تجربة أخري من تجارب الأمم المتحدة، نختلف من منطلق تأسيسها وشرعيتها الي الكيفية والطريقة التي رسمت بها، لما تمثله من عقود الإذعان وما في شاكلتها، وافتقارها للقاعدة العريضة الافقية، ولكن الأهم هو... كيف لنا أن نقرأ المؤتمر القادم لبرلين؟ وما هي أهم محاوره وأهدافه؟ 

بعدما فشلت كل محاولات السابق، فمن غدامس الي باريس الي  باليرمو، نتجه اليوم الي برلين، في ظل غموض وتعتيم وضبابية لأسباب الدعوة ومضمونها وغياب الوجه الحقيقي للمحاور التأسيسية، والتي توضح فقدان بوصلة الإستراتيجيات الدولية، وإعادة السيناريوهات السابقة وذكريات ما بعد غزو العراق، حيث يتم دس الظلم في البرم، فالقادم ينذر  بالمراقبة الدولية "القبعات الزرقاء" والرقابة "المناطق الخضراء"،  وبحزمات ثلاث تمثل الحزمة الأولي صناديق التنمية مساراً لخضوع الموارد السيادية كـ النفط والإستثمار تحت حزمة المراقبة والتنفيذ والتقسيم والإسترزاق " النفط مقابل الغذاء"، وحزمة أخري لمكافحة الفساد، الأمر الذي يذكرنا بملفات العراق واطلاق ايدي الشركات الكبرى وما افصحت عنه تلك الجرائم الاقتصادية والأخلاقية، كما تذهب الحزمة الثالثة لوضع خبراء عسكريين بالمشاركة مع العنصر الوطني لوضع خطوات نزع السلاح واستراتيجيات العمل الأمني والعسكري.   وكل تلك الإجراءات والسلات تأتي تحت مسميات لطيفة وكلمات جاذبة "الإصلاح والتنمية ومكافحة الفساد".  

وبعيداً عن الجزم، ولمنح مجال التدقيق والفحص والتحليل والتأمل والإستشراف، فهل سياتي هذا المؤتمر بنقطة توافق دولي أو نقطة توازن وطني؟ وهل سيصنع اليات توافقية دولية؟ وهل سيضع نوعاً من أنواع التوازن بين القوة المتصادمة كـ إيطاليا وفرنسا؟ وروسيا والولايات المتحدة؟ وهل أحرج التقدم غير المسبوق للجيش الليبي تلك الإرادة الداعمة لمخرجات الصخيرات ومن ثم استوجب إعادة صنع الأحداث؟ وهل سنعتبر المؤتمر القادم هو اطلاق رصاصة الرحمة علي الاتفاق السياسي بالصخيرات قبل أربعة أعوام؟ أم أنه سيكون المنقذ والداعم؟


وفي ظل تغييب مشاركة القوة الوطنية وحجبها عن تمثيل مصالحها وارادتها فهل نعتبر بأن الفصل السادس والسابع لميثاق الأمم المتحدة قد أنهي وقضي علي سيادة ليبيا بشكل كامل؟ أم أن الخلاف بين دول أعضاء بالمنظمة الدولية قد اوجدوا نوعاً آخر من الإلتقاء عبر المانيا والتي كانت منذ البدء بعيدة عن المشهد الليبي وتمثل نوعاً من أنواع الضمان المشترك لقربها وشراكتها الفرنسية واتفاقها المصلحي الإيطالي؟ وبعد كل تلك الجهود والتداولات وحتي في حالة تحقق الكثير من المقاربات الدولية، السؤال الاهم اليوم ... هل ستعيق الإتفاقية العسكرية – الأمنية بين كل من (المجلس الرئاسي، وجمهورية تركيا) كل آمال وجهود الدول الأوربية، وتمنح اطرافاً أخري قيادة المرحلة القادمة؟  

الجيش الليبي يخوض حرب التحرير، والرئاسي يمنح اتفاقية التعاون العسكري وترسيم الحدود 

مشوار طويل من الكفاح، والنضال، والتضحيات، قاده الجيش الليبي، فمن برقة "المرج الي الرجمة الي بنغازي ودرنة" الي فزان ثم الي طرابلس، بخطوات ثابتة تصل القوات المسلحة الليبية الي أسوار وبوابات مدينة طرابلس، وعلي بعد أمتار معدودة ننتظر الحزم. 

لقد خسرت الكثير من الدول الداعمة للرئاسي موقفها ومصالحها في مواجهة الإرادة الوطنية، وأصبحت تبحث من خلال البوصلة الأممية عن حلول خارج دوائر منهارة، حيث تحاول إيطاليا تحديدا أن تجد مخرجاً قانونياً وشرعياً لأزمتها وخسران رهانها ودفاعها عن المجلس الرئاسي وحكومته بعدما فات قطار فرنسا ليصل الي أهداف أكثر ملائمة ودقة لوضع نقاط المستقبل تأييداً ودعماً للقوة والشرعية الوطنية المتمثلة في مجلس النواب الليبي وقيادة جيشه. 

وفي ظل الإنتكاسات المتتالية، والأحداث المتسارعة لبسط السيطرة علي طرابلس، مع الإنهيار شبه الكامل لمؤسسات مسلحة مدعومة بإرادة الوفاق، يتوجه المجلس الرئاسي وحكومته -بعد أن فقد الدعم من دول الغرب وتحديداً إيطاليا-، متجهاً لشراكات أمنية وعسكرية مع تركيا، حيث منح هذا الاتفاق فرصة حيوية ناعمة وصفقة استراتيجية للأخيرة والتي تسعي لتحقيق التفوق العسكري من ناحية، ومن ناحية أخري، تعيد تمركزها لرسم خرائط المستقبل الجيو-فضائي عبر منظومات الدفاع الجوي s400 الروسية وهي خطوة من خطوات الحفاظ علي السيادة الجوية لعدم ثقة تركيا في مستقبل "الناتو"، وحرصها علي الإستقلالية من التحالفات الأوربية-الأمريكية او الضغط عليها، كما يضع الاتفاق المشار اليه سالفاً "التركي-المجلس الرئاسي" وبعمق بحري لتصل تلك القوة الي منظومة موسعة للتوازن الروسي-التركي ضد المنظومات الأمريكية "باتريوت وناث" وهو ما يعزز القدرات الدفاعية والإستخباراتية علي الحدود الجنوبية الشرقية لأوروبا، وجنوب المتوسط   ليشمل دولاً عديدة ومنها اليونان وقبرص ومصر وليبيا. 

وتأسيساً لهذا المدخل، نستطيع أن نحدد ملامح "برلين" بأنها لن تكون فاعلة ومؤثرة وسط تلك المعارك الصامتة، فالصراع اليوم أصبح يتجه لأطراف أساسية رباعية "الجيش الليبي، تركيا، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية"، لتصبح دول الإتحاد الأوربي خارج تلك الدوائر بل ستسير وفق الإتفاقات التي تقودها المحاور الأربع. 


تقديري واحترامي

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة