حميد زناز 

لم تعد الانتخابات تعني الشيء الكثير لأغلبية المواطنين الجزائريين لأنهم أدركوا بالتجربة أنها مجرد عبث لا طائل من ورائه تحت سلطة محتكرة من نظام جاثم على صدورهم منذ الاستقلال. لا يلجأ الى الاقتراع سوى  لتزيين وجه حكمه الاستبدادي الفاشل و إعادة تدوير رجاله  و توزيع الريع على زبانيته.    الجزائر الجديدة التي يتبجح بها السيد عبد المجيد تبون قديمة قدمه إذ في 2021   لا يزال النظام وفيا لهويته الاحتكارية كما يظهر من اختياره للوجوه القديمة الهرمة المطيعة لتولي المسؤوليات الهامة حتى باتت الجزائر التي يتشكل شعبها من 75 في المئة من الشباب تحت حكم "الشيخوقراطية"، حكم الطاعنين في السن. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ألا يبلغ رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل 90 عاما و علي بن علي قائد قوات الحرس الجمهوري 88 عاما ؟

بعد مرور قرابة الـــــــ 60 عاما على استقلال البلد و رغم امكانياته المادية و البشرية الضخمة ، فوضعه لا يطاق اليوم . فلا قطاع مسيّر على ما يرام؛ مستوى تعليم ضعيف جدا، بطالة مستفحلة، مستشفيات مهترئة، بعض البنايات تكاد تسقط على رؤوس المارة في المدن..هيمنة للفكر الأصولي الإخواني وقضاء غير مستقل. علاوة على الاحتقان السياسي الذي تعيشه الجزائر منذ سنين وانغلاق السلطة على ذاتها أكثر فأكثر قي السنتين الاخيرتين و تكشيرها على انيابها في وجه المعارضين. وهو وضع طارد لا يشجع الكفاءات على البقاء و نشهد  موجة من هجرة ادمغة لم تشهدها الجزائر من قبل اطلاقا و لو لا الكوفيد و صعوبة الحصول على الفيزا  لغادر الشبان  و حتى الكهول و النساء بالملايين و هم يخاطرون حتى بأرواحهم عبر البحر بالمئات منذ سنين.  

و رغم انتفاضة شعبية سلمية ملتهبة منذ 22 فبراير 2019 بقي النظام متمسكا بأجندته غير مبال لا بصوت العقل و لا الشعب. فبعد أن فرض قائد أركان الجيش السابق الفريق أحمد قايد صالح على الجزائريين عبد المجيد تبون رئيسا للدولة، إثر انتخابات رئاسية لا ذوق ولا طعم فيها، نظمت يوم 12 ديسمبر 2019 رغم أنف الملايين من الجزائريين والجزائريات وقد قاطعها أغلبهم. والأخطر أنه لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة لم تشارك منطقة القبائل برمتها، فقد قاطعها كل سكان ولايتي بجاية وتيزي وزو. ولم تتعدّ نسبة المشاركة في تلك الانتخابات الكئيبة الــــ39 في المئة ، حسب السلطة ذاتها، أما النسبة الحقيقية فلا يعلمها إلا الله لجنة تنظيم الانتخابات كما يقول الجزائريون المشككون دوما في النسب المقدمة من طرف الجهات الرسمية

و لم يتعظ النظام، فجاء خليفة القايد صالح،  الفريق سعيد شنقريحة ليفرض على الجزائريين تعديلا دستوريا عبر نسبة مشاركة ضئيلة (23.72 في المئة)، لم تعرف الجزائر أدنى منها على الإطلاق في كل الانتخابات التي أجريت منذ الاستقلال. ولم يكن ذلك نتيجة لشفافية مفاجئة، كما تدعي قنوات النظام، وإنما لعدم توافق أجنحة الحكم على نسبة أعلى، إذ يرى الكثير من الملاحظين أنها مضخمة وأن النسبة الحقيقية لم تتجاوز في الواقع 10 في المئة و كان   الهدف محاولة النظام  عبر هذا الاستفتاء  استدراك الأمر بحثا عن شرعية لم يحصل عليها عبر الانتخابات الرئاسية، وكانت النتيجة كارثية والضربة موجعة

و في وقت كان يظن الجميع أن النظام قد استوعب الدرس و لن يغامر بإجراء انتخابات يكون مصيرها حتما   كالمناسبتين السابقتين و لكن يبدو أن النظام كان عازما على الطلاق بالثلاث مع الشعب و نظم  الثالثة يوم 12 جوان 2021 و كانت تشريعيات فاشلة بحملتها البهلوانية المضحكة و مقاطعة الناخبين غير المسبوق  لصناديق اقتراع التشريعيات منذ الاستقلال اذ لم تتعد نسبة المشاركة  رسميا 03, 23  في المئة ، أما النسبة الفعلية  فيقول كثير من المراقبين أنها لم تتجاوز 4 او  5 في المئة .   

