مصطفى حفيظ

مما لا شكّ فيه هو أنّ صورة الاخوان المسلمين في المنطقة المغاربية اهتزّت جرّاء ما حدث ويحدث لحركة النهضة الآن في تونس، والأكيد أنّ ما يحدث سيكون له انعكاسات على نظرائهم في المغرب والجزائر وليبيا، وأيضا سيفضح ويحرج أهمّ حليفين للإخوان في هذه المنطقة، وهما قطر وتركيا ويكشف أجنداتهما في تونس أو لاحقا في بقية الدول المغاربية، خاصة الفضائح المالية التي تورطت فيها النهضة بسبب صناديق التنمية التي منحت من خلالها تركيا قروضا مالية لتونس ظاهرها اقتصادي وباطنها أجندة اردوغان للتدخل والسيطرة على تونس، إذن، ما مصير الاخوان في تونس بعد تورطهم في الفساد والتهديد باستعمال العنف؟ وأيّ مستقبل سياسي لإخوان الجزائر والمنطقة المغاربية بعد اهتزاز صورة نظرائهم في تونس؟ وكيف ستتأثر أجندات تركيا وقطر الداعمتين لهذا التنظيم في المغرب العربي؟

لعل أبرز ما يحدث الآن في تونس هو تصدّع حركة النهضة التي سيطرت على البرلمان لعشر سنوات، فقد تسارعت الأحداث بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد بخصوص البرلمان التونسي والحكومة المتحالفة مع الاخوان، إلى درجة تعالي أصوات من داخل الحركة للمطالبة باستقالة رئيسها راشد الغنوشي بعد رائحة الفساد التي فاحت من الحزب، والأكيد أنّ هذا التصدّع سيؤدي حتما لإبعاد الحركة عن المشهد السياسي، ولاحقا، وهذا هو الظاهر، قيام السلطة التونسية بحلّ هذا التنظيم السياسي المتورط بشكل ما في خدمة أجندات خارجية معروفة، وهي سياسات تركيا وقطر لتنفيذ مخططاتهما في المنطقة المغاربية عن طريق ذراعهما فيها وهم الإخوان المسلمين سواء في تونس، ليبيا، المغرب والجزائر، والأخطر بالنسبة لتونس هو إمكانية تورط الحركة الاخوانية في العنف من خلال دعوة أنصارها للخروج إلى الشارع، أو مثلما صرح به الرئيس سعيّد ضمنيا وهو محاولة الحركة تسليح عناصر لها للجوء إلى العنف إن تطلب الأمر، إذن فالأمور كانت ستؤول بشكل ما إلى تأزّم الوضع أكثر في تونس وربما لجوء النهضة لإظهار وجهها غير المعتدل الذي طالما أخفته، فكيف سيكون مصيرها بعد كشف ملفات الفساد للعلن؟ ومن هم الأسماء المتورطة من قيادات الإخوان؟ وهل ستكشف ارتباطاتهم بالأجندات التركية القطرية؟ 

