حميد زناز

مع إجراء الانتخابات البلدية و الولائية  المبكرة يوم 27 نوفمبر الماضي يكون النظام في الجزائر قد أكمل خارطة الطريق التي يزعم أنها الوحيدة القادرة على بناء "جزائره الجديدة ". و لكن هل يمكن ان يبني للجزائريين "جزائر جديدة" رغم أنف أغلبيتهم و في غيابهم ؟ و هل يتجاوز النظام عن طريق هذا المسار الانتخابي أزمته الشرعية التي يعاني منها منذ استقلال البلد ؟ و هل قضى النظام بما يسميه إكمال المسار الدستوري على ثورة الابتسامة ؟ 

 "صناديقكم لا تتسع لأحلامنا"، شعار رفعه المتظاهرون مرارا أيام الجمعات الاحتجاجية الصاخبة في المدن الجزائرية. و كذلك كان الأمر إذ لم تقدم صناديق الاقتراع أي حل للأزمة السياسية المستعصية في الجزائر، فبدءا بالانتخابات الرئاسية يوم 12 ديسمبر 2019 التي جاءت بالسيد عبد المجيد تبون مرورا بالاستفتاء حول تعديل الدستور يوم أول نوفمبر 2020 و الانتخابات البرلمانية يوم 12 جوان 2021 ووصولا الى الانتخابات البلدية و الولائية المذكورة، كان موقف الجزائريين سلبيا تجاهها و كانت نسبة المشاركة من أضعف النسب على الاطلاق.و كانت المقاطعة و ستبقى ذلك الاستمرار الدائم للحراك بطريقة أخرى، فهي تعبير عن طلاق بائن بين الشعب و السلطة و عصيان مدني ذهني مؤقت قد يتحول مع تدهور الاوضاع الاقتصادية المستمر إلى عصيان مدني ميداني تكون عواقبه وخيمة على الجميع

من الغريب أن يفوز بالمرتبة الاولى و الثانية في الانتخابات البلدية و الولائية المبكرة المذكورة حزبان كانا وراء كل الكوارث في البلد هما حزب جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديمقراطي  في وقت نجد كثيرا من وزراء و إطارات الحزبين في السجون بسبب الرشوة و المحسوبية و التلاعب بأملاك الدولة. وليس هذا فحسب بل يوجد رئيسا الحزبين السابقين في السجن محكوم عليهما بتهم الرشوة و التلاعب بالمال العام و غيرهما من التهم الخطيرة ! 

ولئن فهم الشعب الجزائري أن تنظيم هذه الكرنفالات الانتخابوية لا علاقة له بمصلحته و انما هي من اجل ضمان ديمومة النظام،  فحتى النظام ذاته لا يتوخى من إجراء انتخابات تلو أخرى سوى ذر الرماد في أعين القوى الخارجية و الغربية منها على وجه الخصوص في بحث يائس عن تسويق ديمقراطية مزيفة.  فالرئيس عبد المجيد تبون نفسه لا يتردد في كل مناسبة انتخابية من التصريح بأن نسبة المشاركة في الانتخابات لا تهمه و هذا دليل كاف على أن النظام يئس من انضمام أغلبية الشعب الى مشروعه الأحادي ولا يرغب سوى في الحصول على شرعية شكلية يستظهرها أمام الغرب عساه يجعله ينسى أن في سجونه أكثر من 280 سجين رأي من بينهم نساء و صحفيين ومحامين وحتى رئيس حزب معتمد، السيد فتحي غراس ، الناطق الرسمي لحزب الحركة الاجتماعية و الديمقراطية .  

ما معنى مسار انتخابي أو دستوري في ظل تضييف غير مسبوق على الحريات الفردية و الجماعية و سيطرة كلية على وسائل الاعلام في انتهاك صارخ لحرية التعبير و الرأي ؟  لقد أطلق النظام خرطوشته الاخيرة في مسألة ما يسميه إكمال بناء المؤسسات الذي استثمره منذ تعيين السيد تبون سنة  2019 من طرف قائد الاركان السابق أحمد قايد صالح عبر انتخابات رئاسية مرفوضة من أغلب الجزائريين ،  فكيف يملأ هذا الفراغ السياسي الكئيب الذي خلفه القمع والمنع والفقر وانسداد الآفاق؟

في الحقيقة، لقد تيقن النظام بأنه مرفوض من قبل أغلبية الشعب الجزائري و أنه لم يبق له ما يقدم إذ أصبحت خزينة الدولة فارغة و انتهى عهد شراء السلم الاجتماعي و استئجار الذمم. و هو ما جعله يعود الى عادته القديمة الجديدة المتمثلة في إثارة فكرة العدو الخارجي" المتربص بالوطن" و تعليق كل فشله على ظهر هذا العدو الوهمي  الذي هو الجار المغربي الى درجة راح الرئيس عبد المجيد تبون يتحدث أخيرا حتى عن محاولة هذا الاخير زعزعة الفريق الجزائري لكرة القدم و المساس بمعنوياته! في الوقت الذي يشتكي فيه المدرب الوطنى جمال بلماضي من عدم وجود ملعب كرة قدم بمواصفات دولية يليق بلاعبي الفريق الوطني الذين ولدوا و تكونوا في فرنسا في اغلبهم و الذين يحملون جنسيتها ايضا وأبطال افريقيا الحاليين

إذا اشتد الحر حُرقنا و إذا هطلت الامطار غرقنا ، هكذا يصف الجزائريون "الجزائر الجديدة" التي يتبجح بها النظام مجمعين على عدم مبالاته بحياتهم. أما النظام فلا يجد من مخرج سوى اتهام المغرب بإحراق الغابات و الناس في الجزائر دون تقديم أي دليل و قد ذهب أحد ابواق النظام حتى الى اتهام المغرب بتحويل مسار السحب لحرمان الجزائر من سقوط الغيث على أراضيها ! و لا يتورع النظام من اتهام معارضيه بالإرهاب دون أخذ بعين الاعتبار مدى خطورة اخراج ورقة الارهاب على صورة الجزائر في الخارج.   المتتبع لخطابات السلطة الحاكمة و إعلامها المدجّن تبدو له الجزائر كقلعة يحاصرها الاعداء من كل جانب، خلافات كلامية مع فرنسا، و تأزيم مستمر للوضع مع المغرب، شبه عزلة دولية، و جو من الخوف بدأ يخيم على البلد من احتمال نشوب حرب مع المغرب

لقد فشل النظام في خلق اجماع حول مشروع "جزائره الجديدة" لان الشعب فهم بأن ذلك مجرد سراب و أن "الجزائر الجديدة" لا يمكن أن تبنى بطبقة سياسية قديمة غارقة في الفساد و لم يبق للنظام سوى التظاهر بدق طبول الحرب بغية خلق جبهة داخلية عن طريق دغدغة عواطف الجزائريين الوطنية و فبركة شرعية مفقودة منذ 1962