وقد تم الغاء 1.160000  ورقة   مملوءة  بجمل الشتم  للنظام كما جرت العادة. و رغم كل هذا الفشل البواح، لم يراجع الرئيس عبد المجيد تبون مقولته الغريبة التي يكررها دائما : "لا تهمني نسبة المشاركة" !  و هذا يعني أن السلطة ماضية في غيّها و يبدو واضحا أن أولوياتها  ليست أولويات الشعب إذ أصبحت لا تخشى التفرد بالقرار غير آبهة للأصوات المنتقدة منتهجة سياسية الأمر الواقع " أحب من أحب وكره من كره" كما يكرر الرئيس عبد المجيد تبون دائما. وقد أعادت الانتخابات التي لا تهم نسبة  مشاركة  الشعب فيها   كما يقول الرئيس المعيّن انتاج نفس السلعة السياسة الرديئة التي ثار ضدها الحراك و قاومها الجزائريون دائما و فضحت خواء عبارة "الجزائر الجديدة" التضليلية. و عاد جهاز جبهة التحرير و التجمع   الوطني  و إخوان حماس و أحرار مزيفون الى الواجهة عقب مسرحية انتخابية سمجة ليحتلوا مقاعد البرلمان كأن شيئا لم يكن، لتستمر البوتفليقية بوجوه جديدة   قديمة في نهب البلد.

من البديهي أن تعيين عبد المجيد تبون في مكان بوتفليقة لا يعني القطيعة مع نظام بوتفليقة، الرجل الذي خرج ويعيش معززا مكرما وكأنه غير مسؤول عما وصل إليه البلد من خراب شامل طيلة عشريتين كاملتين من حكمه. ولا نقد وجه إليه ولا محاسبة في حين أن كل الجزائريين يعرفون أنه هو رأس الفساد. فلماذا لا يحاكم ولو غيابيا ويصدر ضده حكم ليبقى في التاريخ ويكون عبرة للأجيال القادمة؟

في عهد عبد المجيد تبون استمرار لسياسة بوتفليقة و لكن بدون أناقة، خنق حرية التعبير بسيطرة محكمة على وسائل الإعلام العمومية وإسكات الصحف والقنوات الخاصة بالتهديد بالموت الرحيم، بمعنى تركها تموت بحرمانها من الإعلانات العمومية والخاصة، وغلق كل وسيلة إعلامية لا تريد الرضوخ لإملاءات النظام والوقوف في صفه. وإن كان صحيحا أن بوتفليقة قد سيطر على الإعلام وشجع الصحف الرديئة والقنوات المتأسلمة لنشر الدروشة وتغييب الوعي، إلا أنه لم يصل به الأمر إلى اعتقال شبان ينشرون تعاليق على فيسبوك. في الجزائر اليوم 162 نشرية إعلامية يبذر فيها المال العام، إنها مجرد دكاكين لملء جيوب أحباب النظام، هدفها تلميع وجهه البوتفليقي.  

لقد نجحت الاقلية في سحق الاغلبية بعدما صحّرت الحياة السياسية في الجزائر فرسخت انقسام واضح في المجتمع بين ثلاثة اتجاهات متناقضة تماما؛ عسكريون يعتقدون أن الجيش هو الذي يجب أن يحكم بسبب ضعف السياسيين المدنيين، وإسلاميون يحلمون بتطبيق الشريعة   عبر أسلمة المجتمع، وعلمانيون يؤمنون بإقامة دولة القانون والحريات، وانتهازيون لا يهمهم سوى ما يجنون مقابل الخدمات التي يقدمونها للنظام

ومثله مثل شهرزاد في ألف ليلة وليلة يحكي النظام الجزائري قصة وراء قصة في محاولة لربح الوقت والنجاة من السقوط. ويبقى أسير مونولوغ مزمن لا يستمع إلى هدير الشارع الغاضب ولا إلى الأصوات العاقلة التي تريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه. و يستمر العبث و حكم الاقلية الساحقة..