مصير حركة النهضة والأجندات القطرية التركية في تونس

لقد وضع الرئيس التونسي شوكة في حلق الاخوان في تونس وعطّل أجندات خارجية للسيطرة على دواليب الحكم والسيادة في البلاد، فحسب معطيات الواقع من تونس، فإنّ حركة النهضة التي ترأس البرلمان التونسي وتتحالف مع الحكومة التونسية (قبل اعفاءها من طرف الرئيس مؤخرا)، تكون قد دخلت في نفق مظلم بعد تورطها في قضايا الفساد والارتباط بأجندات خارجية، فقد رأينا كيف ولمدة عشرة سنوات، دخلت تركيا لعمق تونس وغزتها اقتصاديا وماليا بفعل التسهيلات والاتفاقيات التي ابرمتها مع تونس بوساطة حركة النهضة، والأمر هنا يتعلق بصناديق التنمية التي تضمّنت منح قروض وديون تركية لتونس بهدف ظاهر وهو تعزيز وتيرة التنمية الاقتصادية التونسية، وباطنها السيطرة والتغلغل داخل النظام الاقتصادي والسياسي في البلاد، وليس هذا فقط ما يجعل النهضة متورطة مع الأجندة التركية فحسب، بل أيضا ما قامت به عندما فتحت الباب للوجود التركي في تونس منذ 2011 عندما ترأست أول حكومة بقيادة حمادي الجبالي آنذاك المنتمي للحركة، ثم بعده علي العريّض، وكانت النهضة من وراء اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين تونس وتركيا، وهو طبعا تغلغل تركي مالي في تونس بشكل ما، لكن الأكيد أن أجندة تركيا في تونس لم تكن تعاون وحضور اقتصادي فقط، بل توريط المسؤولين ماليا بالقروض ومن ثمّ التأثير على القرار السياسي السيادي في تونس، ورأينا أيضا كيف ثارت ثائرة نواب في البرلمان عندنا أرادت النهضة تمرير اتفاقية التمويل القطري أو ما عرف بمشروع اتفاقية بين تونس وصندوق قطر للتنمية، وهو طريقة النظام القطري للتغلغل داخل البلدان العربية أو حتى دول افريقية بحجة استثمارات أو اتفاقيات الغرض منها خدمة أجنداتها رفقة النظام التركي لتوسيع نفوذهما في المنطقة المغاربية ودول الساحل ووسط افريقيا، فالاتفاقية السالفة الذكر أثارت الجدل داخل البرلمان ذو الأغلبية الاخوانية والأحزاب المتحالفة معها، وتقضي الاتفاقية بإنشاء مقر لصندوق قطر التنمية، وتم رفضه في 2019 ثم صودق عليها مؤخرا، وهو ما عجّل بقرارات الرئيس التونسي بعد تيقّن السلطة لرائحة فساد مالي وتورط قيادات حزبية منها قيادات من النهضة، والآن، بعد مساندة التونسيين لقرارات سعيّد ومعظم الأحزاب والتنظيمات العمالية له، ورفضها الاستجابة لدعوة الغنوشي للشعب التونسي من أجل الخروج للشارع للدفاع عن ديموقراطيته، وأيضا، المساندة الدولية لتونس، يكون الرئيس التونسي قد اكتسب شرعية إضافية تمكّنه بعد وقت قصير من تجميد أو حلّ الحركة وانهاء مستقبلها السياسي أو تحجيمها، والأكيد أيضا هو أنّ صورة الاخوان في تونس قد اهتزّت فعلا وربما لم تقوم لها قائمة ولن تلقى ذلك الدعم الذي لقيته من أوساط شعبية تونسية في الانتخابات البرلمانية السابقة، فهل ستراجع تونس علاقاتها مع تركيا وقطر على خلفية هذه الأحداث؟ خاصة إذا ثبت تورط هذه الأطراف في ملفات الفساد بشكل مباشر؟

اهتزاز صورة الإخوان في المنطقة المغاربية: الجزائر المغرب وليبيا... وأيّ مستقبل سياسي لإخوان الجزائر؟ 

