برهان هلّاك

صادق البرلمان التونسي، مساء الإثنين 12 يوليو 2021، على مشروع القانون عدد 104 لسنة 2020، والمتعلق بإنعاش الاقتصاد وتسوية مخالفات الصرف، و ذلك ضمن محاولات تتخذها البلاد لإعادة إحياء للاقتصاد و جذب الاستثمارات المحلية و الأجنبية بعد الفشل في تمرير هذا القانون، المعلّق منذ سنوات، في الجلسة البرلمانية العامة المنعقدة الأربعاء 7 يوليو 2021. و قد تمت المصادقة بموافقة 110 نواب مع احتفاظ 5 نوّاب بأصواتهم و اعتراض 7 نواب آخرين.
 
 
و يتضمن مشروع القانون المذكور جملة من الاجراءات لتخفيف العبء الجبائي على المؤسسات ليتضمن القانون الجديد تخفيفا للعبء الضريبي للمستثمرين العقاريين و تسوية مخالفات الصرف الأجنبي للشركات مقابل دفع الرسوم الواجبة بزيادة حُدّدت بنسبة 10 بالمئة. و يتضمن هذا القانون إجراءات لمقاومة التّهرب الجبائي و دعم الشفافية من ضمنها مضاعفة مقدار معلوم التسجيل القار المستوجب على العقد أو الكتب أو التصريح، وتحسين رقمنة الإدارة وتمكينها من تطوير قاعدة بياناتها، و دعم الشفافية الجبائية بإرساء منصة إلكترونية تُعدّ من خلالها وزارة المالية شهائد الخصم من المورد بعنوان الأداء.

كما يهدف مشروع القانون، حسب ما يؤكده وزير المالية التونسي علي الكعلي، إلى أهمية هذا القانون لاسيما في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه تونس والذي وصفه بـ "الصعب جدًا" حيث يؤكد بأنه في حال ما " لم نقم بالإجراءات الضرورية لإنعاش الاقتصاد، فإن الوضع سيزداد صعوبة"، و ذلك في ظل الأزمة غير المسبوقة التي يشهدها الإقتصاد التونسي الذي يعاني من إنكماش قُدِّر بـ 8.8 بالمئة في سنة 2020، و بـ 3 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي. كما يرى وزير المالية بأن هذا القانون سيكون بمثابة العلاج الفعال للعجز الذي تعاني منه المالية العمومية و الذي بلغ 11.4 بالمئة، و ذلك بتوفير الآليات القانونية لتنشيط الاقتصاد الذي يعاني من جرّاء تراجع قياسي في نسبة النمو نتيجة الجائحة.

كما أكد الطرف الحكومي على أهمية فصول القانون المتعلقة بتحفيز الإستثمار من خلال تمكين الشركات من إعادة تقييم عقاراتها حسب قيمتها الحقيقية، إلى جانب طرح الأرباح أو الإيرادات المعاد استثمارها في رأس مال المؤسسات المصدرة كليا. كما يتيح للشركات الحصول السريع و السلس على قروض لمواجهة المصاعب الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، سيمنح هذا القانون الشركات العاملة في البلاد تسهيلات للحصول على قروض مصرفية لمواجهة الأضرار الناجمة عن تفشي وباء كوفيد ـ 19، بشروط و فوائد ميسّرة، في محاولة لدعم هذه المؤسسات حتى لا تضطرّ إلى التقليص من اليد العاملة أو حتى إلى إعلان إفلاسها. 
 
و سيتيح للدولة التي تشهد أفدح أزمة إقتصادية بمزيد تعبئة الموارد المالية عبر استقطاب أموال أكبر من السوق السوداء، و ذلك عن طريق إدراج الأنشطة و العملة المتأتية من الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية، و من خلال تسويات تهدف إلى إدماج الاقتصاد غير المنظم في السوق المنظمة التي تخضع لرقابة الدولة.
 
و يحدد قانون الإنعاش الإقتصادي، في مواضع أخرى، هدفا أخر و هو تقليل التعامل بالنقد من خلال خطوات تصل 5 بالمئة على المدفوعات الإلكترونية أو الرقمية، و يمكّن التونسيين، في سابقة تاريخية منذ دولة الإستقلال، من مسك أو فتح حساب بالعملة الأجنبية أو بالدينار القابل للتحويل بتونس، و هو ما كان، حتى دقائق قبل المصادقة على القانون، أمرا مخالفا للقانون بصريح النصوص القانونية المنظمة للنقد و العملة في البلاد. و أما في الجانب الإجتماعي، فإن قانون الإنعاش الإقتصادي سيضمن توفير مسكن لكل تونسي عبر قرض بنسبة فائدة قارة لا تتجاوز 3% تسدد على مدة أقصاها 40 سنة، و ذلك دون اشتراط توفير تمويل ذاتي بالنسبة لمن هم بصدد التقديم للحصول على المسكن الأول.
 
 
إلا أنّ مسار تقديم مشروع القانون و تمريره للبرلمان و من ثمة المصادقة عليه في 12 جويلية 2021 قد رافقه جدل كثير و لاح على إثره اعتراضات من أطراف متعددة لا تشارك بالضرورة الطرف الحكومي فيما ذهب إليه من توكيد على حيوية مثل هذا القانون في مساعي إعادة إحياء الإقتصاد التونسي.
 
 
أما  البنك المركزي التونسي فقد عقد مجلس إدارته اجتماعا استثنائيا عن بعد يوم 23 جويلية 2021 بغية النظر في مشروع  هذا القانون. و في أولى الإشارات المنهجية من جانب التنظيم القانوني، فقد اعتبر البنك المركزي أن قانون الإنعاش الاقتصادي يمسّ بصفة مباشرة مبادئ و آليات عمل البنك والأهداف التي يتحمّل المسؤولية المباشرة في تجسيدها. كما تمت الإشارة الصريحة إلى أن بعض فصول هذا القانون تؤدي بالضرورة إلى عرقلة قيادة السياسة النقدية، و تؤثر بالتالي على بعض الالتزامات الدولية لتونس. مما سيضعف من قدرة البلاد على مواصلة تعبئة التمويلات الخارجية الضرورية في ظل عجز الموازنات المالية العمومية للدولة. كما أكد مجلس إدارة البنك المركزي على الإشكاليات التطبيقية التي تمثل عائقا أمام حسن تنفيذ فصول القانون، و ذلك من جهة ضعف التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالخطوات المضمنة بالقانون على الصعيدين الاقتصادي والمالي.
 
 
كما يشير الخبير الإقتصادي، أنيس الوهابي، في تصريح لإذاعة شمس آف آم التونسية إلى أن الحكومة لم تستشر البنك المركزي بخصوص قانون الإنعاش الإقتصادي، و أن ذلك عائد إلى وجود خلط  كبير بين دور الحكومة و دور البنك المركزي و إنعدام التمثل للصلاحيات الممنوحة لكلا الطرفي بموجب التشريعات التونسية.
 
و في قراءة داخلة في باب مقاصد هذا القانون، يقول الوهابي أن القانون تمّ وضعه في سبيل أهداف أخرى لا علاقة لها بالإنعاش الإقتصادي؛ إذ يصرّح  بأن القانون يبدو و كأنّه قُدَّ على مقاس بعض الأشخاص من المهربين و المتهربين من الضرائب ممّن لديهم أموال خارج البلاد التونسية و من لديهم عملة أجنبية غير مصرح بها في تونس، و يبحثون عن حل لوضعياتهم في إطار قانوني " يحفظ حقوقهم " من هذه الأموال، حتى جاء هذا القانون كغطاء تشريعي يقنّن إدخال هذه الأموال إلى تونس و الدورة الإقتصادية بها بمسميات الإنقاذ الإقتصادي.
 
 
هذا ولم تسمح الأجواء المشحونة داخل البرلمان بمناقشة مشروع القانون في مرحلة أولى يوم الأربعاء 7 جويلية 2021، وقد علل النائب عن الكتلة الديمقراطية ورئيس لجنة المالية، هيثم المكي، ذلك بأن "مشروع قانون الإنعاش الاقتصادي مخالف لما تم التصويت عليه صلب لجنة المالية، ووقع تضمينه عديد الإضافات المتعلقة بإعفاءات جبائية كبرى و امتيازات لقطاعات وأشخاص بعينهم" على حد قوله.

كما تعترض منظمات من المجتمع المدني على هذا القانون، و ذلك على غرار منظمة " أنا يقظ " التي تنظر إلى فصول المصالحة الجبائية و العفو عن جرائم الصرف باعتبارها تساهلا  و تحفيزا على جرائم غسيل الأموال و تكريسا لإنحرافات الإفلات من المحاسبة و التفصي من المسؤولية الجزائية في جرائم مالية خطيرة أضرت، و لا تزال تضر، بالمنظومة الإقتصادية الوطنية. كما تعتبر هذه المنظمة أن قانون الإنعاش الإقتصادي سيؤدي إلى تراجع هامّ في الموارد المالية المتأتية للدولة التونسية من الضرائب في ظرف اجتماعي و اقتصادي شديد التردّي تحتاج فيه تونس لكل الموارد حتى تتمكن من مواجهة المخلفات الصحية و الإقتصادية و الاجتماعية لتفشي وباء كورونا المفزع في البلاد.
 
  
يتزامن هذا الجدل حول قانون الإنعاش الإقتصادي مع تنامي المخاطر على الموازنات المالية العمومية و في احتمالات بعدم قدرة تونس على سداد الديون الخارجيّة. و هو يمثل تمظهرا لتفاقم الأزمة السياسية وغياب اتفاق حتى حول الإصلاحات العاجلة المتوجب إقرارها و المضمنة بقانون الإنعاش الإقتصادي. و تصبح البلاد التونسية بكل ذلك مصنفة في موقع عالي المخاطر من جهة عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية. كما تمّ تخفيض الدرجات الإئتمانية للإقتصاد التونسي و الترقيم السيادي للدولة التونسية بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي و آثاره الاقتصادية، سواء على التداين والنمو أو على السياسات النقدية و القطاع المصرفي.