حميد زناز

منذ استقلال الجزائر عام 1962 وهي، إن صدقنا الخطاب الرسمي، مستهدفة من قوى الشر العالمي المتمثلة في الإمبريالية، والاستعمار الجديد، والرأسمالية المتوحشة وغيرها من الغيلان. فكأن لا أمر يشغل الآخر في الخارج، حسب ذلك الخطاب الدعائي المتواصل، سوى التربص بالجزائر والوقوف أمام تقدمها وتحرّرها. لقد  كانت فكرة التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر فزّاعة سهلة الاستعمال يرفعها النظام دائما كستار للتغطية على الوضعية السيئة العامة التي يعيشها الجزائريون، جراء غياب دولة القانون والمساواة والتنمية الحقيقية.

منذ بداية الحراك في فبراير 2019 و تصاعد الرفض الشعبي لأجندة النظام السياسية عبر الاحتجاجات و المظاهرات الصاخبة   و مقاطعة الانتخابات، و في وقت كنا ننتظر تصرفا سياسيا عقلانيا يمكن عبره تهدئة الاجواء لم تجد السلطات سوى الاستمرار في اللجوء الى  شماعة المؤامؤة لتعليق فشلها في كل المجالات و الحديث  عن جزائر جديدة لم يرها أحد

أين تلك الجزائر الجديدة والجزائري يعيش في انسداد اقتصادي واجتماعي ومالي ويرى بأم عينيه مجالا إعلاميا مغلقا، ويلاحظ دون عناء ذلك التضييق المتصاعد على الحريات عبر محاكمات واعتقالات وتخوين لكل من يعبّر عن معارضته للسلطة بل واتهامه بإحباط معنويات الجيش و التخابر مع قوى خارجية تريد الشر للوطن؟

ما هو جديد هو اتهام المملكة المغربية صراحة لا تلميحا مثلا في حرق غابات منطقة القبائل و ضلوعها بدعمها لحركة استقلال منطقة القبائل و حركة رشاد في قتل الشاب جمال بن إسماعيل !  فماذا لو قدمت السلطات المغربية شكوى ضد هذا الاتهام بعد قطع الجزائر للعلاقات الديبلوماسية معها يوم 24 اغسطس الجاري ؟ أليس النظام الجزائري هو الذي يكون قد دوّل قضية داخلية؟

وفي وقت أصبح كل شيء فيه مكشوفا من خلال شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي وتدفق المعلومات وسهولة البحث والتدقيق ، لا تزال السلطة في الجزائر تمارس نفس الدعاية والتضليل والمراوغة، من خلال صحفها وقنواتها العمومية والخاصة ومواقعها الإلكترونية المتكاثرة، والتي تشكل في النهاية إعلاما واحدا برؤوس متعددة.   

ومع كل هذا لم تفهم السلطات الجزائرية  بعد أن لغة التخويف بالمؤامرة الخارجية و الخطر المحدق بالوطن  لم تعد حيلا صالحة اليوم مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي إذ أصبح العالم على مرمى شاشة هاتف نقال، وحتى وإن صدّق الجزائري ما يقوله الاعلام المدجن فهو يرمي بالمسؤولية مباشرة على الحكومة الجزائرية  التي لم تستطع تحصين البلد عن طريق إدارة حكيمة فعالة وقضاء عادل واقتصاد حقيقي

لقد اعتاد النظام في الجزائر استغلال عواطف الناس الوطنية الصادقة من أجل حرمانهم من حقوقهم وحرياتهم الأساسية و قد نجح  مرارا و لكن انتهى ذلك ابتداء من  22 فبراير 2019 مع حراك القطيعة اذ لم يعد لخطاب السلطة عن المؤامرة أو غيرها  أي أثر في نفوس أغلب الجزائريين.

يتفق الملاحظون وكل المناضلين والناشطين السياسيين والمثقفين الأحرار على أن أسلوب الحكم لم يتغير مثقال ذرة، فلا تغيير على أرض الواقع، كما أن الجزائر لم تتخلص بعد من النظام التقليدي الذي حكم البلد منذ الاستقلال ، بل منذ تعيين عبدالمجيد تبون رئيسا، والأمور تزداد سوءا، إذ لا بوادر لانفراج سياسي أو ترشيد اقتصادي تلوح في الأفق تبعث بعض أمل في نفوس الجزائريين. بل هناك من التلاعب ومن الاستفزازات ما يؤجج حنقهم ومن التضييق على الحريات أشد مما كانت عليه الجزائر في عهد الرئيس المخلوع

تمر سنتان كاملتان ولا تزال الجزائر تتخبط في مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية و البيئية  ، بل استفحلت الأمور أكثر فأكثر منذ استلم تبون السلطة  ، ولم يلُح في الأفق أي شبح للجزائر الجديدة التي وعد بها. بل العكس هو الحاصل، فهي تعود رويدا رويدا إلى سنوات السبعينات وحكم الحزب الواحد، وما انفك الطلاق يترسخ أكثر فأكثر بين نظام الحكم والشعب منذ مجيئه

هل يريد عبد المجيد تبون أن يبني “جزائره الجديدة” التي يعد بها دائما في خطاباته بانتهاج المواجهة مع قوى خارجية و رفع بعبع المؤامرة؟ هل من المعقول أن يوّجه الرئيس تهمة العمالة لأياد خارجية كسابقيه في وجه كل من يعارض سياسته؟ ألا يعتبر ذلك استفزازا مباشرا للجزائريين؟   هل من وظيفة الحكومة ان تجعل المواطنين يعيشون في رعب كأن كل العالم يتآمر عليهم و ينصب لهم المكائد؟ أليس من واجب السلطة نشر الطمأنينة بين الجزائريين و جعلهم يشعرون بأنهم في آمان تحت حمايتها ؟ هل من العقل في شيء أن يصرح المسؤولون كل يوم أن الجزائر مستهدفة؟