فى اخر جلسة من جلسات التحقيق معه . من طرف النائب العام . والتي دامت على مدار جلسات خمس . بفواصل زمنية متباعدة . فاجأه المحقق فى نهاية الاستجواب . متسائلا باستفهام غير صريح . قائلا :- الغريب فى كل ما جرى معك وبك . بان الطائرة التى اقلعت من شرق البلاد متوجهة الى العاصمة . وعلى متنها اربعه وستون راكبا . عادت الى مطار العاصمة بذات العدد اربعة وستون راكبا دون نقصان . رغم احتجازك فى المطار . الذى حطت طائرتك على اطراف مدرجاته البعيدة . بعد تدخلك فى خط مسارها ووجهته شرقا . وانتهيت بها الى ذلك المطار بإحدى جزر شرق المتوسط .
كان تساءل المحقق مضّمر . جاء بصيغة تقريرية غلّفه بالغرابة . تساءل حينها فى ما بين نفسه . لماذا لم يصُغ المحقق . ما قاله فى تساؤل صريح ؟! . هل كان يعرف مسبقا بان استفهامه على نحو صريح . سياتي وكأنّ التساؤل جاء الى المكان الخطاء فى الزمان الخطاء ؟ . فما من علاقة تربط المتهم الذى امامه بالاستفهام . الذى يسعى المحقق الى معالجة وتفكيك تلّغيزه .
ام ان تلك المنظومة . التى يمثلها هذا الرجل القصير المكتنز ذو الوجه العريض . اوحت له بهذا الاستفهام . والّزمته بطرّحه . فذهب الى صياغة تساؤله على هذا النحو المضّمر . ولكن . هل رأت تلك المنظومة في تساؤلها هذا . اداتها المناسبة للوصول الى ما تريد . عبر متابعة وقراءة . وَقْع التساؤل واثره و صداه .على هيئة وكيان المسّتَجوب . علّلها تتمكن من خلاله . التعرّف على ما غاب عنها . من مشاهد لحدث . كانت من وراءه فى كل تفاصيله . فسعت الى محاولة استدعاء واستعادة رسم مسار الحدث وتدرّج خطواته . عبر طرح تساؤلها . الذى جاء على لسان المحقق بن يونس .
ام ان التساؤل المضّمر . فرضه الضرف الاستثنائي . الذى تمت فيه عملية اختطاف الطائرة . والذى كان يجب ان يُحيّد ويُبعد كل الاعمال . التي تنّدرج تحت شاكلة هذا الافعال . فالأجهزة الامنية كانت فى اعلى درجات الاستنفار . بغرض تأمين احتفالات تلك المنظومة . التي لا يفّصلها سوى مسافه زمنية لا تتعدى الثلاث ايام . عن مهرجان يوم الزيّنة فى احتفاليته الكبرى . التي درجت على اقامته فى موعده . وعلى نحو موسمي منتظم دون تقديم او تأخير . وقد رتبت وعملت تلك المنظومة وبجهد كبير . على ان تظهر احتفاليتها فى هذا الموسم على نحو استثنائي . لتكون بها ملّ السمع والبصر فى محيطها القريب والبعيد . وقد جهدت وسعت الى تزّينها . بحضور حاشد . كبير ومهيب . بكل من كان يعّتلى سدّة حكم وادارة هذا الاقليم . ويتحدثون لسانها .
لقد كان الاستنفار الأمني ظاهر امامه بوضوح . عند وُلُوجه مبنى المطار . الذى وصل الية متأخرا بعض الشيئي . فقد وجد المسافرين وقد اصطفوا فى طابور طويل . امام باب معدني مُتَنقل مُعدْ ومزود بجهار فحص يصّدر عنه صفير حاد. لحظة مرور مسافر متلبّس بخطأ ما . عندها يُسّحب المعنى جانبا . ويعاد تفتشه يدويا . كانت هذه الاجهزة حينها فى بداية دخولها دائرة العمل فى المطارات والمعابر ذات الضرف الاستثنائي .
التحق بالمصّطفّين . وعندما صار على بُعد مسافرين اثنين من الباب الأمني . بادر من نفسه . محاولا تخطّية الى قاعة المسافرين . عبر باب جانبي لصِيق . فأعاده العنصر الأمني الى طابور المصّطفّين . وعند عبوره عتبة الباب الأمني . لم يصدر عن الباب أي اشارة او اندار او صفير . وتجاوز عتبته بسلام الى قاعة المسافرين . تساءل في ما بعد : - هل تَواطُئ الباب معه . يرَّجع الى حماسه الغاضب لما سيقوم بفعّله ؟ !. فغلّفه حماسه الغاضب . بطاقة وشحنة نفسية عالية . تمكّنت هذه . من عزل بدنه وما يرّتديه ويحّمله . عن جهاز الإنذار بالباب . فَشَلتّ مَجسّاته . فعجز عن إصدار أي شارة او تنّبيه او صفير . رغم وُجُود ما قد يَسّتثير برّمجتّه .
ام ان الباب الأمني كان مُبرّمج على مسح وجس الجزء العلوى لجسم المسافر فقط . لحظة مروره بعتبته . ولهذا عجزت مَجسّاته عن كشف . ما كان يخفى فى عنق حذاءه الطويل الذى ينّتعل . لحظة عبوره الباب .
