يحكى انه كان هناك رجل يقال له السموأل بن عادياء, وكان له حصن يقال له الابلق ؛ تسلم السموأل امانة من أمرؤ القيس على ان يحافظ عليها ويرجعها أليه بعد رجوعه من سفره. دارت الايام وقتل أمروأ القيس وجاءت جموع تطلب من السموأل تسليم الامانة لهم وإلا قتلوا ابنه؛ فما كان منه إلا الرفض ,وفضل الوفاء ومقتل ابنه على خيانة الامانة؛ واحتفظ بالأمانة حتى سلمها لأهل امروا القيس.

هذه القصة ,وكثير غيرها في الادب العربي ,تظهر قيمة عظيمة من قيم الاخلاق العالية, ألا وهي الوفاء بالعهد ,والالتزام بالميثاق ولو كانت عواقب الوفاء أليمة ,وثمنه غاليا. آما شواهد الغدر فهي كثيرة لعل ابرزها غدر اهل الكوفة بالحسين رضي الله عنه, وتخاذلهم عن نصرته ,بعد ان أعطوا له المواثيق للدفاع عنه, وارسلوا له يطلبون إليه الحضور إليهم. 

اليوم في ليبيا تتبين الحقائق ,ويختبر الرجال ,ويخرج الله ما في قلوبهم من أخلاق كريمة او سيئة ,فهذا الزمن هو الذي تعرف فيه طينة الناس, ومعادنهم. إذا كان ضميرك حيا ,ومعدنك صافيا فلن يصدر عنك الا الوفاء بالعهد والالتزام بمواثيقك التي التزمت بها, ووقعت عليها ,وحضرت مجمعها. وإن كنت مجرد فرد من الذكور ,ليس لك عهد ,ولم تتعلم الوفاء به, فخير لك ان تأكل مع الماشية, وتصيح كما تصيح الحيوانات, فانت على موعد في القبر ويوم القيامة لترفع لواء الغدر عاليا بين الانام, ولتبوء بالمنزلة التي انت اهل لها.

إن الليبيين يتساءلون اليوم عن ما حدث للعهود والمواثيق التي وقعتها هذه القبائل والمدن التي يهاجم أبنائها إخوانهم المسلمين الامنيين في طرابلس, وعن موقف المنظمين والحاضرين لاجتماعات القبائل والمدن الليبية, وأعيان ومشايخ المناطق الشرقية والغربية والجنوبية ,وغيرها من عشرات اللقاءات ,والاجتماعات والتي صدرت عنها مواثيق وعهود السلام والاصلاح وحسن الجوار, وعدم الاعتداء واستخدام الاراضي للهجوم ,والالتزام بالقانون, والشرع.

نتسأل اليوم عن من ذهب الى عشرات اللقاءات والاجتماعات في عواصم العالم, وتعهد بنبذ الاقتتال, والجنوح للسلم , والاتجاه نحو الانتخابات كحل للأزمة, والالتزام بنتائجها, والعمل بإخلاص لبناء البلاد من جديد.  

منذ الخروج على الاعلان الدستور الذي صدر في بنغازي 2011 من قبل جهة معروفة لليبيين جميعا عام 2012 ,الى يومنا هذا ,ونقد العهود, وإنتهاك المواثيق ,وخرق القوانين, والاعراض عن الشرع تعتبر السمة الغالبة عند هؤلاء اللذين يدعون انهم مسلمون, وانهم ...و...و... , من غير ان يندى لهم جبين, او يصحو لهم ضمير لما خانوه من عهود ومزقوه من مواثيق, وتسببوا فيه من اعتداءات واقتتال ودمار.

ليس مهما كثيرا ان تلبس جردا, أو أخر صيحة في عالم الازياء من باريس, أو أن ترتدي بدلة مرصعة بالرتب و النياشين, وتتزين كما تتزين النساء, وتهرع لكل اجتماع بنية غير خالصة, وخبث مكنون في الصدور,  ولكن المهم أن تفي بما أقسمت عليه وتعهدت به, ووقعت عليه ,وان تدفع دمك ثمنا لذلك.

ولكم ايها الليبيون الدرس والعبرة من السمؤل وغيره من الاوفياء.


الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة