برهان هلّاك

شارك الرئيس التونسي قيس سعيّد يومي الخميس والجمعة 17 و18 فيفري في قمّة الاتحاد الأوروبي ـ الاتحاد الإفريقي في بروكسيل، لتكون تلك أوّل زيارة رسمية له خارج البلاد منذ إعلانه عن اتّخاذ التدابير الاستثنائية في 25 جويلية 2021. وشمل برنامج زيارة قيس سعيّد المشاركة في فعاليّات القمة، بالإضافة إلى إجراء سلسلة من اللقاءات مع عدد من قادة الدول الأوروبية والإفريقية وكبار المسؤولين في كلّ من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بحسب ما جاء في نص البيان الذي أصدرته رئاسة الجمهورية التونسية. وقد أثارت هذه المشاركة في أشغال القمة السادسة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي نقاشا كبيرا تعلّق أحيانا بفحواها وما يمكن أن ينتج عنها باعتبار الدوافع التي جعلت من مشاركة الرئيس شخصيا أمرا لا بُدّ منه.

يقول الصحفي وليد التليلي  أنه من الواضح من خلال أغلب التعليقات أن قيس سعيّد كان في حاجة إلى ما أسماه بجرعة أوكسجين دولية تكسر حالة الاختناق التي تسببت فيها عزلته الدبلوماسية التي طالت كثيرا. ولذلك فقد كان حضوره شخصيا، عوض تفويض رئيسة الحكومة أو وزير خارجيته للقيام بهذه الزيارة، بمثابة حرص منه للتصعيد عن بعض الضغط المسلط عليه في الآونة الأخيرة؛ يدرك الرئيس التونسي أنه بحاجة ماسة إلى توظيف مجهود كبير في مسار إقناع شركاء تونس المعتادين ببرنامجه في الحكم ومدى جديته في ما يتعلق بالتدابير التي أقرّها. وبالتالي فإن حضوره أساسي لدحض ما يعتبره افتراءً وتهما باطلة ينشرها المعارضون لما قام به.

وأما الضغوطات الخارجية على قيس سعيد فتتمثل في المحاولات الدولية لدفع الرئيس التونسي إلى وضع سقف زمني واضح للإجراءات الاستثنائية، والتي انطلقت منذ شهر سبتمبر 2021. ليتفاعل معها الرئيس إثر ذلك بإعلانه عن عزمه تغيير دستور البلاد الذي يعتبره سببا رئيسا في الأزمة السياسية التي تعيشها تونس. وهو ما خلق مزيدا من الضغوط الأخرى المتعلقة بمدى منهجية وقانونية ما يعتزم القيام به، ليتم التعبير عن ذلك في بيان مشترك لسفراء دول الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان وإيطاليا وكندا ووفد الاتحاد الأوروبي بتونس، حيث أكدوا جميعهم على أن عودة عمل البرلمان سيساعد على ضمان دعم واسع النطاق ودائم لتقدّم تونس.

وتأتي المساعي الحقوقية العالمية كداعم لهذه الضغوطات الخارجية، إذ ندّدت منظمة هيومان رايتس ووتش في أواخر ديسمبر 2021 بما أسمته "ارتفاعا مقلقا في عدد الملاحقات القانونية في تونس" والتي اعتبرت أنها تتمّ بناء على قوانين "قمعية" ضد الأصوات المنتقدة لقرارات الرئيس قيس سعيد. وقد اعتبرت مثل هذه الممارسات بمثابة "خطر وتهديد جسيم" يتربّص بالحريات الفردية والعامة. وقالت المنظمة في بيان ورد على موقعها الرسمي في نفس الفترة أنّ "السّلطات التونسيّة تحاكم المواطنين أمام المحاكم العسكريّة والمدنيّة وتسجنهم بسبب انتقادات عامّة للرئيس قيس سعيّد ومسؤولين آخرين "، في إشارة إلى أوامر الإقامة الجبرية وإحالة بعد أعضاء البرلمان على القضاء أواخر سنة 2021. كما نددت عدة منظمات محلية وإقليمية بما أسموه "تدجينا للإعلام لفرض ديكتاتورية قمعية "، وذلك على إثر إعلان رئاسة الجمهورية التونسية في بيان أن الرئيس قيس سعيد قرر إعفاء الرئيس المؤقت للإذاعة التونسية، شكري الشنيتي، وهو ما نُظِر إليه بوصفه تدخلا في تسيير الشأن الإعلامي بما يتوافق و "أهواء" الرئيس.

