مصطفى حفيظ

قبل نهاية عام 2021، خاطب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شعبه بالقول إن سنة 2022 ستكون سنة للإقلاع الاقتصادي، تعتمد فيها الجزائر على قدراتها الذاتية وتنفتح على التعاون مع الشركاء، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو لماذا تأخر هذا الإقلاع؟ ما الذي يمنع بلدا بحجم قارة أن يحدث ثورة اقتصادية رائدة في شمال افريقيا وجنوب المتوسط؟ هل يتعلق الأمر بغياب قوانين استثمار حقيقية تحفزّ دخول المستثمرين الأجانب؟ أم أن البيروقراطية والمافيا هي سبب تعثّر هذا النهوض الاقتصادي؟

يُوصف الاقتصاد الجزائري بأنه اقتصاد ريعي، أي يعتمد بالدرجة الأولى على الريع البترولي، فمجمل صادرات الجزائر نحو الخارج هي من النفط بنسبة تفوق 95 بالمئة من حجم الصادرات، فسبق للوزير الأول في الحكومة الجزائرية أن صرّح بذلك خلال عرضه لمشروع قانون المالية لسنة 2022 أمام أعضاء الشؤون الاقتصادية والمالية لمجلس الأمة، حيث كشف أنّ صادرات الجزائر غير النفطية منذ الفاتح يناير/كانون الثاني 2021 إلى شهر نوفمبر بلغت 4 مليار دولار، وهذا يؤكد أن الاقتصاد الجزائري يحتاج فعلا إلى ثورة حقيقية تسرعّ وتيرة الإقلاع الذي تحدّث عنه الرئيس مؤخرا.

يتحدث خبراء الاقتصاد الجزائريون بصراحة أكثر عندما يتعلق الأمر بحقيقة الوضع الاقتصادي والمالي في الجزائر، فمثلا الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول، يؤكد بأنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي بين 2022/2025 مع التوترات في الميزانية وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي والتضخم والبطالة، هو وضعٌ صعب، ويرى بأنّ الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة مطلوبة من خلال مكافحة الفساد وتحسين تخصيص الموارد المالية، والرهان حسبه هو النجاح في الإصلاحات، بما في ذلك التحوّل في مجال الطاقة، وإنّ البقاء في الوضع الراهن عن طريق تأخير الإصلاحات الهيكلية، سيؤدي حتما إلى توترات اجتماعية.

فالرهان حسب تبون هو مواجهة التحديات الراهنة وما يكتنفها من تعقيدات وصعوبات، ومن منظور السلطة، فإنّ ما يعطّل الإقلاع الاقتصادي هي تلك المؤامرات لزعزعة استقرار البلاد، من بين هذه المؤامرات محاولة خلق ندرة في المواد الأساسية، يمكننا هنا الاستشهاد بما سمي "أزمة الزيت" في الجزائر، فمؤخرا، عاشت الجزائر ندرة حادة في مادة زيت المائدة ذات الاستهلاك الواسع، لدرجة خلقت اضطرابا وسط المواطنين ومخاوف من استمرار الأزمة، حيث عرفت معظم محافظات البلاد نقصا فادحا في وفرة هذه المادة، ووصل الأمر إلى اتهام الحكومة ووزارة التجارة بالخصوص بالعجز عن إدارة هذه الأزمة، ثم تبادل الاتهامات بينها وبين التجار وارباب العمل، والكل يتهرب من المسؤولية في هذه الأزمة.

والغريب في الأمر، أنّ وزير التجارة كان يتحدث في عزّ الندرة عن استعداد الجزائر لتصدير المادة الخام للزيت إلى الخارج! لقد قال متحدثا للصحافة بأن 2022 ستكون سنة صناعية واقتصادية، وأن الجزائر ستصبح البلد رقم واحد افريقيا في تصدير المادة الخام للزيت، وطبعا كان هذا تصريحا إعلاميا شعبويا في مضمونه غرضه التقليل من حجم القلق الذي يعيشه المواطن الجزائري جراء هذه الأزمة، لأن الوزير لم يتحدث بعد ذلك عن الطريقة التي سيتم بها حل مشكل الندرة، ولا عن كيفية وصول الجزائر إلى مرتبة المصدّر رقم واحد افريقياً للمادة الخام للزيت، لأنه من غير المعقول أن تعجز مصالحه في تسيير مادة الزيت برغم وجود مصانع كبرى لإنتاج هذه المادة.

تعترف السلطة بوجود محاولات لزعزعة الاستقرار، الأكيد أن هذا أمر واقع، وخير دليل هو ذلك التقرير السوداوي للبنك العالمي حول الجزائر، لكن هناك أيضا حقائق يجب عدم المرور دون ذكرها، وهي أنّ الجزائر خلال العشرين سنة الماضية، غرقت في الفساد، وعشعشت البيروقراطية في الإدارة، ولم يكن مناخ الاستثمار يبعث على الاطمئنان مما أدى بالعديد من الشركات العالمية إلى التراجع عن الاستثمار في الجزائر، ربما كانت حججهم مقنعة، خاصة ما يتعلق بالقوانين والعراقيل الإدارية، ناهيك عن الاستثمار من قِبل الشركات الجزائرية، فهي أيضا واجهت حزمة من المعوقات حالت دون الدخول في صفقات انجاز مشاريع، أو حتى خلق مشاريع صناعية أو تجارية أو تلك المسماة شركات المناولة في مجال تركيب وإنتاج قطع غيار السيارات مثلا.

ومن العراقيل التي كانت وما تزال عائقا للاستثمار الخاص هي عدم فتح الاستثمار للقطاع الخاص، مثلا شركة الخطوط الجوية الجزائرية، هي مؤسسة عمومية من المفروض أن مداخيلها بالملايير، لكن مع ذلك طالها الفساد وسوء التسيير ووصلت إلى حدّ الإفلاس، والأمثلة على ذلك كثيرة. إذن لكي ينتعش الاقتصاد الجزائري فعلا، يجب تجسيد الإقلاع في الميدان، ويبدأ ذلك من حزمة القوانين المتعلقة بترقية الاستثمار في مجالات عدّة، وترقية الصادرات، الخ، وبحسب المعطيات فالترسانة القانونية تم تجهيزها من قِبل الحكومة وينتظر تطبيقها هذه السنة 2022، فهل ستسهل هذه القوانين من إزاحة العقبات أمام الاستثمار الأجنبي والمحلي؟

لقد ساهم غياب الشفافية في القوانين التي كانت تحكم الاستثمار في هروب المستثمرين الأجانب وتضييع الجزائر لفرص بالملايير لتطوير قطاعات الصناعة والتجارة بالأخص، فباستثناء الشركات العالمية الكبرى التي تستثمر منذ سنوات في قطاع المحروقات، يوجد عدد قليل من الشركات الأجنبية التي تستثمر في قطاعات أخرى كالطاقة الكهربائية والهيدروليكية، فقاعدة 51/49 التي كانت تفرضها الجزائر على المستثمرين الأجانب كانت العائق الأكبر لترقية هذا المجال، واليوم ينتظر أن تكون النسخة الجديدة من القوانين بعد تعديلات أدخلت عليها، محفزّة أكثر للشركات العالمية والمحلية في قطاعات استراتيجية.

لن تكون سنة 2022 سنة اقلاع اقتصادي دون خروج هذه التعديلات القانونية إلى أرض الواقع، فالعراقيل الإدارية والبيروقراطية هي أكثر سرطان ينخر الاقتصاد الوطني في الجزائر، هل يتعلق الأمر بوجود مافيا إدارية تعمل لمصالح أصحاب المال والأعمال ممن يسيطرون على عصب الاقتصاد في البلاد؟ فالقطاع الخاص مازال يتخبط جراء هذه العراقيل، ودون صدور هذه القوانين في نسخها المعدّلة، لن يستطيع التحرك وتحرير مشاريعه وتجسيدها على أرض الواقع، لأن الآلاف من الملفات الخاصة بطلبات الاستثمار التي أودعتها الشركات المحلية ما تزال في أدراج مكاتب هذه الإدارة التي البيروقراطية، وحال ذلك دون انطلاق 877 مشروعا اقتصاديا، فقد بقيت هذه المشاريع معلقة منذ سنوات بسبب هذه العراقيل منها ما تعلق بالقوانين ومنها ما سبه مشكلة العقار الصناعي، فلو انطلقت هذه المشاريع في آجالها، كانت ستسمح بخلق 65 ألف منصب شغل في الجزائر، وهو عدد من شأنه خفض حجم البطالة المتزايدة وسط الشباب الجامعي خصوصا، إذن، تحقيق اقلاع اقتصادي حقيقي يستلزم تفعيل هذه القوانين التي تتحدث عنها الحكومة، فهل ستكون هذه السنة سنة هذا الاقلاع مثلما يرغب الرئيس؟