ميلاد عمر المزوغي

رئيس الحكومة، الذي اختاره سعيد، انحاز الى النهضة وأقدم بكل جسارة على إقالة الوزراء المحسوبين على الرئيس الواحد تلو الآخر. النهضة، التي قادت الحكومة الأولى للثورة وشاركت في بقية الحكومات، بالتأكيد ليست السبب الرئيس في ما وصلت إليه البلاد. ولكنها كانت حجر عثرة لاتخاذ القرارات، التي يمكنها أن ترفع من مستوى عيش المواطن التونسي. ورغم أن شعبيتها كانت في تدن مع مرور الوقت، لكنها لم تأخذ في حسبانها هبة الشعب، الذي سئم حكم النهضة سواء المباشر منه أو من خلف الكواليس (القيادة من الخلف) ارتبطت بأجندات خارجية ضمن المحور القطري - التركي.

الانتقال من النظام الرئاسي الى البرلماني بوتيرة متسارعة له مردود سلبي على الحياة السياسية وتنازع السلطات، ويُدخل البلد في الفوضى. وهناك مبدأ التدرج للوصول الى الهدف، لم تأخذ به منظومة الترويكا، التي سيطرت على الحكم عقب الثورة، وهي التي صاغت الدستور بحالته الحالية. لقد استغل الساسة وكبار التجار حالة عدم المحاسبة على مدى عقد من الزمن. فلم يقوموا بدفع الضرائب والرسوم الجمركية، التي قدرت بمئات الملايين من العملة المحلية، ما حرم الخزينة العامة من أحد أهم مواردها.

إن الشعب المصري لم يصبر على حكم الإخوان سوى سنة واحدة. وكانت التظاهرة المليونية، حيث آزر الجيش الشعب، وأُسقط حكمهم إلى الأبد. مما مثّل الضربة القاضية لمنظومة الإخوان الأممية، إذ سقط الرأس، وبقية الأعضاء فهي، وإن لا تزال تدبّ فيها الحياة بجرعات منشطة من قبل تركيا وقطر، سيتم بترها الواحدة تلو الأخرى.   

لقد فعلها الرئيس التونسي، فللصبر حدود. وسانده، في ذلك، التحرك الشعب بمناسبة ذكرى عيد الجمهورية. وآزره الجيش والقوى الأمنية، لإنجاز خطوة لم تكن متوقعة تتمثل في حل الحكومة وتجميد عمل المجلس النيابي ورفع الحصانة عن النواب. وهي قرارات كان لا بد منها في ظل فشل الحكومة ومناكفات النواب، حيث أصبح المجلس مسرحا للهرج والمرج.

بعض الأحزاب، وفي مقدمتها حركة النهضة، اعتبرت ما أقدم عليه الرئيس انقلابا على الشرعية والدستور. ويريدون أن تظل الأمور على ماهي عليه.  هؤلاء المنتخبون لم يفعلوا شيئا لصالح ناخبيهم، بل أداروا ظهورهم, وأمعنوا في الاستهتار بما اتخذه رئيس الدولة. لقد دعا  رئيس النهضة ورئيس مجلس النواب إلى عقد جلسة نيابية، إذ أوقفه الجيش الذي أقفل مجلس النواب. وظل أمامه مع صحبه وفي نفسه رغبة شديدة في الدخول، لكنه ولّى مدبرا. فالتصادم مع قوى الأمن والجيش ليس بالأمر الهيّن، ولن يحمد عقباه، وهو الأمر الذي حذر منه رئيس الدولة.

إن ما أقدم عليه الرئيس يعتبر عملا مشروعا وضروريا لإنقاذ البلد، وأصوات الناخبين ليست صكا على بياض. فالشعب يمهل ولا يهمل، إذ أن البدء بمحاسبة الفاسدين، آكلي السحت، يبدد مخاوف منظمات المجتمع المدني ويطمئن عديد الهيئات، التي أعلنت تأييدها لقراراته. إن ما أصاب إخوان تونس تداعى له إخوان ليبيا بالعواء والنحيب، وهم ينتظرون مصيرهم المشؤوم. 

كانت انطلاقة الربيع العربي من تونس، ومنها انتشر الى دول بعينها. ونجزم بأن ما اتخذه الرئيس سعيّد هو استكمال لما حدث في مصر. وكلنا أمل بأن تستمر محاصرة تنظيم الإخوان ونبذه شعبيا في بقية دول المغرب العربي. ولعل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في ليبيا تزيح جماعة الإخوان من الحكم، ويؤتى بأناس قلوبهم على الوطن، يعيدون للمواطن كرامته وعزته وشرفه لينعم بخيرات بلاده.