حميد زناز

من السخف والتضليل  والتهرّب من المسؤولية رد حرائق جبال الأوراس المهولة في الأيام الأخيرة إلى عمل تخريبي قامت به جماعات إجرامية بدعم من أعداء الجزائر. هي إسطوانة مشروخة يرددها النظام منذ الاستقلال فكأن لا عمل للآخرين سوى محاولة إلحاق الضرر بالجزائر. فلماذا يحسدون بلدا لا قطاع يسير فيه على ما يرام ويعيش أزمة سياسية و اقتصادية و اجتماعية على الدوام ؟                                                                             لا جزائري اليوم مقتنعا بالخطاب الرسمي. لقد طرد مواطنون كانوا يحاربون اللهيب بوسائلهم البسيطة وزيري الداخلية والفلاحة فور وصولهما الى موقع النار بعد خمسة أيام من اندلاعها وأسمعوهما كلاما قويا: "التهمتم البلد أيها اللصوص" . الجزائريون يعرفون واقع بلادهم المزري ونقائصه القاتلة. اندلع الحريق في جبال شيليا وعين ميمون وتامزة   في ولاية خنشلة شرق الجزائر. لقد مسحت النيران قرابة 1500 هكتار تركتها رمادا وألحقت بالفلاحين خسائر مرعبة مست أشجارهم المثمرة و حيواناتهم وكادت أن تصل الى قراهم.

وبغض النظر عن تلك التفسيرات الواهية، التي يقدمها رجال النظام و نساؤه، فالنار، التي أكلت الاخضر واليابس في جبال الأوراس، كشفت للجميع الضعف الخطير، الذي تعانيه السلطات في الحفاظ على الثروة الغابية الشحيحة والتراث الأخضر المتآكل كل يوم. لا تمثل الغابات سوى 16 % من مساحة الشمال و 1.7 % من مجموع التراب الوطني! والسؤال اليوم: هل بإمكان هذا النظام إنقاذ هذا الكنز الايكولوجي الجزائري النادر والمهدد بالانقراض ؟  

تبلغ مساحة الجزائر 2.382 مليون كيلومتر مربع. وفي الحقيقة يغطي هذا الرقم المقدم دائما بزهو حقيقة مرة، وهي أن 84 % من تلك المساحة صحراء و النسبة الباقية تتكون من أنواع مختلفة من التربة من بينها 250000 كيلومتر مربع مناسبة للنباتات من ضمنها 41000 كيلومتر مربع من الغابات فقط. ومن البديهي الاستنتاج بأن هذا غير كاف لضمان التوازن البيئي والبيولوجي. و في الوقت الذي كان يجب فيه العمل على توسيع المساحات الغابية، فإن السلطات غير قادرة حتى على حماية المساحات الضئيلة الموجودة وغير الكافية في المحافظة على التوازن الطبيعي، والتي هي في غالب الأحيان أحراش وأدغال   مهملة.  وبعيدا عن الاستغلال السياسوي للكارثة، فمصدر الحرائق معروف لدى الخاص والعام. صحيح أن هناك عوامل مناخية وإنسانية ظاهرة، ولكن مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنقص الفادح في منظومة الحفاظ على الغابات منذ سنوات.  

من الأسباب المعروفة عادة رمي أعقاب السجائر مشتعلة وبشكل عفوي في أي مكان لدى الجزائريين وحرق الفلاحين للأعشاب وطهي المتنزهين  للطعام في الهواء الطلق وسط الغابات.  إضافة إلى   رمي زجاجات مهشمة وعلب الجعة في الغابات وتركها تحت أشعة الشمس الحارقة ، إذ هناك نقص فادح في عدد الحانات في الجزائر يستفيد منه مستوردو الخمور وبيعها في السوق السوداء. علاوة على سقوط كوابل نقل الكهرباء وحرق النفايات والحرق من أجل تجديد العشب من طرف الرعاة، وكذلك النيران المستعملة أثناء جني العسل

و على عكس ما يدعي النظام المتعود على إخراج شماعة المؤامرة لتضليل المواطنين وتغطية فشله، فأغلب الحرائق ذات طابع عرضي، غير مقصود، كما تبين دراسة أجرتها  مجموعة من الباحثين من جامعة تيزي وزو، والذين أكدوا أن الجزائر تعاني من شبه انعدام  للثقافة البيئية والاهتمام بالمحيط، و هو السبب الرئيسي لعودة الحرائق كل موسم حر. وليس هذا فحسب، فالمديرية العامة للغابات  تقول سنة 2016 إن البلد يعاني أيضا من تخلف علمي كبير. مما  يجعله عاجزا عن إدراك تأثيرات التغير  المناخي على الرأسمال الطبيعي والغابي على وجه الخصوص والتكهن بما قد يتركه من آثار على أهم الانظمة البيئية والتنوع البيولوجي

من البديهي أن مكافحة حرائق الغابات تتطلب ميزانية معتبرة ومعدات عصرية، كأنظمة الإنذار وموارد بشرية وغيرها. وهي شروط غير متوفرة في الجزائر كما يجب. وتبدو الأمور غير مطمئنة  تماما، إذ تقول تقارير عديدة إن 50 % من الآلات معطلة و 70 %  منها مجهزة تجهيزا سيئا. فمثلا نجد أن 300 سيارة مجهزة ضد الحرائق فقط من مجموع 961. وعموما فكل السيارات قديمة، حسب اعتراف المديرية العامة للغابات منذ سنة 2016 ولم تُجدّد.  لم تتمكن السلطات الجزائرية من الاعتناء بالغابات، والخزينة ممتلئة بملايير دولارات النفط والغاز طيلة 15 سنة. فكيف ستعتني بها والخزينة تكاد تكون فارغة في السنوات العجاف القادمة!