حيال ما يجري على أرض عمر المختار، من كوارث للشعب الليبي، وإن تحركت ضمائر الأخوان مجازاً، فإنها تمسك خنجر أبرهة الحبشي بيد أبي لهب التي تبت، لتطعن به أبناء جلدتها وبلداناً مجاورة...

فكم تحتاج ليبيا الآن إلى أحرف الجر لتجرهم من كروشهم ومناصبهم، إلى مزابل التاريخ كأحرف علّة وأحرف مشبهة بالفعل، وتكسر أواخرهم وقوالبهم، لكيلا يتكرروا، وتتطهر اللغة وليبيا من الذين دنّسوها، ويبقى أبجد هو المبتدأ وصحيح اللغة هو الخبر، وحروف التوكيد تفيد أنّ ''الأخوان'' هم الضمير المستتر تحت الطربوش العثماني، الذين سفكوا دماء الليبيين ولا يزالون... الآن الأمور مفضوحة، فبعد أن اشتغلوا سراً لصالح قوى الاستعمار النّهّاب طوال عقود من القرن العشرين، هاهم في زماننا، يتعاونون معه علناً، ويأتمرون بأمره جهراً، ويقيمون العلاقات العلنيّة الفاضحة معه، فأيّ افتضاح بعد هذا؟!

في العربية يرفع الفاعل وهذا من حقه، فهو يستحق الرّفعة والرّفع والتكريم لأنّه يتعب ويشقى ويجتهد ويقوم بفعلٍ من شأنه أن يغيّر به ما حوله... يضيف به إلى الدّنيا ما لم يكن فيها... الفاعل هو الشعب الليبي، يستحق الرّفع والرّفعة والتكريم لأنّه يعبّر بفعله عن إرادة وقدرة على تحمّل ما يترتب على ذلك الفعل من نتائج... الشعب الليبي هو الفاعل يستحق الرّفع والرّفعة والتكريم لأنّه يمارس بفعله معنى الحريّة حين يختار ويفاضل بين الأفعال.

هذا حال (الرّفع) لمن أراد أن يرتفع ويعلو شأنه بالعمل والفعل وممارسة الحرية... أمّا من ارتضى لنفسه الذل وانحطاط الشأن فلا لوم على اللغة إذا نصبته وتركته نهباً لمن يريد أن (يُنصب) عليه ويستعبده... فهو بلا حول ولا قوّة... هو (مفعول به)... ينتظر الفعل عليه... يأكل ويشرب ويلبس من صنع غيره... لا يقوم بفعل يفتخر به... هو محسور، كظيم، بائس، على وجهه عبوس، وفوق الحرف الأخير منه (فتحة) هي علامة النصب... شَرطة كأنها الجرح... وإذا كان هذا حال (المفعول به) المفرد فحال الجمع أشدّ نكالا وعلامته أكثر إيحاء بحالة الاستهجان... علامته حرف الياء التي تذكرنا وتذكر من يلينا بالقول   ''نعم''  إذا أردنا أن نعبّر عن الخيبة الثقيلة. وحالة (السّكون) هي الثالثة... فيها صمت يناسب الانصياع لفعل (الأمر)... علامتها دائرة مقفلة على الحرف الأخير... سيكون مطبق... كامل... مسيطر... ولا كلمة... أمّا حالة (الجرّ) فتصعب على الكافر... المجرور منصاع، تابع لمن يجرّه ولو إلى حتفه... مسلوب الإرادة... قعيد عن الفعل... مكسور النفس والأرجل والأطراف... راقد على كَسرة عبارة عن شَرطة تشبه الزحافة... تجره على الأرض ليسف التراب...

للأسف المأسوف على شبابه، في ليبيا حتى الضمائر أصبحت غائبة ومغيبة وليست مستترة... ضمائر كثيرة غائبة منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، فهذه الضمائر في سبات أبدي، وليسمح لنا النحاة إذن بالجزم أنّ ضمائر أخوان ليبيا، منفصلة وليست متّصلة، مستترة... بل وأغلبها غائبة وليست مقدّرة كما ينبغي. ويبقى أبجد هو المبتدأ وصحيح اللغة هو الخبر، هم الفاسدون والمفسدون والانتهازبون والوصوليون... هم إذن، أفعال ماضية إلى حتفها وجمل راجعة من عزائها وأفكار لن تبارح محلّها.

خلاصة الكلام: الجيش الوطني الليبي الآن، يعلم من أوغل في أميته لغة، وحساباً إنه ضمير الشعب الليبي المعلن وضميرها المتصل بتاريخ وحاضر ومستقبل ليبيا، وقيمها وقيمتها ولغتها وأعرافها وأخلاقها، والجيش الليبي هو الأحرف الصحيحة التي يصاغ منها النصر والفخر، بأسماء وأفعال تُسقط أحرف العلّة وأشباه الرجال والأفعال، والجيش الوطني الليبي، هو الرقم الصعب المستحيل الذي لا يقبل القسمة إلا على واحد، ويطرح ويلفظ الكسور والفواصل، ويجيب عن كل إشارات الاستفهام والتعجب، بلغة الميادين وأبلغها إن الشهادة قدر والنصر قرار.