عندما دلف الى داخل قاعة المسافرين . كانوا قد شرعوا فى مغدرتها صوب الحافلة . التي ستنقلهم الى الطائرة الرابضة على بُعد عشرات الامتار عن مبنى المطار . عند صعوده الحافلة فضل البقاء واقفا امام الباب . بعدما ثبت يده بمقبض يتأرجح من سقف الحافلة . فعل هذا كي يكون فى اوائل الصعود الى الطائرة . ليحتل ويجلس على المقّعد . الذى كان قد حدّده فى رحلة استكشافية سابقة . على ذات الخط . واختاره بعنايه . لما يوفّره المكان من تيّسير خطوات ما ينوى فعّله . خلال الدقائق الثلاثين القادمة . حينها تكون حركة المضيفات بالطائرة . قد تراجعت الى حدها الادنى . وصار الممر خالي وسالك الى القُمرة .
ما ان تحركت الحافلة صوب الطائرة التى هناك . فاجأه من كان يقف بجانبه . متسائلا :- الى اين تتجه هذه الطائرة ؟ !. اجابه على نحو آلي الى العاصمة . كان لحظتها منشغل بكل طاقاته . فى استنفار كل قدراته الذاتية معنوية كانت ام بدنية . فلم يجد التساؤل الفائت سبيل الى حيز تفّكيره . فقد كانت كل حواسه منّشغلة ومسّتنفره . لمعالجة ما قرر على إنْفاذه وبنجاح خلال الساعات القادمة . فانزاح التساؤل مُلتصق بذاكرته . وكَمُن هناك .
استثار استفهام بن يونس الجالس خلف مكتبه . ذ اكرته . فاستدعت من الماضي القريب . كل تفاصيل الحدت . الذى كان الاستفهام المضّمر . يحاول نبّشه واستدعاءه الى الحاضر . لقد انّشغل بالاستفهام وشغله . بعدما اُعيد الى زنزانته الافرادية بالسجن . ففى عزلتها الغارقة فى الصمت . طفحت الوقائع بكامل تفاصيلها على سطح ذاكرته . فملأة كل حيّز تفكيره . فها هو رفيق الحافلة . وهو يقف بجواره . بقامة اقرب الى الطول . وقد خُطت سحّنته وهيئته . بملامح سبعّينات اروبا الشرقية . وصدى تساؤله الذى جاء بعربية تخالطها لكّنة اعّجمية . يتردد ملْ اُدنيّه :- الى اين تتجه هذه الطائرة ؟ .
تساءل فى عزلة المظّلمة . هل يقبل ذو عقل هذا التساؤل على عّلّاته ؟ ! . فقد جاء التساؤل على بُعد امتار من صعود الطائرة . ويتساءل صاحبه عن وجهتها . ام كان للاستفهام مآرب اخرى ؟ . آيُعّقل من راكب . استطاع بقدرات ذاتية استثنائية . من تخطى كل نقاط المرور الى الطائرة . وفى هذا الضرف المسّتنفر امنيا . ويجهل وجهة الطائرة التى سيستقلها ؟ . ثم وعلى بُعد خطوات من الصعود . يتساءل عن وجهتها . ام ان للاستفهام وجه اخر ؟ . فهل كان ؟! . ؟! . ؟! . هل كان هذا الغريب . الذى يقف بجواره . يحاول ان يقول له :- لا تحاول التدخّل فى مسار ووجهة الطائرة . فنحن على عِلم بنواياك ؟ ! .
ولكن . من اين لهذا الغريب . ان يعرف ما كان قد خطط له . وما كان ينوى القيام بفعّله بعد دقائق قليلة ؟ ! . وهو لم يلّتقيه الا مند لحظات . فهل نحن فى عصر تُقرا فيه النوايا وما تخّفى الصدور ؟. ام ثمت خطأ ما . اوّقعه فى شباكها ؟ . وهو يحاول احد مراحل الطريق الذى ينتهى به الى الابتعاد عنها . وعن ملاحقاتها اللصيقة لطرائدها بسلاح التخويف .
بهدف ترّويضها وتطّويعها ومن ثم . تدّجينها . .
عندما بداء يعود ويتعافى تدريجيا من حالة الاستغراق التأملي . التى احتوته اتنا ملاحقته تلك الاستفهامات التى عصفت بتفكيره . وصار يتحسس واقعه الوجودي تدريجيا . الذى بداء فى الظهور والتشكّل امامه . فى زنزانة انفرادية , لا يتجاوز طولها . طول قامته الا قليل . ويحتويها وعلى نحو دائم الاظلام الكامل . ولا تُفّتح ليغادرها سوى مرتين فى اليوم . لزمن لا يتجاوز الدقائق الخمس فى كلتيهما . شرع بعدما اكتمل حضوره الوجودي فى آنيه . فى استعادة احداث ما قام به . بكل التفاصيل الرئيسية و الثانوية منه . فى محاولة لقراءته ومراجعته من جديد . بغّية التعرف على الثغرة . التى تسلّلت منها تلك المنظومة الى نسيج ما حاكه . فى محاولة منها لنقّضه قبل إتمامه .
الآراء المشنورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياس البوابة