عندما تحصلت على منحة دراسية عام 2006 لإكمال تعليمي العالي في المملكة المتحدة.كان عودي آنذاك أخضرا لم يشتد في مجال البحث العلمي ,وزد على ذلك أنني  كنت قادمة من خلفية تعليمية "مختلفة" كليا. الأمر الذي جعلني أقرر أن أتخذ خطوة إلى الوراء لصقل مهارات البحث اللازمة للوصول إلى المستوى التحليلي- وياحبذا الإبداعي-  المقبول عالميا. قضيت وقتا عصيبا ممزوجا  بالصبر والتعلم والألم وسهر الليالي وحتى اليأس, حتى تمكنت من هضم العديد من المتطلبات الدسمة التي تمكنني من أكون باحثة -متواضعة -على الأقل. حينها سألني مشرفي عن فكرة موضوع البحث, وأعطيتُ مهلة شهر للتفكير والبحث عن موضوع يكون له أثرا ليس فقط في سد فراغ أدبيات الدراسة ولكن موضوع يكون له تأثير في  المجتمع.وبعد تمحيص وبحث توصلت إلى فكرة البحث عن "التنمية المستدامة" أخدم به بلدي ليبيا التي كانت متجهة  آنذاك بخطط وخطوات ملموسةفي عدة مشاريع تنموية وعلى رأسها قطاع السياحة.وكان عمر هذا الحقل  آنذاك 30 عاما، وكان –ولازال-من المواضيع العالمية الساخنة على كل الأصعدة البيئية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية .وبكل حماس وعنفوان الشباب وبنظرة واعدة بدأت البحث في هذا الموضوع وأعتبرته ليس فقط مهمة علمية وإنما مهمة وطنية ومسؤولية إجتماعية أحملها على عاتقي تجاه الحبيبة ليبيا. بدأت برص رفوف مكتبتي بكتب التنمية المستدامة وأنظم أفكاري وحتى سلوكي ليكون على أسلوب التنمية المستدامة. وأصبح همي ورؤيتي هي البحث عن السبل التي تجعل من تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ليبيا  أمرا ممكنا". 

لكن  بريق الأهداف قد يخبو والأحلام قد تتلاشى مع إندلاع الحروب والصراعات وتحقيق التنمية المستدامة يصبح أمرا صعبا وإن إعتبره البعض مستحيلا!!.فباتت الطرق في ليبيا غير ممهدة لحلمي وبحثي.ولا أخفي هنا أن الهمة ضعفت وأضحى الأمل بصيصا. إن كتبي ومشاريعي وأوراقي على الرفوف  لم تجد النور في بلدي الذي تستنزف الحرب طاقاته وموارده  يوما بعد يوم! فجمعتها كلها ورميتها في صندوق والصندوق في مخزن مقتنيات, تلك التي نعتقد أننا سنستعملها يوم ما ولما لا! 

اليوم, الحرب  في بلادنا توقفت، وتوحدت النوايا الوطنية  لخدمة ونهضة ليبيا. الآن وبروح التفاؤول والحب والأمل وحقن الدماء, يمكن القول  أنه آن الآوان لنفض غبار اليأس والكسل عن مئات بل الآف صناديق الأفكار المهملة الثمينة التي كان يمتلكها العديد منا,تلك التي تحوي النور والمعرفة و طموحات شبابنا تلك التي كانت مغمورة في ظلمات يأس السنوات العجاف الماضية .

فقط إبحث وتابع وثابر وأطلق العنان لإبداعاتك.تلك التي قد تسهم يوما ما في إقتصادبلدك.تضيف قيمة إلى الناتج المحلي الإجمالي لبلدك.فتضع بذلك حجرا في بناء تنمية بلدك بشكل مستدام. إحجز لنفسك مكانا في المستقبل والإ ستكون ليس فقط في الخلف بل في القاع !!! 

ومخطأ هو من يعتقد أن السباق في الحلبة السياسية هو الحل الأوحد للمساهمة في نهضة ليبيا –كما يبدو من مارثون  المناصب الساسية الراهن. فحلبات أخرى منها تنمية الإقتصاد والإستثمار في مقدارات وإبداعات الشعب بمختلف فئاتهم وأعمارهم هي السبيل نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

لم يتبقى وقت كثير الا عشر سنوات على الوصول الى عام 2030 الذي حدده 150 قائد من قادة العالم ليكون عاما تحقق فيه أهداف التنمية المستدامة ال 17. والذي تسعى كثيرا من الدول ان تصل اليه بتحقيق حزمة من هذه الأهداف إن لم يكن جميعها.والسؤال الذي يطرح نفسه، أين ليبيا من هذه الخطة الدولية ؟وكم هدفا تم تحقيقة؟

كمقترح قصير الأجل_أنصح بالتركيز على الصناعات الإبداعية (تشمل صناعة النشر والكتب، والإعلام المرئي والمسموع والمطبوع، مروراً بالسينما، والموسيقى، والفيديو، إلى جانب المشغولات الفنّية، والثقافية، ومتاحف التراث الثقافي، والمواقع التاريخية، والأرشيف والأحداث الثقافية الكبرى، والمكتبات، فضلاً عن صناعة البرمجيات، وألعاب الفيديو، والتصميم بشتى أنواعه، سواء ما يتعلق منها بالأزياء أو بتصميم الألعاب، أو البرامج، أو تصميم المباني والى غير ذلك)والإستثمار فيها فهي الخلاص على المدى القصير والنجاح في المدى الطويل.قد بلغت القيمة المالية العالمية لاقتصاد الإبداع خلال السنوات الأخيرة أكثر من  3 تريليونات دولار، وهي تنمو بمعدل 6% سنويا. حسب تقرير الأمم المتحده، فقد وفّرت مختلف أنشطة الصناعات الإبداعية عوائد بنحو 2.250 تريليون دولار في عام 2013، أي ما يعادل 3% من الناتج الإجمالي العالمي، كما خلقت فرصًا وظيفية في العام نفسه بنحو 29.5 مليون وظيفة. الأقتصاد الإبداعي يساعد في تحيق الأهداف   8و9و11و17 لأهداف التمنية المستدامة 2030.

هناك العديد من الجهات الحاضنة في ليبيا التي من شأنها أن تلعب دورا وسيطا وحيويا في دعم أفكارك ومشاريعك الإبداعية وتحولها إلى مساهمة حقيقة في مجتمعك وبالتالي الناتج المحلي الإجمالي وتدفع به نحو تحقيق التنمية المستدامة .فيصبح حلمك مشروع له قيمة مضافة في إقتصاد وطنك.منها على سبيل المثال وليس الحصر، وزارة الدولة للشؤون الإقتصادية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية, والتي أحد مهمامها العمل على دعم المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة، لضمان الدور المتكامل الاقتصاد و المساعدة في دعم الرؤى وإعداد البحوث والدراسات ذات الصلة.هذه الوزارة الواعدة ستكون بمثابة وسيط النماء والإزدهار بين الشعب وحكومته.

دعونا نشجع هذا الزخم الإيجابي ، ونعزز روح التفكير الإبداعي والتعاون الشامل ، حتى نتمكن من الاستمرار في إحراز تقدم يفيد جميع أصحاب المصلحة كخطوة دافعة نحو تحقيق الأهداف ال17 للتنمية المستدامة 2030.

حفظ الله ليبيا