بات مؤكّدا أنّ صورة الاخوان في المنطقة المغاربية بعد الذي حدث في تونس لحركة النهضة سيؤثر دون شك على مستقبل الحركات والأحزاب السياسية ذات الأيدولوجيا الاخوانية، وحتى لو أنّ بعضها يرأس الحكومة والبرلمان مثلما هو الحال في المغرب أو في ليبيا مثلا، أو مشاركة في الحكومة مثلما هو الحال مع حركة البناء الوطني الاخوانية المنهج، إلا أنّ أي تورط في فضائح فساد مالي خدمة لأجندات معروفة لقطر وتركيا يجعل هذه الأحزاب والتنظيمات الاخوانية في المنطقة المغاربية في موضع الشكّ والريبة من جانب السلطات السياسية في هذه البلدان أو شعوبها، وقد يؤثر على فرص حصولها على الدعم الشعبي في حال ثبت ارتباط قياداتها بالتنظيم الاخواني التركي ذي المخططات التوسعية في البلدان المغاربية، برغم ذلك، فقد تباينت مواقف الأحزاب والحركات والجمعيات الإسلامية ذات التوجّه الاخواني في المنطقة المغاربية، فمنها من عبّر عن قلقه دون وصف الخطوة بالانقلاب، كحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي التزم الصمت والترقب عوض التنديد ومساندة حزب اخواني مثله في تونس، لكن معظمها وقفت إلى جانب حركة النهضة في تونس ووصفت قرار الرئيس سعيّد بالانقلاب على الديموقراطية والدستور، كجماعة العدل والإحسان المغربية مثلا التي نددت بما قام به سعيّد واعتبرته انقلابا على الثورة والدستور ، أما ليبيا فعبّر الاخوان الذين يمسكون بزمام الأمور في الجهة الغربية من ليبيا بدعم تركي صريح، فقد نددوا أيضا بما قامت به السلطة في تونس، ووصفوا الخطوة بالانقلاب، وتحركت جماعات ميليشية تابعة للإخوان في ليبيا نحو الحدود مع تونس في خطوة استباقية للتحرك نحو تونس في حال اندلاع صراع مسلح بين النهضة والسلطة، والأكيد أنّ هناك أطرافا داعمة للتنظيم الاخواني المسلح في ليبيا (والمقصود هنا هي تركيا)، قد تستفيد من اندلاع هذا الصراع المسلّح. أما في الجزائر، فوصفت حركة حمس ما حدث بالانقلاب على الدستور التونسي والإرادة الشعبية للشعب التونسي، وطبعا كانت الحركة تقصد في بيانها أنّ الشعب التونسي اختار النهضة بشكل ديموقراطي في التشريعيات التي حصد فيها الأغلبية، لكن ما لم يذكره رئيس حمس عبد الرزاق مقري هو أين هذا الشعب الذي صوّت للنهضة اليوم؟ لأنّ الواقع أثبت بعد أيام من قرارات الرئيس التونسي أنّ الشعب خرج قبل وبعد هذه الخطوة منددا بحركة النهضة وفسادها وليس مساندا لها، إذن، فحمس الإخوانية معروف موقفها المعارض للموقف الرسمي الجزائري عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين، ونفس الموقف عبّرت عنه جبهة العدالة والتنمية التي يرأسها عبد الله جاب الله، فهي أيضا حركة إسلامية تساند الاخوان، ورأينا كيف نددت الأحزاب الاخوانية في الجزائر بما وقع في مصر بعد الإطاحة بالرئيس مرسي المنتمي للإخوان المسلمين في مصر، وبرغم تأثر صورة الأحزاب والحركات الإسلامية في الجزائر، بحكم علاقتها وارتباطها بتركيا وقطر ووجود مقر تنظيم الاخوان العالمي في إسطنبول، إلاّ أن علاقة السلطة الحالية في الجزائر بالإسلامين ليست بذلك السوء مثلما هي عليه في تونس بين السلطة التونسية وحركة النهضة، فالجزائر تستعمل الاسلامين في الانتخابات مثلما قد تحتاج إليهم في الكثير من القضايا بحكم علاقتهم بالأتراك أو بالحكومات الاخوانية، فحركة البناء الوطني وهي الممثل الشرعي لتنظيم الاخوان المسلمين الدولي، هي الآن مساندة للرئيس ومشاركة في الحكومة ويمكنها لعب دور سياسي في تهدئة الأوضاع في تونس إن آلت الأمور إلى صدام بين السلطة والنهضة، وكان موقف حركة البناء من موقف السلطة في الجزائر، وهو عكس موقف نظيرتها حمس، التي طالبت الحكومة الجزائرية بدعم "المؤسسات الشرعية التونسية وإدانة الانقلاب" حسب بيانها، برغم معرفتها المسبقة بالموقف الرسمي الجزائري وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومهما يكن، فالجزائر الرسمية لا تبدي أيّ موقف من حركة النهضة ولا من قرارات الرئيس التونسي لحد الساعة باستثناء الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين ( تبون وسعيّد) والزيارات المتكررة لوزير الخارجية الجزائري لعمامرة إلى تونس في أقل أسبوع، حيث عبّرت الجزائر عن قلقها ومتابعتها باهتمام لما يحدث في تونس، لكن ما لم تعبّر عنه السلطة الجزائرية هو غضبها من عدم استشارتها من طرف الرئيس التونسي، بحيث تشير بعض المصادر إلى أنّ خمس دول فقط هي من كانت على علم بالخطوة التي كان قيس سعيّد يهمّ باتخاذها، وهي كل من المانيا، فرنسا، الامارات، الولايات المتحدة والسعودية، بينما كان الأمر مفاجئا للجزائر، أولا لأن علاقاتها بتونس علاقة جدّ خاصة بحكم الجوار والتقارب الاقتصادي والتعاون الأمني، حيث ما يحدث في تونس من توتر أمني مثلا يهمّ الجزائر وتعطيه أولوية، ورأينا كيف كثّفت الدولتان جهودهما لمكافحة الإرهاب في جبال الشعانبي الحدودية بينهما، ومنه، فإنّ تحركات لعمامرة الأخيرة توحي بأن الجزائر تهتم بشكل خاصة بما يحدث من تطورات في تونس، وقد تلجأ لاستخدام الاخوان في الجزائر إن احتاج الأمر لوساطة من هذا النوع بحكم علاقتهم بالإخوان في تونس، وعن مستقبل الحركات الاخوانية في الجزائر في حال ثبوت تورط النهضة في الفساد خدمة لأجندات تركية قطرية، فالأكيد أن السلطة في الجزائر قد تنظر للأمر بحذر وتكثّف من مراقبة تحركات الاسلامين وعلاقاتهم بتنظيمات قطرية وتركية، فهل سنشهد تغيّرا في نظرة السلطة إلى الاخوان في الجزائر أم أنّها ستواصل استعمالهم في المواعيد الانتخابية وتحقيق توازن سياسي بنحو ما؟

