مصطفى حفيظ

مرّت انتخابات البرلمان في الجزائر بهدوء تماما كما أرادتها السلطة، فلم تكن تهمّها نسبة المشاركة بقدر سيرها الحسن دون تجاوزات أو مشاكل بسبب دعاة المقاطعة، وجاءت النتائج الرسمية المؤقتة لتؤكد بأن حزبا السلطة باقيان برغم اقتران اسميهما بما عرف بالعصابة (نظام الرئيس السابق بوتفليقة)، وارتسمت بذلك خارطة سياسية جديدة في البلاد تقودها أربعة أحزاب وطرف خامس سجّل حضوره بقوّة لأول مرة وهم المستقلّون، أما المعارضة الفعلية فستكون في الشارع عن طريق "الحراك الشعبي" ودليل ذلك مقاطعة 19 مليون ناخب لهذا الاستحقاق، ما يوحي باتّساع الهوّة بين الشعب والسلطة.

والسؤال الملّح هو هل ستتشكل الحكومة من هذا البرلمان أم أن للسلطة حسابات أخرى؟

لم تكن نتائج هذه الانتخابات التي جرت يوم 12 يونيو الجاري مفاجئة، أو بعبارة أخرى، كانت إلى حدّ ما منتظرة، فحزب كحزب جبهة التحرير الوطني (الأفالان) جاء في المركز لأول لكن دون أغلبية ساحقة، ب 105 مقاعد، وجاء حليفه السابق في التحالف الرئاسي الأرندي في المركز الرابع ب 57 مقعدا، وبذلك يرتسم مشهد سياسي لطالما تكرّس في العشريتين الأخيرتين، وهو استمرار حزبا السلطة في اكتساح الساحة برغم رفضهما من طرف ملايين الجزائريين الذين عبّروا عن ذلك في مسيرات "الحراك الشعبي"، فقد اقترن اسمهما بالنظام السابق (العصابة بلغة الحراك)، وحصولهما على مقاعد في البرلمان الجديد يؤكد استمرار رائحة ذلك النظام بشكل ما، وقد يزيد من عزلة السلطة عن الشعب ظهور أسماء من هذين الحزبين في الحكومة المقبلة، ونفس الشيء بالنسبة لحركة حمس التي احتلت المركز الثالث ب 64 مقعدا، وهو نفس المركز الذي حصلت عليه في تشريعيات 2017، برغم أن هذا الحزب ذو التوجّه الإسلامي لم يكن حزبا للسلطة إلا أنّ أطماعه بلغت أوجّها في الحملة الانتخابية الأخيرة لدرجة إعلانه فوزه قبل الأوان وتحدث عن تشكيله وقيادة الحكومة، ما يعطي الانطباع بأن الإسلاميين وإن لم يدخلوا متحالفين كما في السابق، قد تلقوّا إشارات أو ضمانات من طرف السلطة للمشاركة في الحكومة لاعتبارات سياسية واستراتيجية يكون الرئيس تبّون عبّر عنها بشكل غير مباشر في تصريحات إعلامية لوسيلة اعلام فرنسية (لوبوان) وأخرى عربية ( قناة الجزيرة)، أي أنّ حضور الإسلام السياسي في الحكومة مرحبّ به من طرف الرئيس بما أنّه أثنى على تجربة الإسلاميين في تركيا على وجه الخصوص، لكن هل ستحظى حمس بحقائب وزارية أم أن غضب السلطة الوطنية للانتخابات عليها واتهامها بمحاولة اثارة الفوضى سيقلل من تلك الفرصة، ويفسح الطريق لنظيرتها المنشقة عنها حركة البناء وهي الحزب الإسلامي الثاني الذي حصل على 40 مقعدا في البرلمان الجديد دون تحالفات، ومعروف على حركة البناء قربها من السلطة، وهناك احتمال قوّي أن يتم اشراكها في الحكومة، فعلاقتها بالإخوان المسلمين في تركيا قوّية مثلها مثل حركة حمس، لكن الأكثر تمثيلا للإخوان هي حركة البناء، لذلك قد يستخدمها تبون كما قد يستخدم حمس لتعزيز العلاقات مع تركيا، اذا علمنا أن الجزائر تتجه بقوّة نحو محور الشرق لفتح آفاق اقتصادية جديدة بعيدا عن فرنسا والاتحاد الأوروبي، وما حوار الرئيس لقناة الجزيرة التي ليس لها مكتب بالجزائر، إلا دليل هذا التوجّه الجديد

