مصطفى حفيظ

برغم اعلان المجلس الدستوري عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية عقب دراسته للطعون المودعة لديه، والتي جاءت متقاربة مع تلك التي أعلن عنها سابقا، بزيادة بعض المقاعد للمستقلين وخسارة حزب جبهة التحرير الوطني لبعض المقاعد، لم تظهر ملامح شكل الحكومة التي ستنبثق عن البرلمان الجديد، ويدور الحديث هذه الأيام في أروقة السياسة بالجزائر عن التحالفات الممكنة التي ستحدث مستقبلا لضمان أغلبية برلمانية تسمح بتشكيل حكومة لها الصلاحية في تنفيذ برنامجها الانتخابي، بينما الأصداء من هنا وهناك تقول إنّ الحكومة ستنبثق من تحالف برلماني رئاسي يخدم أجندة الرئيس تبّون، ولعل اعلان المستقلّين (70 نائبا من الأحرار) دعمهم لبرنامج الرئيس تبّون يصبّ في هذا الاتّجاه، فهل ستكون حكومة مثلما يريد الرئيس؟ أم تحدث تحالفات خارج ما تريده السلطة؟

كيف ستكون هوّية الحكومة الجديدة في الجزائر؟ هل ستكون إسلامية بشكل ما لاعتبارات معيّنة؟ أم ستكون حكومة وطنية إسلامية تضمّ أكثر من تشكيلة سياسية وفقا لحسابات قد تخدم السلطة في المرحلة المقبلة؟

لم تختلف النتائج النهائية التي أعلن عنها المجلس الدستوري عن تلك التي سبق الإعلان عنها من قبل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، فالأفالان برغم خسارته لسبعة (07) مقاعد بعدما كانت 105 مقعد من قبل، ما يزال يحتل المركز الأول ب 98 مقعد، بينما يكون المستقلّون قد أخذوا حصلة كبرى من تلك المقاعد التي انتزعت من حزب جبهة التحرير الوطني بعد قبول بعض الطعون (48 طعن) التي أودعت لدى المجلس الدستوري، فأصبح عدد المقاعد 84 مقعدا بدل 78، وارتفع عدد مقاعد حمس بمقعد واحد لتصبح 65 مقعد بدل 64، ونال الأرندي مقعدا إضافيا لتصبح مقاعده 58 بدل 57، وبقيت جبهة المستقبل في نفس المركز ب 48 مقعد، بينما خسرت حركة البناء مقعد واحدا أي 39 مقعدا بدل 40، وحصلت جبهة الجزائر الجديدة على مقعد إضافي ليصبح لديها مقعدين عوض واحد، بينما البقية دون تغيير، وأفرزت النتائج النهائية ظهور حزب الجبهة الوطنية الجزائرية الذي خصل على مقعد واحد. ومن هذه النتائج نفهم بأن الطعون التي تم قبولها لم تغيّر في الأمر الشيء الكثير، فالأفالان وهو الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد (دون الأغلبية)، لم يخسر الكثير، والأكيد أنّ دوره في تشكيلة الحكومة المقبلة سيكون مهما، والآن، يسود سوسبانس كبير في الساحة السياسية، وزادت هذه النتائج من حالة القلق والترقّب لدى التشكيلات السياسية التي حصدت مقاعد في البرلمان الجديد ومعهم المستقلّين، وفتح الباب على التأويلات والتكهنات، وتوقع سيناريوهات حول هوّية الحكومة المنتظرة وعن أعضاءها المحتملين، وعن إمكانية عودة حزب جبهة التحرير الوطني (الأفالان) والتجمع الوطني الديموقراطي (الأرندي) إلى الواجهة بتواجدهما في الحكومة الجديدة، أو تواجد وزراء من حركة حمس، أو حركة البناء مثلا، إذن، ما هي هذه السيناريوهات المحتملة؟ وما هو أقرب سيناريو يمكن توقّع حدوثه؟ 

