حميد زناز 

في خطاب امام الولاة قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من بين ما قال و بحماس و غضب كبيرين أن الجزائر قوة ضاربة و أن العالم كله يعلم بذلك إلا بعض المعارضين الجزائريين. فما هي الشروط والمواصفات الأساسية التي تجعل من بلد ما قوة جهوية ضاربة كما قال الرئيس في خطابه؟

تعرف الجزائر أزمة اقتصادية واجتماعية تهدد استقرارها، تمس كل القطاعات و قد بات وضع الطبقات الاجتماعية مزريا جراء الارتفاع الفاحش لمختلف المواد الاستهلاكية. ازدهار المتاجرة بالعملة في سوق موازية فاقم من ظاهرة انخفاض قيمة "الدينار الجزائري" المتوالي. كل الاضرار منبعها سبب واحد  هو اعتماد الاقتصاد الجزائري أساسا على الريع البترولي بدل الانتاج و خلق الثروة و استغلال الكفاءات المعتبرة و الاراضي الزراعية الشاسعة.

بين عامي 2010 و 2020 ، بلغ معدل البطالة في الجزائر ذروتين عند حوالي 14٪ في عامي 2018 و 2020. ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في الجزائر بشكل أكثر حدة ليصل إلى حوالي 19٪ بحلول عام 2026.

تعيش الجزائر احتقانا سياسيا منذ انطلاق ثورة الابتسامة في فبراير 2019 و تعرف السلطة انغلاقا على ذاتها ومحاولة فرض ورقة طريق أحادية يرفضها معظم الجزائريين.  لا يمر اسبوع إلا ويعتقل مناضلون شبان من مختلف جهات الوطن بتهم فضفاضة كالمساس بالوحدة الوطنية أو إهانة رئيس الجمهورية  أو التحريض على التجمهر في مناشير على مواقع التواصل الاجتماعي. 

كانت قوارب الموت، أو ما يسمى «ظاهرة الحرّاقة» أي الهجرة غير الشرعية بالجزائر تقتصر على الشباب اليائس، والباحث عن الفردوس المفقود في اوروبا  و لكن  أصبحت في السنوات الاخيرة  تمس حتى العائلات، بجميع أفرادها. في كل يوم  تتحدث وسائل الاعلام الاسبانية عن اسعاف جزائريين منهم نساء و أطفال على طول شواطئ اسبانيا. و على الرغم من عدد المفقودين المأساوي في البحر و الجثث المنتشلة و المرمية على شواطئ الضفتين يبقى عدد المغامرين في تزايد مستمر إذ تتحدث مصادر اعلامية اسبانية عن وصول اكثر من 400 بين ليلتي 27 و 28 سبتمبر المنصرم. فقد 50   منهم حياتهم ، عثر حراس السواحل الاسبان على جثثهم مرمية على الشاطئ. يلجأ الجزائريون إلى ركوب اخطار البحر لاستحالة حصولهم على تأشيرات دخول لمعظم بلدان العالم إذ احتل جوار السفر الجزائري سنة 2021 المرتبة 92 عالميا و العاشرة عربيا وفقا لمؤشر هينلي لجوازات السفر الذي يعتمد على مقاييس اتحاد النقل الدولي و يأتي جواز المغرب و تونس و موريتانيا أحسن ترتيبا. من يغامر بتنظيم استطلاع رأي هذه الايام حول نوايا الهجرة عند الجزائريين  و الجزائريات من كل الاعمار والوضعيات الاجتماعية سيصل إلى أرقام مهولة، يكتب عالم الاجتماع الجزائري ناصر جابي.

في دراسة أجراها مركز بوسطن الأميركي للاستشارات الاستراتيجية تبين أن 83 في المئة من المستجوبين الجزائريين يطمحون إلى تغيير ظروف عملهم، بالانتقال إلى العمل خارج بلدهم، والسبب: هو أن الوضع أصبح لا يطاق في الجزائر؛ مستوى التعليم ضعيف جدا، البطالة مستفحلة، المستشفيات مهترئة، بعض البنايات في المدن تكاد تسقط على رؤوس المارة.. وهيمنة الفكر الأصولي الإخواني للدين وقضاء غير مستقل.

في كل سنة تغيب الجامعات الجزائرية، عن تصنيف أرقى الجامعات العالمية، سواء الغربية أو العربية و تتذّيل في مؤخرة الترتيب، وكانت أفضل جامعة جزائرية في المرتبة 2250 عالميا، وفي المرتبة 13 في منطقة شمال إفريقيا، ونالت هذا "الشرف" جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيا. و عموما فكل الجامعات الجزائرية تحتل ذيل الترتيب العالمي . 