ولعل المفاجأة الوحيدة في هذه الانتخابات هي المستقلّين الذين حلّوا في المركز الثاني ب 78 مقعد، وقد يشفع لتشكيلة البرلمان الجديدة أنّ أغلبية النّواب من الشباب الحاصل على شهادات جامعية، ومعظمهم من المترشحين الأحرار، ودون شك ستأخذ السلطة هذا المتغيّر بعين الاعتبار عن تشكيل الحكومة. والملاحظ أيضا على نتائج الانتخابات أنّ جبهة المستقبل، وهي حزب فتّي في تجربته السياسية برغم خبرة رئيسه بلعيد عبد العزيز الذي كان في حزب جبهة التحرير قبل تأسيسه لحزبه، أكدت حضورها كلاعب أساسي في المشهد السياسي الجديد، حيث حلّت في المركز الخامس ب 48 مقعد في البرلمان الجديد، وجاءت بعدها حركة البناء الوني ب 40 مقعد، وكما يبدو، فإن هذه التشكيلات السياسية الخمسة زيادة على المستقلّين سيتكون الأطراف الفاعلة والمهمّة سواء في الدور الذي سيضطلع به البرلمان الجديد أو في تشكيلة الحكومة المقبلة. وما يلاحظ على هذه النتائج أيضا هو حصول سبعة أحزاب على ثلاثة إلى مقعد واحد وهي كل من حزب صوت الشعب الذي تأسس بعد الحراك الشعبي (03)، حزب الحكم الراشد (03)، حزب العدالة والتنمية (02) وجبهة العدالة والتنمية (02)، وكل هذه الأحزاب توصف بالمجهرية لأنها لا تملك قواعد نضالية، ويقتصر حضورها في المواعيد الانتخابية فقط، وهي بذلك دون تأثير في البرلمان، باستثناء جبهة العدالة والتنمية وهي الحزب الإسلامي الوحيد المعروف بمعارضته الشرسة للسلطة عكس الأحزاب الإسلامية الأخرى التي تعارض السلطة تارة وتهادن تارة أخرى، أبرزها حركة حمس، والخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب جيل جديد الذي حصل على مقعد واحد فقط، رفقة حزب الكرامة (حزب كان من بين الأحزاب المساندة للرئيس الأسبق بوتفليقة)، إذن فحزب جيل جديد الذي يقوده المعارض والناشط السياسي جيلالي سفيان، دخل الانتخابات كقوّة سياسية من مثقّفين يمثّلون الحراك بشكل ما، لكن حصوله على مقعد واحد في البرلمان اعتبر انتكاسة كبيرة للحزب. وكشفت هذه الانتخابات أيضا تراجع حصّة المرأة في البرلمان، حيث لم تنل المرأة سوى 34 مقعدا فقط من أصل 407 مقعد، أي بنسبة 8 بالمئة من عدد المقاعد، بينما في 2017 كان فاق عدد المقاعد التي حصلت عليها النساء 100 مقعد.

المقاطعة تعزل السلطة عن الشعب

حسب الأرقام التي أعلنت عنها السلطة الوطنية للانتخابات بعد 72 ساعة من عمليات الفرز، فإنّ نسبة المشاركة كانت 23.03 بالمئة، بينما كانت النسبة 37.09 بالمئة في انتخابات 2017، وهذا يؤكد ارتفاع حجم العزوف الانتخابي بين الفترتين، فالمقاطعة في 2017 كانت الحل الوحيد لرفض الانتخابات في عهد الرئيس بوتفليقة، بينما المقاطعة الآن تعني استمرار الحراك الشعبي وأن الشعب لم يقتنع بالانتخابات، أو بتعبير أدق، لم تستطع السلطة أن تقنع الشعب بجدوى الانتخابات كوسيلة للتغيير، ويمكن ملاحظة اتساع حجم الهوّة بين السلطة والشعب (الناخبين) من خلال عدد الناخبين المسجلين وعدد المصوّتين، فالهيئة الناخبة تقدّر بـ  171 425 24 ناخب، منهم  322 522 23 ناخب داخل الجزائر و900865 ناخب في الخارج، لكن عدد المصوتين هو  324 625 5 ناخب، منهم  242 42 ناخب خارج الوطن، إذن كما هو واضح فإنّ المقاطعين تجاوز 19 مليون ناخب، أي أن قرابة 20 مليون جزائري عارضوا هذه الانتخابات سواء في منطقة القبائل أو في أي منطقة أخرى، وكذلك الحال بالنسبة لأفراد الجالية الجزائرية في الخارج، فقد كانت نسبة المقاطعة كبيرة ما يوحي باستمرار الغضب الشعبي على النظام الحاكم، ويمكن قراءة هذه النتيجة بأنها عزل للسلطة عن الشعب، فبرلمان انتخبه أقل من خمسة ملايين جزائري تبقى مصداقيته وشرعيته على المحكّ، فكيف إذا انبثقت منه حكومة جديدة؟ بالنتيجة، زادت هذه الانتخابات من إصرار "الحراك" على الاستمرار، خاصة في منطقة مشحونة بالرفض لكل ما يمثل السلطة، كمنطقة القبائل، والآن مه انكشاف نتائج الانتخابات، تكون الأحزاب الليبيرالية التي قاطعت، غرار جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية وحزب العمال والحركة الديمقراطية والاجتماعية قد اختارت طريقها وهو معارضة الشارع، أي أن المعارضة التي ستزعج السلطة والبرلمان معا هي التي يمارسها الشارع، وبذلك تكون هذه الأحزاب قد نالت شعبية أكبر بسبب مواقفها الداعمة للحراك.

كيف سيكون شكل الحكومة؟

لا يمكن حتى الآن معرفة كيف ستكون الحكومة التي سيعلن عنها الرئيس بعد اختياره للوزير الأول، هل سيبقى على الوزير الأول الحالي عبد العزيز جرّاد، ويعيّن وزراء من داخل البرلمان، أم إنّ هوّية الحكومة الجديدة ستكون مفاجئة مثلما رجّح بعض المتابعين للشأن السياسي في الجزائر، ومهما يكن، فإن للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون حسابات يكون قد رتّبها بحسب الأولوية، فهو مثلما صرّح ضمنيا، ليس له مانع من العمل مع أحزاب الإسلام السياسي إن كانت تعمل بنفس طريقة الإسلاميين في تركيا وتونس، فكان قد أبدى اعجابه بالتجربة التركية، وعند ذكر تركيا يحضر اسم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية التركي، وهو حزب إسلامي معروف استطاع الوصول إلى الحكم في تركيا والبقاء فيها لأكثر من عشر سنوات، أي من 2007 إلى اليوم. ومن هذا نفهم بأنّ تبّون سيعطي الإسلاميين في الجزائر لنقل مهمّة خاصة بحكم قربهم من الإسلاميين في تركيا، أي أن حصول حمس أو حركة البناء على حقائب وزارية سيكون من هذا الباب، لأن الجزائر تريد مزيدا من الاستثمارات التركيا هنا، وثاني حساب يكون تبّون حسبه هو تعزيز العلاقات مع قطر خاصة الاقتصادية، ولعل حواره للجزيرة القطرية يدخل في هذا الباب، إذن، من الصعب استبعاد الإسلاميين في الحكومة، قد تعاقب السلطة حمس على اثارتها للفوضى اثناء الانتخابات، لكن حركة البناء قد يكون لها نصيب وافر من الوزارات، مثلها مثل الأفالان والأرندي، أو ربما قد يحظى الأحرار ببعض المناصب، وفي انتظار ذلك، تبقى رهانات اقتصادية واجتماعية ودبلوماسية أكبر التحدّيات التي تنتظر الحكومة المقبلة.