حكومة إسلامية؟

هل ستكون الحكومة بلون إسلامي؟ إنّ الجواب عن هكذا سؤال يستلزم منا العودة إلى تصريحات الرئيس تبّون الأخيرة، فهو كان قد أعلنها صراحة بأنّه لا مانع لديه من العمل مع أحزاب الإسلام السياسي مادامت تحترم قوانين الجمهورية، ومنه فُهم بأنّه يبحث عن دعم التشكيلات الحزبية ذات التوجّه الإسلامي (الاخواني) في المرحلة المقبلة من عهدته الانتخابية بما أنّه أشاد بالتجربة التركية من خلال وصول حزب إسلامي الى الحكم (حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان)، فهل يريد الرئيس أن يكون الإسلاميون في الحكومة أم يكونون على رأس الحكومة؟ هذا الأمر قد يحدث بشكل من الأشكال لاعتبارات عديدة، أبرزها، أولا: إنّ الإسلاميون في الجزائر وأبرزهم حركة البناء وحركة حمس هنا حزبين يدعمان الرئيس تبّون بشكل مباشر أو ضمنيا، لكن أن يكون الإسلاميون على رأس الحكومة فهذا الاحتمال قد لا يحصل لاعتبارات أهمها استحالة تحقيق حركتا حمس والبناء وجبهة العدالة والتنمية لتحقيق أغلبية برلمانية، فإذا ما حسبنا عدد المقاعد التي حصلت عليها هذه الأحزاب مجتمعة نجد 106 مقاعد أي بفارق ثماني مقاعد عن الأفالان (98) مقعد، ومع ذلك فعدد المقاعد التي يحوزها الإسلاميون مجتمعون لا يمنحهم الأغلبية التي تمكّنهم من تشكيل الحكومة، وهذا يدفعها للبحث عن تحالفات خارج منهجها (الإسلامي)، لكن مع من، فالإسلاميون أنفسهم لا يتفقّون، وبحسب العارفين بحركة حمس، فإنّ احتمال أن يتحالف رئيسها مقري مع حركة البناء هو احتمال ضئيل إن لم يكن منعدما، لأنّ حركة البناء انشقّت من حمس، ولم تعد للحركة الأم عكس جبهة التغيير التي أسسها عبد المجيد مناصرة في السابق، والتي عادت وذابت مجددا في الحمس، لذلك، فتحالف الإسلاميين في البرلمان أمرٌ مستبعد في الوقت الراهن، وبالنتيجة فتشكيل حكومة إسلامية قد يخدم تبّون من جهة حاجته إليهم في تعزيز علاقاته مع تركيا وقطر مستقبلا، أم في الداخل، فاختيار الإسلاميين في الواجهة قد لا يلقى الترحيب الشعبي لدى غالبية الجزائريين، بحكم أن الأحزاب الإسلامية منغلقة على نفسها أكثر، وتدين بالولاء للإخوان المسلمين ( في تركيا أو مصر مثلا) أكثر من ولاءها للجزائر، حتى وإن أخفت ذلك، ومنه، سيناريو حكومة إسلامية صرفة غير ممكن الحدوث من هذا المنطلق.

