عبد الستار العايدي

جدل يستتبع جدلا، خاصة في أوساط المشهد السياسي التونسي ، حول ما سيقرّه قيس سعيّد يوم 17 ديسمبر القادم خاصة بعد إعلانه إلغاء تاريخ 14 جانفي يوم عيد للثورة التونسية وإعتباره التاريخ الأصلي لإندلاع الإحتجاجات الشعبية ضد الأوضاع المعيشية المزرية إبان نظام بن علي. 

17 ديسمبر 2010 ، تاريخ إنطلاق الاحتجاجات بمدينة سيدي بوزيد، معقل أنصار التيار القومي الذين قادوا هذه الاحتجاجات وحاولوا تأطيرها وتوجيهها لتتّخذ بعدا سياسيا ، هذه المدينة التي زارها قيس سعيّد عرفانا بالجميل لحركة الشعب وأغلب القوميين الذين ساندوا قرارات 25 جويلية، ولكن موقف حركة الشعب المتراوح بين المساندة ورفض منهج قيس سعيّد الفردي في الحكم دفعه إلى أن يسارع لسحب البساط من تحت أقدام المساندين، بمزايدة سياسية وهي القضية الفلسطينية ومسألة الصراع العربي الإسرائيلي وذلك بدعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإقامة مؤتمر صحفي دون حضور أي من وسائل الإعلام، في رسالة داخلية واضحة أن الفكر القومي ليس حكرا على أشخاص دون آخرين وأنّ قيس سعيّد بإمكانه قطع الطريق أمام من سيخذله مستقبلا وإمتلاك أوراق مصدر القوة السياسية لبعض الأحزاب السياسية، كما أنها رسالة للخارج ، المغرب ومسألة التطبيع مع إسرائيل ولأمريكا وأوروبا المترددين في دعم مساره السياسي الجديد إقتصاديا وماليا.

بين الحديث عن زلزال سياسي يوم 17 ديسمبر القادم وعن قرارات رسمية بحلّ البرلمان وحلّ حركة النهضة، يبحث قيس سعيّد عن الحلول القانونية التي من شأنها أن تدعم ما سيلجأ إليه من قرارات يوم عيد الثورة الجديد، أو بداية الإنفجار الثوري كما إعتبره، خاصة بعد إنتقاده الشديد لسير عمل القضاء والمجلس الأعلى للقضاء في ما يشمل البتّ في الجرائم الانتخابية وذلك بعد إطلاعه على تقرير محكمة المحاسبات والتمويل الأجنبي خلال الحملات الانتخابية لبعض الأحزاب السياسية، حركة النهضة وقلب تونس وعيش تونسي مثالا بإجمالي تسعين مقعدا داخل مجلس النواب، مما يفصح عن رغبة سعيّد الشديدة في تطبيق القانون سريعا ضدّ من ثبتت عليهم تهمة تلقي التمويلات الأجنبية خلال الانتخابات التشريعية قبل أن تسقط هذه الجرائم بمفعول التقادم أي بعد ثلاثة سنوات، وعلى هذا الأساس سيكون من البديهي وإستنادا إلى القوانين عودة البرلمان  إلى سالف أعماله وهو ما أشار إليه سابقا راشد الغنوشي بعودة عمل البرلمان قريبا. قد يكون من الممكن وحسب هذه المعطيات أن قيس سعيّد ستكون بيديه الأدلة القانونية لتمنحه إقرار إسقاط القائمات الانتخابية المتورطة وإقصاء حركة النهضة من المشهد السياسي بشكلها الحالي ، هذا الإقرار سيكون هو نفسه ورقة دعم قوية لصواب منهجه السياسي أمام المؤسسات المالية المانحة والدول التي تقف ورائها والداعية لعودة عمل البرلمان ومسار الانتقال الديمقراطي في تونس .

