إن القرارات الإقتصادية والمالية ذات أثر كبير وشامل في المجتمع، ولذلك تسعى الحكومات أن تكون قراراتها المتعلقة بالمال والإقتصاد مدروسة بعناية فائقة، وتحاول الدول في سبيل ذلك الإستعانة بالخبراء المتخصصين محليا ودوليا، لضمان قدر كبير من نجاعة تلك القرارات ونجاحها في تحقيق اهدافها، بدرجة متوازنة من حيث التأثيرعلى معيشة المواطنين، كما تضع الحكومات نصب اعينها مسألة الإستئناس بتجارب الدول الأخرى في هذا السياق، واني من باب التفاؤل افترض أن المصرف المركزي والحكومة الليبية، قد راعوا كل هذه الاعتبارات في اتخاذهم قرار تخفيض قيمة الدينار الليبي، من دولار واحد يعادل 1.4 دينار الى دولار واحد يعادل 4.48 دينارليبي.

وحيث أن القرار قد صدر فعلا عن المصرف المركزي، فطبيعي أنه قد صدرت المخاطبات التي تخص الجهات المالية والإقتصادية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي وكبريات المصارف العالمية للتعامل مع القيمة الجديدة للدينار الليبي في الأسواق والمصارف العالمية، اعتبارا من 3 يناير 2021م، وهذا يعني أن الأمر اصبح واقعا يستوجب ان الحكومة الليبية قد استعدت له، واتخذت جملة من الإجراءات والقرارات التي تشكل حزمة واحدة من التدابير المالية والاقتصادية المصاحبة، وفق خطة عمل مدروسة ومحددة الأهداف والخطوات زمنيا واجرائيا.

إن من أهم التدابير المالية والإقتصادية التي ينبغي التركيز عليها ووضعها في عين الإعتبار تتمثل فيما يلي:-

  1. توفير القدر الكافي من العملة الدولية "دولار- يورو" في المصارف الليبية بحيث لا يسمح مطلقا بتجاوز حجم الطلب المعروض منها واستمرارية ذلك دون انقطاع
  2. مراقبة اسعارالمواد والسلع ووضع تسعيرة متحركة لكل المواد والسلع في السوق الليبي من خلال وزارة الإقتصاد
  3. وضع آلية مالية اجرائية واضحة للتعامل مع السلع المدعومة حاليا مثل المحروقات وبعض السلع الاستهلاكية الاساسية والأدوية وغيرها.
  4. زيادة مرتبات القطاع العام بنسبة تحافظ على عدم انهيار القدرات الشرائية للمواطنين وتساهم في امتصاص هامش التخفيض المنعكس بالزيادة في اسعار بعض المواد والسلع الاساسية والخدمات
  5. الإسراع في اصدار قانون عام للمرتبات في القطاع العام يلغي كل التشوهات التي حدثت مؤخرا والمتمثلة في وجود جداول خاصة للمرتبات لبعض الجهات العامة بما يساهم في تقليل الفجوة بين مرتبات العاملين في القطاع العام وفقا لمعايير الدرجات الوظيفية والأقدمية.
  6. وحيث أن ليبيا تعتمد على حوالي 95% من مواردها على بيع النفط، ما يعني توفر العملات الأجنبية القوية مثل الدولار واليورو في المصرف المركزي فإن أمر التعديل في سعر الدينار مقابل تلك العملات يجب ان يبقى قائما وهناك امكانية لرفع قيمته تدريجيا حتى الوصول الى سعر عادل ارى انه لا يتجاوز دولار واحد لدينارين 

وبالنظر الى جملة هذه الإعتبارات والتدابير المقترحة، فإني أشدد على ضرورة الإلتزام الصارم بها ودون ادنى تقاعس والحرص على تنفيذها كحزمة اجرائية واحدة ، حتى يمكن القول بأنه ستحدث معالجات ايجابية للإقتصاد الليبي وستنعكس ايجابا على حياة الليبيين ومعيشتهم وإن صاحب ذلك بعض التقشف والشدة التي يفترض ان تكون محدودة بزمن معين ، وأما اذا ما اخفقت الحكومة في تنفيذ هذه الإجراءات بعضها او كلها فإن الوضع من وجهة نظري سيتعقد أكثر وستتشكل سوق موازية جديدة لسعر الدينار اكثر مما هو موجود الآن، ما سيجعل الدينار الليبي يتهاوى الى مستويات غير مسبوقة، وسيقع التشوه الكبير الذي سيؤثر سلبا ويقوة على حياة ومعيشة الليبيين، ويصعب عندئذ معالجة الأمر وقد تفتقد السيطرة على ذلك وتتجه الدولة الى الإنهيار والإفلاس، إنها مرحلة حاسمة في حياة الليبيين فإما انتعاش واستقرار وإما انهيار وإفلاس.


د عبيد أحمد الرقيق

[email protected]


الآراء المنشورة ملزمة للكاتب  ولا تعبر عن سياسة البوابة