حميد زناز 

أصبح واضحا أن شغف الجزائريين بكرة القدم وخاصة بمباريات فريقهم الوطني لم يعد مجرد بحث عن تسلية بل هو ضرب من ضروب البحث عن شفافية مفقودة في حياتهم اليومية، السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد انتبه النظام لهذا الخواء الوجودي فاستغل فوز الفريق الوطني في أية مباراة كوسيلة لمحاولة صرف الجزائريين عن حاجاتهم الحقيقية وإغراقهم أكثر فأكثر في وهم انتصارات وإنجازات افتراضية.

لقد حاول النظام وقد نجح في كثير من المناسبات الكروية إلى تحويل قطاعات كبيرة من الجزائريين إلى كتلة جماهيرية وخلق الفرد الجماهيري، الراضي بالأمر الواقع، المجرد من ملكة النقد، الجزائري الذي يكون ضحية للمغالطات والتضليل الدائم. تعمل السلطات عن طريق الاستثمار في فوز الفريق الوطني لكرة القدم على تنويم الناس بزرع الأوهام عن طريق إعلامها المدجن المهلل للأرجل الكروية صباح مساء والمتجاهل المتمادي للقضايا الجوهرية في البلد. من لا يعرف أوضاع كرة القدم المزرية في الجزائر قد تخدعه نتائج المنتخب الوطني الأول الفائز بكأس إفريقيا الأخيرة سنة 2019 وكأس العرب التي فاز بها المنتخب الثاني والملقب بالمنتخب المحلي في حين أن أغلبية لاعبيه الساحقة تنشط خارج الديار، في تونس وقطر والسعودية حيث وجد الشبان الجزائريون المناخ الرياضي اللائق الذي ساعدهم على إبراز مواهبهم وهو ما افتقدوه في بلدهم الأصلي.

في الحقيقة الفريق الوطني الجزائري هو الشجرة التي تغطي غابة الكرة الجزائرية الميتة التي ورغم توفر العجينة الكروية الطبيعية في كثير من الشبان الجزائريين، لم تعد تكوّن لاعبين قادرين على حمل الألوان الوطنية بسبب إهمال المسؤولين للتكوين وعجزهم عن تنظيم بطولات محترمة واعتمادهم على ما تجود به المدرسة الفرنسية من أبناء المهاجرين إلى درجة أصبح يطلق على الفريق الوطني الجزائري في الصحف العالمية " فريق فرنسا ب". فمثلما نستورد المواد الاستهلاكية نستورد لاعبي كرة القدم. فمن المغالطات الكبرى القول بأن الفريق الوطني الجزائري يمثل الكرة الجزائرية ومن التضليل اعتبار انتصاراته تعبير عن تطور لعبة كرة القدم في الجزائر أو غيرها من الرياضات، ففي الالعاب الأولمبية الماضية بطوكيو لم تتحصل الجزائر على أية ميدالية ولو برونزية رغم مشاركتها بوفد يتكون من 44 رياضيا ورياضية شاركوا في 14 رياضة

لا يوجد ملعب واحد بمواصفات عالمية في الجزائر، بطلة إفريقيا والعرب!  ويجمع كل الاختصاصيين منذ سنوات أنه لو طبقت القوانين بصرامة لتمّ غلق كل الملاعب الجزائرية بلا استثناء لعدم استجابتها للشروط المنصوص عليها قانونا لأنها ببساطة غير قادرة على توفير أدنى شروط الأمن  للاعبين وللحكام وللجمهور .أما عن  المستطيل الأخضر  فلقد فقد لونه في الجزائر منذ زمن و قد هدد الناخب الوطني جمال بلماضي  بعدم  إجراء مقابلات الفريق الوطني في الجزائر  بسبب عدم صلاحية أرضية الملاعب في البلد و قد لعب  مباراته الرسمية الأخيرة ضد بوركينا فاصو فوق أرضية ملعب تشاكر التي كانت بركة ماء حقيقية لا تصلح سوى لزرع البطاطس المفقودة في السوق الجزائرية

وليس من الغريب أن تفشل الجزائر في الحصول على شرف تنظيم كأس إفريقيا ولا أية دورة دولية في كرة القدم. ولئن تحصلت على تنظيم دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط القادمة في مدينة وهران فإن الشكوك لاتزال تدور حول امكانية إجرائها في الوقت المحدد نظرا لتأخر الأشغال في الملاعب والقاعات الرياضية ومراكز الاستقبال وقد طرحت المشكلة حتى في مجلس الوزراء

لقد فشلت الفيديرالية الجزائرية لكرة القدم في تنظيم دوري محلي محترم إذ وصلت الأمور إلى مستوى مخيف من العنف والتلاعب بالنتائج. أصبح رؤساء النوادي في السنوات الأخيرة يتحدثون عن بيع وشراء المقابلات على شاشات القنوات التلفزية والجرائد. "كنا أسياد افريقيا واليوم نحن أسياد العرب"، هكذا يتبجح رئيس الفيديرالية الجزائرية لكرة القدم الذي نصب على راس كرة القدم الجزائرية عبر انتخابات مزورة. وأخطر ما تحاول الدعاية غرسه من مغالطات في أذهان الجزائريين عبر هؤلاء الاشخاص هو محاولة إقناعهم بأن بلدهم هو أحسن البلدان الإفريقية وأقواها لأنه بطل إفريقيا في كرة القدم وأنه أفضل البلدان العربية لأنه بطل العرب في حين يكفي عقد مقارنات بسيطة بين الجزائر وبعض البلدان لنعرف بأن الفوز ببطولة كروية لا يعني الشيء الكثير ولا يرمز إلى أي تفوق اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو رياضي. وبغض النظر عن الأزمات المتفاقمة في أغلب القطاعات في الجزائر، أظهر التلفزيون الجزائري تخلفا تقنيا رهيبا وإخراجا مثيرا للشفقة وهو ينقل عودة الفريق الوطني من قطر، جعله مثار سخرية وتندّر في وسائل التواصل الاجتماعي. صور رديئة كأنها آتية من كاميرات المراقبة أفسدت العرس بالنسبة للجمهور الرياضي وأخلطت أوراق السلطة إذ أعادت ذلك الجمهور إلى واقعه المر فأشهر بطاقة حمراء في وجهها

و "ما ينفع غير الصح"، كما يقول الجزائريون، فالشرعية تأتي عن طريق صناديق الاقتراع وليس عن طريق ضربات الجزاء أو الضربات الحرة المباشرة أو غير المباشرة! هل يحق للجزائريين الاحتفال بكأس تابع فيها أكثر من 300 معتقل رأي مقابلات فريقهم الوطني خلف القضبان ؟