مصطفى حفيظ

تسعى الجزائر منذ فترة إلى حشد الدعم الدولي من أجل الظفر بمقعد مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم للفترة بين 2024-2025. حتى أنها ضمنت دعم دول افريقية وعربية أهمها المملكة العربية السعودية، لكن هل ستتمكن من الفوز بهذا المقعد؟ وهل ستشفع لها دبلوماسيتها وسمعتها الدولية؟ أم أن الغرب بات ينظر إليها بنظرة الريب بسبب مواقفها إزاء إسرائيل، ورفضها التصويت ضد قرار يدين روسيا برغم حيادها الإيجابي وخلافها مع المغرب واسبانيا وتسلّحها اللافت للانتباه؟ 

سبق للجزائر أن شغلت مقعد عضو غير دائم ممثل عن افريقيا في مجلس الأمن الدولي بين سنوات 1968-1969، 1988-1989، و2004-2005، أي تم انتخابها لثلاث عهدات مما يجعلها صاحبة خبرة في هكذا هيئة أممية، لكن الظروف الدولية اليوم مختلفة عن تلك الفترة التي كانت فيها الجزائر عضوا بالمجلس، فإفريقيا اليوم غير افريقيا الأمس، فهي تحوز على مقعدين بالمجلس وليس مقعد واحد، وهذا بفضل مطالب الجزائر الملحة على أحقية افريقيا في ذلك، وربما هذا ما سيشفع لها عند الأفارقة، حتى أن رئيس الدبلوماسية الجزائرية وزير الخارجية رمطان لعمامرة كان صرح مؤخرا بأنّ الجزائر دول عربية وافريقية تدعم ترشحها لهذا المقعد، آخرها اعلان المملكة العربية السعودية مساندة الرياض لمساعي الجزائر لعضوية مجلس الأمن الدولي، لكن يمكنها ذلك من الفوز بهذه العضوية؟

إنّ الأمر المؤكد هو أن للحصول على العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن ليست بالأمر السهل بالنسبة، إذ يحتاج الأمر إلى بذل جهود دبلوماسية حثيثة خلال الفترة المقبلة قبل جانفي 2024 وهو تاريخ انتهاء عضوية الخمس دول غير الدائمة التي انتخبت يناير/كانون الثاني 2022 وهي: ألبانيا والبرازيل وغابون وغانا والإمارات العربية المتحدة والتي تدوم مهمتها بالمجلس لمدة عامين، وخلال هذه الفترة، سيكون على الجزائر اقناع العديد من الدول الصديقة بالتصويت لها خلال الجمعية العام للأمم المتحدة في الجلسة المخصصة لانتخاب الأعضاء الجدد غير الدائمين بالمجلس، وتشير المعطيات أن جهاز الدبلوماسية الجزائرية قد تحرك فعلا منذ فترة بإرسال موفدين لعدة بلدان.

وستكون مهمة الجزائر العمل على دعم واستقرار الأمن الإقليمي والدولي، خاصة في مناطق النزاعات ومشهود لها نجاحها في حل العديد من القضايا الدولية خاصة في افريقيا والمنطقة العربية، ودفاعها عن القضايا العادلة في العالم، أي قد تشفع لها خبرتها وسمعتها الدبلوماسية إقليميا ودوليا في الفوز بالمقعد، فمثلا كان لها دورا بارزا في حل الأزمة في مالي، ولعبت دور الوساطة بين الدول المتنازعة كالسودان واثيوبيا، أو بين الأطراف الليبية المتنازعة تشجيعا للحوار السياسي لحل الأزمة، وكذا الصراع الدائر بين مصر واثيوبيا حول سد النهضة، والأدوار التي لعبتها في أكثر من قضية عربية وافريقيا واستماتتها في الدفاع عن حل النزاعات بالطرق السلمية، لا يستع المقام لذكر أمثلة عنها، لكن الأهم أن تاريخ الدبلوماسية الجزائرية كان دوما مبنيا على مبدأ الحلول السلمية والحوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، هل سيفيد كل هذا في حصول الجزائر على الدعم اللازم لهذا المنصب؟ أم أنها ستصطدم باللوبي الغربي الذي قد يعرقل مساعيها في ذلك؟ 

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، التزمت الجزائر موقفا حياديا بحكم أنها دولة صديقة مع روسيا كما مع أوكرانيا، وسعت ضمن الوساطة العربية أو ما يعرف بـ " مجموعة الاتصال العربية " والتي ضمت وزراء خارجية مصر والسودان والجزائر والعراق والأردن والأمين العام لجامعة الدول العربية، للعب دور في حلحلة الأزمة بين طرفي النزاع، رغم ذلك، بدت بعض مواقفها مساندة لروسيا، فمثلا رفضت التصويت لصالح قرارات تدين أو تعاقب روسيا اقتصاديا أو تحرمها من عضويتها في مجلس حقوق الانسان، وهي المواقف التي اثارت الشك في حيادية الموقف الجزائري، خاصة وأنها تتمتع بعلاقات صداقة وشراكة جيدة مع روسيا تعززت مؤخرا بزيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي أثنى على الموقف الجزائري الذي وصفه بـ "المتّزن"، يضاف إلى هذا، إمكانية تحول الجزائر إلى قوة طاقوية، لكن بعض الدول الغربية تخشى أن تتحول إلى بعبع في منطقة حوض المتوسط وتستعمل سلاح الغاز للتأثير على مواقف دول في مسائل معينة، مثلما حدث مع اسبانيا عندما أعلنت دعمها للمغرب في مقترح الحكم الذاتي، أو عندما قررت تزويدها بالغاز الذي تستورده، والذي هددت الجزائر بإمكانية فسخها لعقد الشراكة الذي يربطها مع مدريد إن هي حولت الغاز المستورد من الجزائر باتجاه المغرب.

تكون الجزائر قد زرعت دون قصد بذرة الشك لدى الغرب بخصوص نوع علاقتها مع روسيا، أو بعبارة أدق، أصبح الغرب يشكك في حيادية الجزائر إزاء الصراع الغربي الروسي برغم وضوح الموقف، ولعل هذا ما سيجعل الغرب وربما حتى الولايات المتحدة يقف حائلا دون انتخاب الجزائر لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن، لأن وصولها للمجلس في الوقت الراهن سيجعل منها مصدر ازعاج، بحكم أن الجزائر معروفة بدفاعها عن بعض القضايا الدولية والإقليمية التي لا ترغب واشنطن مثلا في حلها، كالقضية الفلسطينية أو الصحراوية، أو الصراعات السياسية والعسكرية في بعض البلدان الافريقية التي يلعب الغرب دورا في تأجيجها، أي أن الجزائر ستكون صوتا مقلقا في مجلس الأمن لمدة عامين في حال انتخابها، ومن جهة أخرى، ستستغل موقعها لتسجيل حضورها دوليا كدولة محورية ذات وزن ومكانة في منظومة عالمية بدأت ترتسم ملامحها مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، فإلى أي مدى سيكون ذلك ممكنا؟