عبد الستار العايدي
منذ جانفي 2011، وضع اقتصادي مرتهن للمديونية الخارجية والداخلية وللاستقرار السياسي، نسب البطالة في المحافظات تتزايد كل فترة مقابل مواطن شغل شبه وهمية، وموازنة الدولة المالية تتجاهل كل سنة هذه النسب، آلاف من الشباب التونسيين يواجهون خطر البحر هربا الى أوروبا، واجور العمال والموظفين أصبحت هباء منثورا امام الغلاء المتفاقم للبضائع والمنتجات المحلية والمستوردة والاحتكار، كل هذا وما خفي من المشاكل تركة 10 حكومات متعاقبة لم تنسج منوالا اقتصاديا واضح المعالم .
حكومة تعقب أخرى، وتحوير او تعديل وزاري يعقب آخر، حسب ما تبتغيه الأحزاب داخل الائتلاف الحكومي وبما يخدم مصالحها المرحلية والمستقبلية وأجندات للقوى الخارجية المتنفذة داخل اوصال الدولة أشبه بتحور وباء كورونا الذي يتحول كلما هاجم جسد انسان. حكومات ظلت ترسم الخطوط العريضة لمخططات التنمية طيلة سنوات من سنة 2011 الى 2015، دون البت في كيفية تنفيذها على ارض الواقع وذلك بسبب قصر عمر هذه الحكومات في سدة تسيير دواليب الدولة.
يندرج المخطط التنموي للفترة 2016–2020 الذي يعد المخطط الأول للجمهورية الثانية ضمن الرؤية الجديدة لتونس التي رسمتها الوثيقة التوجيهية للمخطط، ويؤسس في الآن نفسه لمنوال تنموي جديد قادر على تنشيط الدورة الاقتصادية وعلى تحسين مؤشرات المردودية والنجاعة الاقتصادية و خلق الثروات، وهو ما من شانه ان يساهم في الارتقاء بتونس الى مراتب أفضل اقتصاديا واجتماعيا. . ويتضمن المخطط في أجزائه الثالثة: الجملي والجهوي والقطاعي مجمل السياسات والبرامج التي اعتمادها خلال الخماسية القادمة لبلوغ الأهداف المرسومة وطنيا وقطاعيا وجهويا والإصلاحات التي سيتم اعتمادها خلال الخماسية القادمة لبلوغ الأهداف المرسومة وطنيا وقطاعيا وجهويا في كل المجالات، كما يضبط الأدوار والمسؤوليات والمؤشرات اللازمة لمتابعة تنفيذها. اما بالنسبة لمخطط التنمية 2021 – 2025 فمازال قيد عمل اللجان المكلفة بتفصيل هذا المخطط بعد رسم منهجيته على المستوى الجهوي والقطاعي.
تركة ضخمة من الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها اغلب محافظات التونسية اتلداخلية خاصة، أجبرت رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي على اتباع سياسة التشاركية واللامركزية في انجاز المخططات التنموية، بقايا ما سبق وماهو منوط بعهدة حكومته لانجازه. حيث أكد هشام المشيشي خلال إشرافه على افتتاح الندوة الدورية الثالثة للولاة بتاريخ 21 نوفمبر 2020 أنّ هذه الندوة هامة لأنّها ارتكزت على محور المقاربة الجهوية للتنمية وأنّ ''الحكومة انطلقت عمليا في تركيز فرق عمل تساهم فيها كل الوزارات وتكون فيها تمثيلية فعلية بالجهات من أجل ضمان التشاركية في التخطيط والفعالية في الإنجاز، وبيّن أنّ تلك الفرق ستقوم بالعمل في كلّ الولايات على دفع المشاريع عبر كسر البيروقراطية وإيجاد الحلول العملية لرفع التعقيدات التي عطّلت لسنوات عجلة التنمية''.
سياسة اللامركزية والتشاركية قد يكون مآلها الفشل في ظل انعدام إستراتيجية واضحة المعالم وحصر ومعالجة مشاكل كل ولاية او محافظة على حدى، الى جانب ان هذه المخططات تحتاج تمويلات ضخمة لتنفيذها في حين ان مجلس نواب الشعب قد صادق على ميزانية الدولة لسنة 2021 بعجز يفوق 2.5 مليار يورو وعجز اجمالي الناتج المحلي سنة 2020 الذي وصل الى 14 بالمائة الى جانب اللجوء المستمر الى التمويل الخارجي لسدّ الثغرات المالية في موازنة الدولة. يلي هذه المصاعب، الازمة السياسية الخانقة التي جعلت صندوق النقد الدولي رغم توقعاته بأن تونس ستحقق نموا اقتصاديا ب2 بالمائة سنة 2021، يتردد في منح تونس قروضا جديدة بعد ان انتهى برنامج التمويل التابع له الممتد لأربعة أعوام خاصة أن الإصلاحات الاقتصادية في تونس بقيت حبرا على ورق منذ 2011، ولم يتم تنفيذ الحد الأدنى من مطالب المانحين، رغم أن تونس كانت من أكثر دول العالم حصولا على المساعدات والقروض في السنوات الماضية . بين غياب الاستراتيجية الواضحة، سياسيا واقتصاديا، تظل بوصلة التنمية متأرجحة نحو ارتفاع درجات التأزم والتي تنبأ بتزايد المطالب الشعبية والاحتجاجات الاجتماعية لتحقيق وعود الحكومة وضمان حد ادنى واضح في معالجة الازمات والمشاكل التي تعانيها المحافظات.