حكومة وفاق وطني تضم الإسلاميين؟ 

هذا الشكل ممكن الحدوث في حال نجحت تشكيلات حزبية في البرلمان من التفاهم على شكل الحكومة المقبلة، أي أن أي تحالف بين الوطنيين مثلا والإسلاميين والمستقلين سيفضي إلى حكومة وفاق وطني تعمل على تنفيذ برنامج متناسق فيما بينها، لكن هل ذلك ممكن؟ قد يحدث ذلك بحسب ما ذهب إليه محللون جزائريون، من منطلق أنّ الجزائر في الوقت الراهن تحتاج إلى تظافر جهود كافة الاطياف من أجل تحقيق الاستقرار المؤسساتي، وهو ما يحتّم على أحزاب مثل الأفالان والأرندي وجبهة المستقبل أن تتحالف مع حركات إسلامية كحمس والبناء وجبهة العدالة والتمنية، ولو افترضنا حصول محاولات لتشكيل حكومة وفاق وطني، يبقى الاشكال في هذه الحال هو في كيفية توحيد البرنامج الانتخابي لهذه التشكيلات السياسية، وكانت حمس والأفالان تبادلتا الاتهامات خلال الحملة الانتخابية، ما يؤكد استحالة ذلك، وحتى لو افترضنا بحث الأرندي والمستقبل عن تحالف مع الإسلاميين فلن يحدث ذلك لنفس الاعتبارات، خاصة وأن الأرندي مثله مثل الأفالان اقترن اسمه بالنظام السابق هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إمكانية أن يتحالف الأفالان والأرندي مع بعضهما ومع الإسلاميين أمرٌ غير ممكن، فالتحالف الرئاسي بشكله القديم لا يمكنه أن يتحقق لاعتبارات عديدة أهمها أنّ السلطة الحالية لا تريد أن تغامر بهكذا تحالف تجنّبا لغضب الشارع الرافض لنظام بوتفليقة. إذن ماذا تريد السلطة؟

حكومة أغلبية رئاسية؟

حسب متتبعين للشأن السياسي في الجزائر، فإنّ السيناريو الأقرب للحدوث هو أن تتشكّل الحكومة من أغلبية رئاسية تضمّ تحالفات تدعم الرئيس لتشكيل الأغلبية الرئاسية التي يريدها تبّون، لكن الاشكال المطروح هو: كيف يستشكّل هذا التحالف؟ وكيف ستنبثق منه الحكومة؟

الأكيد أنّ الرئيس يريد حكومة ذات أغلبية رئاسية لمواصلة برنامجه الانتخابي في إطار ما عرف باسم "الجزائر الجديدة"، وممّا لا شكّ فيه، فإنّ الرئيس يكون قد ضمن خطوة نحو تحقيق ذلك بعد إعلان 70 نائبا عن المنتخبين المستقلّين دعمهم لبرنامجه، ومعلوم أن القوائم المستقلّة حصدت المركز الثاني بعد الأفالان ب 84 مقعدا في البرلمان حسب النتائج الرسمية المؤقتة، برغم ذلك، يحتاج الرئيس لأغلبية رئاسية لتشكيل حكومة يقودها وزيرا أوّلا وتكون الصلاحيات بيد الرئيس، ويكون تبّون قد ضمن ولاء كتلة الأحرار مثلما ضمن ولاء الأفالان، وما يثبت حصوله على دعم الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، هو تصريح أمين عام هذا الحزب أبو الفضل بعجي مؤخرا بأنّ حزبه تحت تصرف الرئيس تبون، من خلال الأغلبية الرئاسي، قائلا:" إنّ برنامج الحزب قريب من برنامج الرئيس، ونضع أنفسنا ضمن الأغلبية الرئاسية، ويبقى القرار بيده لاتخاذ ما يتوافق مع الدستور". ولو حدث أن تحالف المستقلّون الذين أعلنوا دعمهم لتبّون مع الأفالان ثم ضمّوا إليهم جبهة المستقبل مثلا، سيضمن الرئيس أغلبية رئاسية مريحة تسمح له بتشكيل الحكومة بتعيين وزير أول واختيار أعضاء حكومته، لكن يبقى التكهّن صعب بهوّية هذه الحكومة التي قد تضمّ نوابا من أحزاب وطني، ديموقراطية، مستقلين واسلاميين، فالرئيس يبحث عن قوّة دعم سياسي تمكّنه من تحقيق برنامجه الانتخابي من جهة، والعودة بالجزائر للمحافل الدولية عن طريق فتح علاقات جديدة مع تركيا، قطر، ألمانيا، واسبانيا، للعب دورها الإقليمي كقوّة لا يستهان بها في المنطقة.