في آخر لقاء بأساتذة القانون الدستوري، يؤكّد قيس سعيد مرة أخرى أن المشكل في تونس هو "دستوري" نتيجة دستور سنة 2014 الذي ثبت أنه "لم يعد صالحا ولا يمكن أن يتواصل العمل به لأنه لا مشروعية له"، قد تكون تلك نقطة ضوء تمنحنا القول أن غاية قيس وهدفه لم يقف عند إسقاط قائمات إنتخابية وتعطيل عمل البرلمان لحين إجراء إنتخابات جزئية بل هي تعطيل العمل بدستور 2014 بأكمله، هذا الدستور الذي يعتبره خصوم قيس سعيد هو مصدر الشرعية والمشروعية وإستنادا فصوله تم وصف ما فعله قيس سعيد يوم 25 جويلية بأنه "إنقلاب"، فسعيّد يبحث عن جهة تساند ما يخفيه من قرارات وتجد له مخرجا قانونيا يضمن له جدوى قراراته لإنقاذ شعبيته التي تتناقص يوميا وذلك بتشديده على وجوب إيجاد "حلّ قانوني يستند إلى إرادة الشعب وسيادته"، داعما وجهة نظره بالتلميح لمن إستعانوا بالخارج لضمان مكان لهم في المشهد السياسي.

من الممكن أن يكون يوم 17 ديسمبر 2021، زلزالا سياسيا خاصة بعد تصريح قيس سعيّد بالقول "في الأيام القليلة القادمة سيتم الإعلان عن المواعيد التي ينتظرها الشعب" وإنه "لا مجال للرجوع إلى الوراء"، وذلك بعد أن وصفته أغلب القاعدة الشعبية التي ساندته في الإنتخابات الرئاسية وحين يوم 25 جويلية، بأنه قد خلف معظم وعوده التي أعلنها وأن حديثه مجرد خطابات سياسية، فسياسة الغموض التي يتبعها قيس سعيّد والمؤسسة الاتصالية لقصر قرطاج قد تخفي أسرار من قبيل هدم كل الأسوار التي يتحصّن بها الخصوم أو التي يحتمي بها المعارضين لسير التوجه الحالي لسياسة الدولة، وقد يكون هذا التاريخ مجرّد تهدئة للرجّة السياسية التي بدأت تتصدّع بسببها جدران قصر قرطاج أمام محاولات باءت بالفشل لإحتواء توتّر المشهد السياسي في تونس والأزمة الديبلوماسية لتونس على المستوى الإقليمي والدولي.

يقول بعض المهتمين بالشأن السياسي أن قيس سعيّد يبتغي من وراء أن يرسّخ وجوده السياسي ليس غير ذلك قد لجأ إلى عناوين مهمة من التاريخ بعد الثورة ، 25 جويلية ذكرى عيد الجمهورية وإغتيال السياسي محمد البراهمي و17 ديسمبر بداية اندلاع الثورة وغيرها من العناوين الجذابة، وهذا إلا دليل أن الشخص لا يملك بوصلة سياسية محددة قد تنقذه من صحراء تشرذم المشهد السياسي وضبابية الحلول الاقتصادية والاجتماعية من أجل تحقيق وعوده، فالانتصار على التواجد الإخواني ليس هو نهاية الطريق الذي سيفتح آمالا كبيرة للشعب في الخروج من فترة عقد من الزمن كانت كل محطاته فشل يتلو فشلا، وأنه لا شيء مرجوّ من الوعود التي يطلقها قيس سعيّد كل مرة جزافا ثم تصطدم بأرض الواقع.

خلف تصريحات المتسلقين لسلم المشهد السياسي المغاير لما سبق خلف قيس سعيّد وتعظيم ما سيقدم عليه في يوم عيد الثورة الجديد وأقوال المشكّكين المتضاربة حول ما سيقرّه حين ذلك اليوم القادم بسرعة لهفة السياسيين لمعرفة بعض من خطوط الأجندة القادمة وشغف القلة من القاعدة الشعبية المساندة، لا يزال كلّ الشعب منتظرا مترددا أن لا تكون لحظة إحباط أخرى.