تُعدُّ ليلة القدر ليلة عظيمة مباركة أُنزلَ فيها القرآن الكريم، وقد ذكر عظيم قدرها ربنا تبارك وتعالى في القرآن الكريم فقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).

وقد أشار القرآن الكريم إلى زمان نزول القرآن الكريم في عدة مواضع:

1-    في سورة القدر: (إنا أنزلناه في ليلة القدر).

2-    في سورة الدخان:(إنا أنزلناه في ليلة مباركة).

3-    في سورة البقرة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن).

4-    في سورة يوسف:(إنا أنزلناه في ليلة مباركة).

5-    في سورة النساء:(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق).

6-     في سورة الزمر:(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل). 

سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها وهي إلى آخر الدهر، وفيها نزل القرآن إلى السماء الدنيا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (سميت ليلة القدر لأن الله يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق وإحياء وإماتة إلى مثل هذه الليلة من السنة الآتية ثم يسلم ذلك إلى مدبرات الأمور قال تعالى: (فالسابقات سبقاً فالمدبرات أمراً) والمدبرات أمراً. كما ورد في التفاسير هم أربعة من الملائكة: (جبريل مبلغ الرسالات السماوية، واسرافيل ينفخ في الصور، وميكائيل ملك الأمطار والأنواء، وعزرائيل ملك الموت). قال ابن عباس رضي الله عنه: إن الله يقضي في ليلة النصف من شعبان جميع الأقضية ثم يسلمها إلى أربابها في ليلة القدر ويقال إنها سميت (ليلة القدر) لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثواباً مضاعفاً وقيل لأن الله تعالى أنزل فيها كتاباً ذا قدر على نبي ذي قدر على أمة ذات قدر. 

وقيل إنها سميت ليلة القدر لأن الله قدر فيها الرحمة على عباده المؤمنين ومعروف أن الليل هو فترة السكون تنام فيه الحركة ويهدأ فيه الضجيج وينام فيه معظم الناس ومعظم المخلوقات قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) وقال: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا) وقال: (أمّن هو قائم آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) وقال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً). ولذلك قدم الله سؤالاً في سورة القدر: (وما أدراك ما ليلة القدر)، وهذا السؤال للتشويق والتعظيم والتفخيم والبحث والمتابعة ثم جاء الجواب في السورة نفسها: (ليلة القدر خير من ألف شهر). وألف شهر بالسنين تعادل ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر، أي أن العبادة في هذه الليلة تعادل عبادة ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر أي خير من العمر كله. 

هذه الليلة عظيمة بذاتها والطاعة فيها عظيمة وخير من طاعة ثلاثة وثمانين عاماً وأربعة أشهر. وقيام ليلة القدر ليس معناه أن يقوم الإنسان بالتعبد بشكل متواصل من أول الليلة إلى آخرها، ويكفي أن يؤدي في تلك الليلة صلاة العشاء ثم صلاة التراويح ثم صلاة التهجد، ويدعو الله ما يشاء لنفسه ولأهله ولأمته فكأنما أحيا الليل كله. وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر قائلاً: هي ليلة سمحة بلجة (أي بيضاء) ناصعة... من علاماتها أنها لا حارة ولا باردة، تطلع الشمس صبحتها ليس لها شعاع، والملائكة فيها بعدد الحصى لا تدع مؤمناً ولا مؤمنة إلا وتسلم عليه إلا مدمن الخمر وآكل الخنزير والمتضمخ بالزعفران (المتشبه بالنساء) وليس مطلوباً من المؤمن أن يراقب هذه العلامات بل عليه إحياء هذه الليلة بإقامة الصلوات والعبادة والأدعية وتزكية النفس لاغتنام نفحات هذه الليلة وبركاتها وثوابها لأن العبادة فيها خير من ألف شهر، سلام هي حتى مطلع الفجر، وعندما يأذن جبريل للملائكة بالصعود إلى السماء فتقول الملائكة: يا جبريل لا تصعد حتى نطمئن على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم جبريل: إن الله قد نظر لهم، فغفر لهم جميعاً، إلا لمشرك أو مشاحن أو عاق لوالدين أو مدمن خمر، أو قاطع رحم. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله إن أدركت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).

نعم ما أمسَّ حاجتنا لليلة القدر ومضاعفة الأجر، تلك الحاجة التي شعر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك طلبها من ربِّ العالمين فكانت ليلة القدر عطيةٌ ونفحةٌ رمضانية رحمانية، فهي إحدى تجليات قوله تعالى: (ولسوف يُعطيك ربّك فترضى) فقد ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنَّه تقاصر أعمار أُمَّته ألا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرُهم من طول العمر، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر، خيرٌ من ألف شهر..‏ وورد في خبرٍ آخر، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله عزّ وجلّ قوله (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي خير من ألف شهر من الشهور التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله. وليس ذلك في جنب عطاء الله تعالى بعزيز.‏ 

ولما لليلة القدر من أهميةٍ فقد ورد الأمر النبوي بالتماسها وتحريها من بين سائر الليالي الرمضانية فقد اهتمَّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بتحريها فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي. وقد أُخفيت ليلة القدر ولم تُعيّن لحكمةٍ إلهيةٍ عظيمة، وأما الحكمة من إخفائها، كما أخفيت ساعة الإجابة يوم الجمعة وأخفي اسم الله الأعظم، أن يجتهد الناس في طلبها ويجدوا في العبادة طمعاً في إدراكها، ولكن كثيراً من العلماء رجحوا أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان. وفيما يخصُّ علاماتها فقد تكاثرت الأخبار في وصفها فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ليلة القدر ليلة بلْجة لا حارة ولا باردة، ولا سحاب فيها ولا مطر ولا ريح، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها) الطبراني.‏ 

إن قيام هذه الليلة يجب أن يكون استنهاضاً للمعاني الكبيرة التي اشتملت عليها، من عقيدة سليمة وعبادة قويمة ومعاملة حكيمة، تجعل من المسلم مفتاح خير لنفسه وأهله وبني الإنسان عامة، في صورة بيضاء نقية، تلك الصورة التي أراد أعداء الحق أن يشوهوها لينالوا من أمتنا، التي أرسل نبيها عليه السلام رحمة للعالمين فلم يكن فظاً ولا غليظ القلب، بل كان لين الطبع ربى أصحابه وأمته على الخلق الرفيع، فأمة هذا دينها ونبيها وخلقها لا يمكن أن تكون صانعة إرهاب أو داعية إليه ولكنها وإن كانت أمة جهاد فجهادها لنشر العدل والفضيلة والخير وإحقاق الحق ورفع الظلم.

خلاصة الكلام: اللهمَّ أكرمنا في هذا الشهر العظيم بثواب ليلة القدر، وتفضَّل علينا بتوبةٍ نصوحة: تطهرنا بها عقلاً وقلباً وروحاً، اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا فيها من مجابي الدعاء يا أرحم الراحمين.‏ 

كاتب صحافي من المغرب.