عندما يمضي ملايين المصريين اليوم وغداً إلى لجان الاستفتاء للإدلاء برأيهم في دستور مصر الجديد، فإن مجموعة من الحقائق الأساسية لابد أنها ستكون معهم، تمضي إلى جانبهم خطوة فأخرى نحو موعدهم مع الاستحقاق الكبير، وإن شئت الدقة موعدهم مع المستقبل.
الحقيقة الأساسية هنا هي ان اقتراع المصريين بنعم على الدستور هو، في جوهره، رفض صارخ للعدمية السياسية، التي حاولت جماعة الإخوان المسلمين فرضها على الحياة السياسية في مصر، وظلت حتى اللحظة الأخيرة استحضارها تحت الآفاق ويكفي أن نتذكر مشهد الإطارات المحترقة التي أشعلها كوادرها وأعضاؤها بالأمس القريب، أمام جامعة القاهرة وفي الاسكندرية وفي عدد من مدن الصعيد، وكأنهم يوجهون لكل الناس رسالة، مفادها إما هم وإما الفوضى بلا انتهاء، من دون أن يدرك قادتهم أنهم أخرجوا نفسهم مرة وللأبد من الحياة السياسية المصرية.
الحقيقة التي لا تقل عن سابقتها وضوحاً هي أن الموعد مع الاستحقاق الكبير هو موعد مع المستقبل، والملايين من المصريين يرون أن نعم التي يقولونها للدستور هي نعم لبرامج عمل تعطل طويلاً في البناء والتنمية، وينبغي أن يبدأ الآن دون إضافة المزيد إلى السنوات الثلاث الماضية، التي وقفت فيها مصانع عديدة بلا دوران، وعاني الملايين من المصريين من البطالة، ونظروا إلى الأفق نظرة متطلع إلى لقاء مع المستقبل من المستحيل أن يؤجل أكثر من هذا.
الحقيقة الثالثة هي أن الاقتراع الكاسح على الدستور بنعم هو نداء ميداني لا يرد لقيادة جديدة ومختلفة، يتطلع الشعب المصري إلى أن تمضي به ومعه عبر المخاطر، اجتيازاً لها وعبوراً نحو الأمن، نحو العدل، نحو الكرامة والقدرة على الانجاز.
غير أن سيدة الحقائق بامتياز هي أن الاستحقاق الكبير يعكس رسالة توجهها مصر إلى نفسها، قبل أن توجهها إلى أي طرف آخر، وهي رسالة مفادها أن البلد الذي شهد ركوداً أقرب إلى الموات، خلال العقود الثلاثة الماضية، ينبغي ان ينهض من ظلام التجريف والتداعي لينتقل إلى عهد تنوير جديد، إلى نهضة حقيقية سيأتي حين من الدهر يقارنها فيه المؤرخون بتجربتي التحديث المصريتين على يدي محمد علي وعبدالناصر، ولكن هذه المرة دون معاهدة 1840 وبغير سوداوية ذلك الضحى الوحشي في الخامس من يونيو 1967، الذي لايزال رماده يهيمن على صميم الروح المصرية.
الحقيقة الأخيرة هي أن توجه الملايين إلى لجان الاستفتاء بنعم كاسحة هو رسالة إلى المؤسسة العسكرية المصرية، لعقود من جديد إلى دورها التاريخي في تجسيد الوطنية المصرية بكل أصالتها في الوقوف مع الشعب في مواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
ويظل صحيحاً أن من تواكبه الحقائق لا يضل الطريق.
البيان الاماراتية