عبد الستار العايدي

لا يزال الجدل متواصلا خلال الحملة الدعائية للإستفتاء حول التغييرات أو التحويرات التي قام بها قيس سعيّد بعد صدور النسخة الثانية للدستور الجديد مشروع الاستفتاء يوم 25 جويلية 2022 بين من يعتبرها قد مست الأصل وآخر يعتبرها شكلية لا غير، دستور جديد لم يمنع عنه "صلح الحديبية" الذي تم بمباركة الجزائر بين قيس سعيّد والطبوبي أن يلقى رفضا علنيا بنسبة كبيرة مسّت الطيف السياسي ومكونات المجتمع المدني من منظمات وجمعيات يوازيه قبول لهذه النسخة يتخلله تحفظات على مضامين عدد من الفصول، فيما يعتبر البعض  الآخر أن هذه النسخة ليست إلا طريقا تم تنميقه نحو إرساء "نظام رئاسوي" عوض النظام الرئاسي الديكتاتوري الذي جاءت به المسودة الأولى من الدستور، هذا إلى جانب ما تشهده حملة الدعاية للإستفتاء من خروقات واضحة لفصول القانون الانتخابي.

بعد نشر المسودة الثانية من الدستور وانتهاءا بالاتهام الذي وجهته إحدى المنظمات الرقابية التونسية "أنا يقظ" لهيئة الانتخابات حول عدم نزاهتها وإستقلاليتها في التعامل مع المشاركين في حملة الدعاية للإستفتاء حيث لم تقبل عددا ممن قاموا بتغيير مواقفهم إلى المعارضة ولم تسمح إلا لمن أكّد مساندته مرة أخرى بعد تنقيح الدستور، ممارسات تؤكد أن هيئة الانتخابات تعمل على زيادة مناصري قيس سعيّد وليس الحفاظ على تكافؤ الفرص بين المشاركين في هذه الحملة الدعائية، يضاف إلى ذلك ما اعتبرته بعض المنظمات الأخرى   من أن هذا الدستور ليس إلا حجر أساس لبناء نظام سياسي شبه فردي، كذلك تجاوزات للفصل 52 من القانون الانتخابي بالسماح لوزير من الحكومة ، وزير الرياضة، بالحديث عن مزايا هذا الدستور واستعداد وزارته لفتح دور الشباب أمام نشطاء حملة الاستفتاء، المساندين طبعا" يوازي ذلك رفض أصحاب الفضاءات الخاصة لتخصيص هذه الفضاءات للنشطاء المعارضين تحت ضغط السلط الجهوية، في حين تتغاضى هيئة الانتخابات عن الخروقات التي تتعلق باحكام الفصل 61 من القانون الانتخابي   باستعمال علم الجمهورية للدعاية رغم إقرارها رفض ذلك. 

تجاوزات قد تكون ذات أثر ضعيف يضاف إلى أثر التحفظات المستمرة من قبل عدد كبير من المساندين حول الاخلالات التي تعلّقت بفصول من النسخة الثانية من مسودة الدستور، هذه التحفظات التي فتحت الطريق أمامهم للسماح للأتباع ومنخرطي الأحزاب والمنظمات بحرية التصويت وقبول هذه النسخة أو رفضها يوم الاستفتاء، مما سيعود بالأثر السلبي على شعبية هذا الدستور، فالتغييرات التي طرأت على النسخة الثانية من الدستور لم تحاول ولو جديا المساس بصلاحيات رئيس الجمهورية شبه المطلقة التي جاءت بها النسخة الأولى والتي وصفها أحد السياسيين المساندين بأنها من صياغة مجموعة غير معروفة من المختصين في القانون الدستوري داخل غرف مغلقة ولا تمتّ بصلة لما تم التشاور حوله ضمن اللجان الاستشارية، وأن عبارات "الديمقراطية" أو "في ظلّ نظام ديمقراطي" المضافة هي "عبارات محايدة وفضفاضة ولا تبدّد المخاوف من جعل العامل الديني عنصرا من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة وتوظيفه في البناء المجتمعي" كما وصفها بيان الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لازال مترددا في قبول الدستور برمّته والمسار السياسي عموما رغم عقد الصلح المؤقت بينه وبين قصر قرطاج.

بين فضح خروقات الحملة الدعائية للاستفتاء والاخلالات التي تشوب فصول الدستور الجديد، يشهد الشعب التونسي بجميع فئاته حيرة بين الموافقة على إتباع المسار السياسي الجديد رغم الهنات والأخطاء وذلك لفض العقبات أمام طريق الخلاص من الازمة الاقتصادية وتحقيق ولو جزء يسير من المطالب الاجتماعية أو رفض هذا الدستور والعودة للمربع الأول، مربع الجدل حول المسار الديمقراطي وعدم السماح بتأسيس نظام سياسي ديكتاتوري مما سيفرض التغاضي عن الحلول الناجعة والسريعة للأزمة الاقتصادية، هذه الحيرة قد تكون اللبنة الأولى لإصرار قيس سعيّد على تمرير هذه النسخة من الدستور ولو بنسبة مشاركة ضئيلة خاصة وأن الاستشارة الالكترونية قد تم إعتمادها رغم عدد المشاركين غير المقنع، فنجاح هذه النسخة في أن ترى الضوء هي السبيل الوحيد أمام سعيّد لفض تقاطع الوضع السياسي المشوّه والأزمة الاقتصادية التي تعلّقت حلولها بما ستراه المجموعة الدولية مستقبلا في ما يخصّ مدى جدّية تفاصيل المسار الديمقراطي الجديد الذي رسمه، ضبابية المشهد عموما أمام الشعب وضبابية نتيجة الاستفتاء قد تفتح الباب أمام تأويلات عديدة أولها عودة للنظام السياسي ما قبل الثورة بوجه آخر وقد أزيح عنه ما علق به من تراكمات للسياسات الفاشلة وما دفعه ثمنا لأخطاءه خلال السنوات العشر بعد الثورة لتكون صورة المشهد بلونيها الأبيض والأسود، مساندين ومعارضين ولا وجود لمنطقة الحياد بينهما.

قد تكون الإجراءات الاستثنائية قد نجحت في سحب البساط من تحت الإسلام السياسي في تونس ولكن ما يحدث اليوم قد يكون إحدى السبل لعودته وحاشيته من النوافذ الصغيرة خاصة في ظل ما يخسره قيس سعيد ومسانديه من نقاط داخل حلبة المعارك السياسية ومن أعداد المناصرين المستقلين، وذلك نتيجة حتمية لفرض سياسة الأمر الواقع على الطيف السياسي بأكمله وعلى عامة الشعب، هذه السياسة التي قد تكون العبوة الناسفة في وسط الطريق نحو النظام الرئاسوي حسب ما تؤسس له النسخة الجديدة من الدستور.