ويبقى حلّ المجلس الأعلى للقضاء الخطوة التي عرضت الرئيس سعيد إلى سعير من النيران الدولية المصوبة نحو نواياه وطريقة حكمه؛  فبعد أن اعتبر أن هذا المجلس أصبح من الماضي بسبب الفساد الذي أصبح منتشراً داخل المنظومة القضائية، أصدرت مؤسسة الرئاسة على صفحتها الرسمية بموقع “فيسبوك” مرسوماً بتاريخ 12 فبراير 2022 يقضي بحل المجلس الأعلى للقضاء وإنشاء مجلس آخر مؤقت. وقد أبدت واشنطن "قلقها العميق" إزاء حل الرئيس التونسي للمجلس الأعلى للقضاء وإغلاق مقر هذه الهيئة الدستورية، في ما قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركي، نيد برايس، أنّ القضاء المستقلّ عنصر حيوي لديمقراطية فعّالة وشفّافة، ومن الضروري أن تحافظ الحكومة التونسية على التزاماتها باحترام استقلال القضاء وفقاً لدستور البلاد". وأعرب مسؤول السياسة الخارجية في الاتّحاد الأوروبي، جوزيف بوريل عن "قلقه" غداة قرار الرئيس التونسي، مشدّداً في ذلك على "أهمية استقلال القضاء". وقالت نبيلة مصرالي، المتحدّثة باسم جوزيف بوريل، أنهم بصدد المتابعة التي يشوبها القلق لتطوّر الأوضاع في تونس، بما في ذلك ما أعلنه رئيس الجمهورية من حلّ المجلس الأعلى للقضاء، مذكرة بأهمية الفصل بين السلطات واستقلال القضاء باعتبارهما "عنصرين أساسيين لديمقراطية البلاد واستقرارها وازدهارها".

إنّ تنامي الخلافات بين رئيس الدولة قيس سعيد والمجلس الأعلى للقضاء في الأشهر الماضية السابقة لحلّه في 6 فيفري الجاري هو أحد الأسباب التي أثارت مثل هذه المخاوف الدولية المتبوعة بمساعي الضغط؛ بدأت هذه الخلافات في التصاعد منذ إعلان المجلس الأعلى للقضاء أنه بمنأى عن الأزمة السياسية التي اندلعت إثر إعلان الرئيس عن التدابير الاستثنائية في 25 جويلية الماضي. وهو ما أدى بالرئيس للاجتماع بعدد من القضاة وتوجيههم نحو التحقيق في مجموعة من القضايا من أبرزها الانتهاكات التي شهدتها الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عام 2019، وتورط بعض المرشحين والأحزاب في الحصول على تمويلات أجنبية. وصوّر ذلك المشهد على أنه إجراء انتقامي من المعارضين السابقين والحاليين، وثأر من مجلس القضاء الرافض الانصياع لدوافع انتقامية مفترضة.

في المقابل، يؤكد وزير الخارجية التونسي، عثمان الجرندي، أن زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد لبروكسيل تجسّد حرصه على تمتين علاقات الشراكة التاريخية التي تجمع تونس بالاتحاد الأوروبي، وضرورة الارتقاء بها إلى مستويات أعلى وفق مناهج متجددة كفيلة بالاستجابة لتطلعات شعوب وشباب ضفّتي البحر الأبيض المتوسّط. في ما أكد الرئيس قيس سعيد في جل المقابلات التي جمعته بوسائل الإعلام الأوروبية والاجتماعات على هامش جدول أعمال القمة على أن خارطة الطريق التي أعلنها في 13 ديسمبر 2021 وجميع الخطوات التي تلتها تأتي استجابة لتطلعات الشعب التونسي من أجل إرساء نظام سياسي ديمقراطي يعكس إرادته. كما صرّح بأنّ جل التدابير والقرارات المتخذة من قبل مؤسسة رئاسة الجمهورية تتنزّل في إطار ضمان عيش كريم للشعب في ظل مؤسسات دولة عادلة وقوية.

"أقول مثلما قال الجنرال ديغول ذات يوم، لا يمكنني أن أبدأ مسيرة دكتاتور في هذا العمر"، هذا ما جابه به الرئيس التونسي أسئلة الصحافيين بخصوص اتهامه من طرف معارضيه بالانحراف بالسلطة نحو الدكتاتورية، في تشديد على حقيقة أنه منفتح على كل المحادثات والمفاوضات. إذ يذكّر بأنّه " أستاذ قانون دستوري" وأنه لا يمكنه أن يكون "إلا في صفّ دولة القانون والمؤسسات".

وأضاف قيس سعيد في المقابلات التي جمعته برئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشاز، وبالمستشار النمساوي، كارل نيهامر، أن الدولة التونسية ماضية في طريق الإصلاح في كنف احترام حرية الرأي والتعبير وقيم حقوق الإنسان التي تتقاسمها مع شركائها الأوروبيين. كما حثّ كذلك رئيسة البرلمان الأوروبي، روبيرتا ماتسولا، في لقائه معها على دعم المسار الإصلاحي في تونس ومساندة الجهود الوطنية لتحقيق نمو اقتصادي يسمح بتجاوز مخلفات الأزمة الصحية. وطلب من ماتسولا التسريع في صرف الموارد المالية المتفق عليها وتمويل مشاريع جديدة عبر الصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة.

وتكون إلى ذلك مشاركة الرئيس التونسي في قمة الاتحاد الأوروبي ـ الاتحاد الإفريقي ببروكسيل متنفسا يهدف إلى الإقناع وتبديد ما يعتبره ضبابية تشوب فهم الأوروبيين لمجريات الأمور بالبلاد. كما تُعدُّ خطوة مفهومة ديبلوماسيا على اعتبار تبيان حرص الرئاسة التونسية على صون العلاقات والشراكات مع الجانب الأوروبي في وقت تتنامى فيه الشائعات، بل والتوقعات، بميل محتمل إلى المحاور الصينية والروسية.