هل ستتأثر العلاقات التركية الجزائرية من الأوضاع في تونس؟

من السابق لأوانيه الحديث عن تأزم العلاقات التركية الجزائرية بسبب الوضع في الجارة تونس، فبرغم الموقف الصامت للرئيس التركي حيال ما حصل في تونس، يكون خلال مكالمته الهاتفية مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون قد طرح المسألة من زاوية العلاقات الجزائرية التركية ومستقبلها في ظلّ ما يحدث في تونس، لكن رسميا لم يصرّح بفحوى المكالمة واكفي بيان رسمي للرئاسة الجزائرية بالقول: "سمحت المكالمة، باستعراض العلاقات الثنائية بين البلدين والوضع السائد في المنطقة"، وبرغم عدم التصريح بمضمون الاتصال الهاتفي بين الرئيسين، إلاّ أن المؤكد هو تناول المسألة التونسية، لأنّ الجزائر ترفض الاخلال باستقرار وأمن تونس، لكن اردوغان، الذي لا يود أن يخسر علاقته المستجدة مع السلطة الجديدة في الجزائر، له حساباته الاستراتيجية في المنطقة، وخسارته لحليف كحركة النهضة يجعله يخشى من فقدان شركاء آخرين وتختلط أوراق أجنداته في المنطقة، وكان الرئيس التركي التزمت الصمت بينما اكتفت وزارة خارجيته بالتعبير عن قلقها "العميق حيال تجميد البرلمان التونسي" وأملها "في إعادة بناء الشرعية الديمقراطية بأسرع وقت ممكن وفق أحكام الدستور التونسي"، إلاّ أن ذلك لا يعدّ الموقف الحقيقي والصريح لتركيا إزاء ما حدث لحليفتها في تونس حركة النهضة، لأنّ علاقة اردوغان براشد الغنوشي أكثر من شخصية، والأكيد أن تركيا قلقة من مصير حليفها هناك، أما فيما يتعلق بالجزائر، وحاليا، أصبحت تركيا شريكا اقتصاديا هاما للجزائر، مع تراجع الدور الفرنسي وتصاعد الصين وتركيا كشريكين اقتصاديين هامين للجزائر، والخلاصة أنّه في الوقت الراهن لا يبدو أن علاقة تركيا بالجزائر ستتأثر بسبب ما يحدث في تونس، لأن السلطة في الجزائر ليس لديها ما تخشاه من ارتباطات الإسلاميين مع الاتراك، وأيضا لكون السلطة ما تزال في حاجة لهم في مواعيد انتخابية أو حتى ربما وساطة مع اخوان تونس.