كنت احاول ان اصل بالقول . فى ما كبته في الجزء الاول من تحت هذا العنوان . ان مبعوث الهيئة الاممية الى الجغرافية الليبية مع بدايات خمسينات القرن الماضى . والذى كان هدفه  مساعدة الكيان الليبيى على التخلّق والانبعاث الى دنيا الوجود . واعتماده كدولة ومفردة بين مفردات دول هذا العالم البائس . سعى المندوب الاممى حينها وفقط . نحو استنطاق البعد الديمغرافي (السكاني) الليبيى  . متغافلا عن البعديين الجغرافي والثقافي . ربما مراعات منه  للظرف الاستثنائي  . الذى كانت تمر به وتعانيه  البيئة الحاضنة لولادة هذا الكيان الجديد .  من نذره فى الموارد الطبيعية وتراجع فى الكفاءات البشرية . التى يحتاجها هذا  الجديد . لتسّير وادارة شأنه العام . 

   وبعد عقود سته من الزمان  وبعد اكتشاف النفط . وتدفقه من باطن ارضهم  مع نهاية ستينات القرن الماضى . صار بذلك لليبييا والليبيين   ايراد مالي جيد . يُمكنهم من تخطى فضاءات الدول النامية . الى اخرى متقدمة . لو وُظف  هذا المورد  واٍراده المالي على نحو جيد داخل بلادهم . بل كان غياب هذا العامل . من احد الدوافع الرئيسية . التى جعلت الليبيون ينتفضون مع نهاية شتاء 2011 م . مطالبين بصيغة والية جديدة غير التى كانت .  يُديرون بها شأنهم العام بما يحفظ كرامة وادمية الانسان داخل بلادهم  . و تمكنهم من توظيف موارد وطنهم داخل وطنهم  . لكى يتخطوا بذلك فضاءات البؤس  التى تشدهم الى قيعان التخلف  . والانطلاق به الى غيرها من الفضاءات  المتقدمة , التى تليق بحياة الانسان وتحفظ كرامة ادميته   . 

      كنت احاول ان اصل بالقول  . بان استنطاق البعد الديمغرافى (السكانى) لاشك بانه يساعدنا  فى مخرجاته . من وضع الاليات المناسبة , التى بها ومن خلالها نتمكن من هيكلة وتشييّى هذه المخرجات فى محّسوسات على دنيا الواقع . فى مؤسسات وهيئات ودوائر واطر . تكون وتكوّن فى مجّملها .  الصيّغة والالية الجديدة لتسّير وادارة الشأن العام فى ليبيا او فى البلاد او فى الوطن . ولكن  هذه المفردات العديدة المترادفة . البلاد . ليبيا . الوطن . . يجب - فى تقديرى-   تحديدها بدقة من خلال معالجة دستورية . كى نتمكن من تخطى اللبس ما بين التأسيس لدولة او التأسيس لنظام . وتمت فرق كبير ما بين الكلمتين الاولى . التى انتفض الليبيون ساعيين لتحّقيقها . والثانية التى انتفضوا ساعيين لا زالتها . 

   فباستنطاق البعد الجغرافى للدولة المامولة . تستطيع به الدولة من خلاله تحسس ذاتها جغرافيا . وبه تستطيع تحديد وعائها الوطني (ليبيا الوطن البلاد) . وتتعرف به ايضا كدولة على تماسها الجغرافى . ومن تم على الاقليم الجغرافى الذى يضمها كمفردة من مفرداته الجغرافية .  وكدولة ايضا ذات سلوك مسؤول تجاه مواطنيها اولا فى الامن والاستقرار . واتجاه فضاءها الاقليمى والدولى . ستتعرف ومن خلال هذا الاستنطاق . بان هذا الفضاء الاقليمى . الذى يضمها كمفردة من مفرداتها الجغرافية  . سيكون ذو مردود حيوي سلبا او ايجابا على امنها واستقرارها   .  فستسّعى وبهدف استدراج الامن والاستقرار الى كيانها . نحو مد جسور التواصل البناء الاقتصادية والتجارية والامنية والثقافية والسياسية معه قبل غيره من الاقاليم  . 

     وباستنطاق البعد الثقافى الذى تشكله توّليفة الابعاد الثلاثة ثقافية. ديمغرافية . جغرافية . ستكتشف وتتعرف الدولة على الوشائج الطبيعية التى تشدّها الى فضاء بعينه , عبر امتداد جغرافي. ديمغرافى .ثقافي . طبيعي غير مصّطنع . وبحكم هذه العوامل الثلاثة . سيكون التواصل مع هذا الفضاء سلس وذو انتاجية ايجابية عالية  . وستسعى الدولة ذات السلوك المسؤول . نحو استغلال هذه الخاصية وتوّظفها ايجابيا . لما يعود عليها وفضاءها ومحيطها الإقليمي والدولي بالخير والنماء .      

     وهنا يجب ان اقول . وبحكم الواقع الموضوعي . واستناد على ما تم   تناوله سابقا .  يتضح امامنا ومن خلال هذا الاستنطاق الجغرافى الثقافى . بان الحدود الجغرافية لليبيا , هي الوعاء الوطني الوحيد لليبيا . والتى يجب ان تُوظف موارد البلاد البشرية والطبيعية وما فى حكمها فى خدمته والنهوض به . وان ليبيا ومن واقع الاستنطاق الجغرافى الموضوعى . هى مفردة جغرافية من مفردات اقليم شمال غرب اقريقيا . ومكوّن اساس من مكونات الفضاء المغاربى . وتحتل حيّر واسع على الضفة الجنوبية لغرب حوض المتوسط . فالذي يسعى الى تأسيس دولة . لا يجب عليه - قى تقديرى – تجاهل كل هذا او القفز من فوقه . بل يجب السعي نحو اضفاء صبغة الزامية فى اولوية التعاطي معه قيل غيره من الاقاليم والفضاءات . والإيعاز بالتنصيص دستوريا على المؤسسات والهيئات والدوائر المنبثقة عن الاستنطاق الديمغرافى وما فى حكمها  بالتقيد والالتزام بذلك .

   وان السعي - فى تقديرى – فى غير هذا الاتجاه . بمعنى تجاهل استنطاق البعديين الجغرافي والثقافي الليبيين . والقفز من فوقهما . والاكتفاء باستنطاق البعد الديمغرافى والعمل على تنصيص ودسترة ما يحتاج الدسترة من مخّرجاته . هو فى واقع الامر . سعى لتأسيس نظام وظيفي لا مسّعى فيه البتة لتأسيس دولة مستقلة . هو مسعى لتأسيس نظام وظيفي يشدّ ويربط الجغرافيا الليبية بجغرافية اخرى متّبوعة  .  وبقول اخر هو تأسيس لنظام وظيفي يجعل من الجغرافية الليبية منجم طبيعي وخزان بشرى . يُوظف فى خدمة ومصلحة ومأرب جغرافيا اخرى متبوعة . وبمختصر القول هو مسّعى لتأسيس نظام وظيفي تتحول به الجغرافيا الليبية . ليس غير اطيان واقنان فى خدمة , هذا الإقطاعي الجغرافي المتبوع . 

                      كاتب ليبي