في التصنيف العالمي لحرية الصحافة حسب تقرير "مراسلون بلا حدود" لسنة 2020 جاءت الجزائر في المرتبة الرابعة مغاربيا و146 عالميا. لقد تراجعت الجزائر بخمسة مراكز مقارنة بتصنيف سنة 2019 الذي احتلت فيه 141 من أصل 180 دولة. ووصفت المنظمة الدولية المذكورة المشهد الإعلامي في البلد بأنه مقيد بقوانين سالبة للحرية الإعلامية ودقت ناقوس الخطر في تقريرها كاتبة أن حرية الصحافة أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى في الجزائر. كما ذكّر التقرير باحتجازات ومحاكمات الصحافيين المتكررة والمؤجلة وسجن بعضهم بتهم فضفاضة كتهديد الوحدة الوطنية وتقويض النظام العام وأمن الدولة. وأشارت المنظمة أيضا إلى ذلك الحجب غير المعقول للعديد من المواقع الإخبارية. 

في الجزائر اليوم استفحال لسياسة خنق حرية التعبير  عن طريق سيطرة محكمة على وسائل الإعلام العمومية وإسكات الصحف والقنوات الخاصة بالتهديد بالموت الرحيم، بمعنى تركها تموت بحرمانها من الإعلانات العمومية والخاصة، وغلق كل وسيلة إعلامية لا تريد الرضوخ لإملاءات النظام والوقوف في صفه. وإن كان صحيحا أن بوتفليقة قد سيطر على الإعلام وشجع الصحف الرديئة والقنوات المتأسلمة لنشر الدروشة وتغييب الوعي، إلا أنه لم يصل به الأمر إلى اعتقال شبان ينشرون تعاليق على فيسبوك. في الجزائر اليوم 162 نشرية إعلامية يبذر فيها المال العام، إنها مجرد دكاكين لملء جيوب أحباب النظام، هدفها تلميع وجه النظام القائم.

رغم تأكيد النظام على "حرية التفكير" في الدساتير المتعاقبة – لا أثر لذلك في الواقع – فهو يسمح للإسلاميين بالسيطرة على وسائل الإعلام و بفرض قرارات وانتهاج سلوكيات شعبوية كتوزيع نسخ القرآن على رجال الشرطة والأطباء، ومطاردة غير المسلمين، وتجريم الإفطار في رمضان وتنظيم صلاة استسقاء وراء أخرى بدل الاستمطار الصناعي. كل ذلك بحثا عن شرعية دينية في غياب الشرعية السياسية.

وضع النظام الجزائريين في فخ قاتل :  وجدوا  أنفسهم بين نارين؛ عسكر يقولون لهم نحن وحدنا نستطيع أن نخلصكم من الإسلاميين الإرهابيين، وإسلاميون يقولون لهم نحن وحدنا بإمكاننا أن نحرركم من حكم العسكر. يتغذى كل منهما على حساب الآخر، وتربطهما علاقة وجودية مصيرية، فلولا العسكر لما تغوّل الإسلاميون، ولولا الإسلاميون لما استمر حكم العسكر. وتبقى جزائر الحداثة  التي وحدها يمكن أن تجعل الجزائر قوة اقليمية ضاربة هي الخاسر الأكبر أمام هذه الثنائية القطبية العسكرتارية الإسلامية، إذ يجد العلمانيون صعوبة كبيرة في كسر هذا الثنائي وإحداث القطيعة المزدوجة معه وإقامة دولة حديثة ككل دول العالم المتقدم. لا إسلامية ولا عسكرية.

لا تثير الحملات الانتخابية اهتمام الجزائريين، فهم رفضوا إجراء كل الانتخابات السابقة،  و قاطعها اغلبهم ابتداء من الرئاسيات التي جاءت بالرئيس عبد المجيد تبون او الاستقتاء على تعديل الدستور أو الانتخابات التشريعية  و من المحتمل انهم سيقاطعون الانتخابات البلدية التي يريد النظام فرضها في شهر نوفمبر القادم.أما الكارثة الكبرى فهي في منطقة القبائل التي لم يفتح فيها أي مكتب اقتراع و لم  تتسرب أي ورقة داخل صناديق كل تلك الانتخابات المذكورة.

تحتل الجزائر في كل عام مرتبة غير مشرفة في ما يتعلق بظاهرة الفساد حسب المؤشر السنوي الذي تعده منظمة الشفافية الدولية. عشرات من المسؤولين الجزائريين من بينهم وزيرين اوليين و عدة وزراء و رجال اعمال و اطارات بالعشرات يقبعون في السجون بتهمة الرشوة و الفساد و التلاعب بالمال العام و عقد الصفقات المشبوهة.

في الجزائر اليوم القوة الضاربة الوحيدة هي فريقها الوطني لكرة القدم تحت قيادة مدرب فرنكو-جزائري و المتكون من لاعبين معظمهم فرنكو-جزائريين و متكونيين كرويا في فرنسا أما البطولة الوطنية الجزائرية فهي منكوبة فلا تملك ملعبا واحدا بمواصفات عالمية كما صرح المدرب الوطني ذاته أخيرا و أثار بذلك ضجة كبيرة  ربما قد تنهي مهمته على رأس الفريق.