أثارت مقالتي السابقة المنشورة على صفحات بوابة أفريقيا تحت عنوان " فلسطين ..لامشعل ولا نصر الله " إستياءا بالغا لدى البعض من أصدقائي الإعزاء فلسطينيين وليبيين ممن إختاروا بوعي أو بدونه الإنحياز لقراءة إنتقائية منفصلة عن السياق العام الذي قصدت الإلتزام به في معرض إنتقادي لمواقف حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية الإسلامية التي إكتسبت شرعيتها في وجدان ووعي الشارع العربي من إرتباطها المعلن بقضية العرب المركزية..قضية فلسطين ..
ولقد دارت نقاشات مباشرة بيني وبين الاصدقاء المعترضين على ما تضمنته المقالة  المشار إليها وخلاصة ردي على ملاحظاتهم أسجلها كتابة لتأكيد تمسكي بما نشرته في وقت سابق :- 
أولا / إن الدفاع عن القضية الفلسطينية لاعلاقة له بالمشاعر والعواطف القومية والدينية التي تربطنا كعرب ومسلمين بالشعب الفلسطيني المظلوم وبالاماكن المقدسة التي تحتويها الجغرافية التاريخية للأرض المحتلة ..لكنه نتاج الوعي بأن المعركة في تلك البلاد هي معركة وجود بين أمتنا الواحدة وبين مشروع إمبريالي رأسمالي تشكل الحركة الصهيونية رأس الحربة فيه .وهذا ماتعلمناه من أجدادنا وآبائنا وفي مدارسنا ووسائل إعلامنا الرسمي الذي كان يبني خطابه على أساس أولوية مطلقة لقضية الشعب العربي الفلسطيني حتى على حساب القضايا والمشاغل الوطنية الداخلية   ..
ثانيا / إن المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني للأرض العربية سواء في فلسطين أو لبنان أو مصر أو سوريا لم تبدأ مع ظهور الحركات والفصائل المتلفعة بالإيديولوجية الاسلاموية " سنية كانت أم شيعية " ..لكنها انطلقت قبل عقود عديدة ، كرد فعل عفوي رسمي وشعبي منذ أعلنت الحركة الصهيونية عن نواياها الاستعمارية في إقامة كيان يهودي عنصري باستجلابها للمهاجرين وشذاذ الأفاق من بقاع الأرض الأربعة تحت رعاية وتواطؤ الدولة التركية والاحتلال الانجليزي الذي مكن لها في شراء المزارع والبيوت ورعى إقامتها للتجمعات السكنية المسلحة " الكيبوتسات" وعززها بوعد " بلفور" المشؤوم الذي أعطى بموجبه من لا يملك إلى من لايستحق ، فقبل ظهور حماس وحزب الله وقبل أن يولد نصر الله واسماعيل هنية وقبل أن تعرف الدوحة وأنقرة وطهران أن هناك أرضا مغتصبة وشعبا مظلوما مطرودا من أرضه خاض العرب معارك دامية في 48 و56 و67 و73  من أجل رد الظلم وإعادة الحق لأهله
ثالثا / لايجهل إلا أعمى أو متحيز ضد الواقع والموضوعية إرتباط مايسمى بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحزب الله اللبناني إرتباطا عضويا وتنظيميا بدول التآمر و الصراع الإقليمي على المنطقة العربية من ايران إلى قطر وتركيا..ما جعل من هذه التنظيمات مخلب قط متاح للإستخدام سرا وعلنا لضرب كل من يحاول الوقوف ضد تغلغل ونفوذ دول الدعم والتمويل ، دفاعا عن مصالحه وأمنه القومي فتحولت الدول العربية إلى عدو رئيسي لهذه الحركات والأحزاب وتراجعت إسرائيل إلى مراتب متخلفة في قائمة الأعداء .. 
رابعا / لا أحد ينكر أن ثمة علاقة عداء علني بين إيران واسرائيل وعداء ضمني بين تركيا واسرائيل ..لكنه ليس عداءا قائما على تناقض جذري في عوامل وعناصر الكيان والمكان بحيث يجعل من هذه الدول حليفا استراتيجيا لحركة مقاومة عربية هدفها هزيمة المشروع الصهيوني دفاعا عن الهوية والأمة ، فالصراع بالنسبة لطهران وبالنسبة لأنقرة  ليس كما هو الحال مع العرب قائم على وجود لا على حدود ، لكنه  قائم على المنافسة حول المصالح والنفوذ ويمكن تصفيته في نهاية المطاف بالركون إلى منطق التنازل المتبادل وتقاسم المنفعة ..وحينها سيلتقي الأعداء والحلفاء  على هدف واحد وهو إزاحة هذه الكيانات المسلحة المشاغبة التي تعكر صفو الحياة في الشرق الأوسط الجديد..
أخيرا  وهذا مناط الاعتراض الحقيقي من قبل الأصدقاء  على ماورد في مقالتي السابقة وسببه الالتباس في القراءة أو تحديدا في نوايا القراءة :-
 إنني أعتبر الخلط بين الموقف السياسي والأيديولوجي لبعض الفصائل الفلسطينية وبين قداسة وأولوية القضية الفلسطينية في الوعي والوجدان العربي هو نوع من المصادرة على قومية المعركة  وكونية أفاقها باعتبارها معركة كل القوى الخيرة في العالم ضد قوى الظلم والاستكبار والهيمنة ..وتفهمي لمشاعر صديقي الذي رفض المشاركة في وقفة تضامن مع سكان قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس بدعوى مناصرة قيادات الحركة للعدوان الأطلسي على بلاده وإشتراك عناصرها المقاتلة في الحرب الأهلية التي اشتعلت تحت رعاية القوى الإمبريالية وحليفتها الرجعية العربية ، لايعني مطلقا أننا نضع آلامنا وأوجاعنا الوطنية التي ساهم الإشقاء في تعميقها في كفة واحدة مع وعينا القومي بجذرية الصراع الذي تخوضه كل فصائل وجماهير شعبنا الصابر المرابط في كامل الأراضي المحتلة..
وسنعيد التأكيد ( إن بوصلة الوعي العربي والإسلامي لايجب أن تنحرف قيد أنملة عن حقيقة الصراع المشتعل في المنطقة منذ عقود فهو صراع وجود في التاريخ والجغرافيا والحضارة.. وليظل العدو الأساسي هو الصهيونية والإمبريالية الغربية  ، وتظل فلسطين العربية الإسلامية هي الهدف والغاية أكبر من حماس وحزب الله.. أكبر من الفصائل والفرق والسنة والشيعة وأكبر من اللاة والعزى ومناة الثالثة الأخرى  ..)

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة