الشاب التونسي الذي قتل الأسبوع الماضي أثناء الهجوم على جناح المحجوزات بالمركز الحدودي ببوشبكة من ولاية القصرين غربي البلاد ، تأخر به القطار لمدة ثلاثة أعوام ، ولوكان قد فارق الحياة في الظروف ذاتها ،ولكن خلال الإنتفاضة التي أطاحت بزين العابدين بن علي ،لكان اليوم في قائمة شهداء الثورة المقدّسين .

وقضية قتلى ومصابي الثورة لاتزال تؤرّق الحكومات التونسية المتتالية ، نظرا لوجود شبهات حول حقيقة الظروف التي أحاطت بمقتلهم  أو بمقتل بعضهم على الأقل ، بل وتم الكشف عن مقتل عدد منهم وهم ينهبون ويسرقون ويعتدون على المحلات الخاصة والعامة ، ومنهم من مات في جلسة خمرية ، وأكثرمن الثلثين  قتلوا بعد فرار بن علي ، وبسلاح الجيش لا برصاص الأمن ،والبعض ممن قضوا قبل 14 يناير 2011 لا يزال قاتلوهم مجهولين ، ولا أحد يستطيع أن يجزم أن القتلة كانوا من الداخل أم من الخارج ، من رجال الأمن أم من ميلشيات مسلحة تسللت عبر الحدود ، من قناصين محترفين يعلمون لفائدة قوى خارجية كانت تعرف ماذا تفعل ،أم من جهات داخلية سعت الى تأجيج الموقف لتحقيق هدف كان واضحا أنه قد تم التخطيط له جيدا 

والوضع التونسي ومهما كانت حقيقته مؤلمة، يعتبر مثاليا مقارنة بالوضع الليبي ، حيث تم تدمير دولة ، بسلسلة من الأكاذيب التي فندتها الأيام ولم يعد هناك من يذكرها 

فالقصف الجوي للمدن الليبية كان كذبة وإعتماد النظام السابق على المرتزقة الأفارقة كان كذبة وإٌغتصاب الجيش الحكومي للنساء  الليبيات كان كذبة ومقتل عشرة آلاف ليبي خلال الأيام الأولى للأحداث كان كذبة وحتى الثورة الشعبية العامة والعارمة كانت كذبة ، بل وبلغ الكذب درجة الحديث عن قصف الطيران الليبي لبعض المناطق بالقنابل العنقودية في الوقت الذي كان فيه الحظر الجوي سائدا في البلاد .

وراجت الأباطيل حول أصول القذافي ، فقالوا أنه يهودي ،و أن أمه يهودية ، مما حلّل قتله ،ثم نبش قبر والدته وإستخراج رفاتها وحرقه في مشهد يطيح بكل القيم الإخلاقية التي يتبجّح بها البعض ، 

وتسببت كذبة تجنيد المرتزقة الأفارقة في إهدار دماء مواطنين ليبيين من ذوي البشرة السوداء ، وقتلهم ، وسلخ أحدهم وهو حي ، ثم تهجير سكان مدينة كاملة فقط لأنهم سود البشرة ،ولأن البعض أشاع بأنهم قاموا بعمليات إغتصاب ، فندتها التحقيقات ، دون أن يعود المهجرون الى ديارهم 

ومنذ أيام صادف أن إلتقيت أحد من كانوا في ركاب النظام السابق ثم إنشقوا عنه ،وسألته عن مأساة مدينة تاورغاء ، فرد علي بأنها مأساة حقيقية ،ولكن يمكن إعتبارها تصحيحا للتاريخ لأن المدينة ، من وجهة نظره ، كانت تمثّل نتوءا زنجيا على ساحل المتوسط ،وهذا  لا يجوز ، لذلك تم تهجير 60 ألف ساكن من مدينتهم الى العراء 

هذه الأكاذيب التي أريد لها أن تصنع الربيع العربي ،ذكّرتني بالأكاذيب التي تم إعتمادها لتدمير العراق وغزوه في العام 2003 ، ومنها أمتلاك النظام لأسلحة دمار شامل ، وتعاونه مع الإرهاب ، وقد رأينا كيف كان الإعلام يتحدث عن وجود مائة شبيه لصدام حسين لم نعثر على أحد منهم بعد إعدام صدام 

وكما سلّم الغرب العراق لإيران والميلشيات الدينية بمجموعة أكاذيب  ، سلّم ليبيا للإخوان والميلشيات المسلحة وللقاعدة وأنصار الشريعة بمجموعة أكاذيب ، ولا تزال بعض الأطراف تكذب وتكذب لتدمير مصر  ، ولا يزال هناك من يكذب لتخريب تونس 

ولا يزال هناك من يحاول الوقوف ضد أي محاولة لفضح الأكاذيب ، فكشف الحقائق ليس في مصلحة القادمين على جناح الكذب السياسي والإعلامي  ، ولا يزال من بين العرب من يعتقد أن الحقيقة هي الجحيم وأن الكذب في المصالح صالح .

ورأينا من الإسلاميين من يكذب ،ومن اليساريين من يكذب ،ومن الليبيراليين من يخادع وينافق ويعتمد الأباطيل في خدمة مشروعه  ، ولا تزال بعض وسائل الإعلام تكذب وتكذب ،،بل وتحترف الكذب ولكن الكذب وحده لا يصنع الربيع ، والمنصفون يدركون جيدا أنه لا يجوز إستعمال الوسائل الساقطة لتحقيق الأهداف النبيلة ،،حتى ولو كان هذا الهدف هو الحرية