عبد الستار العايدي

كتبت رئيسة الحكومة نجلاء بودن على صفحتها على موقع فيسبوك ، "سأعمل على تكوين حكومة متجانسة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد ومحاربة الفساد والاستجابة لمطالب التونسيين المتعلقة بحقوقهم الطبيعة في النقل والصحة والتعليم".

بين الترحيب الدولي بتشكيل الحكومة ودعوة بعض الدول لإستكمال هذه الخطوة بعودة عمل البرلمان ورفع التجميد عن أعضاءه وبين التوتّر الديبلوماسي التي يعيشه قيس سعيّد بعد كل كلمة أو خطاب، وبين الأزمة المتفاقمة التي تعبث بالمسار الاقتصادي لتونس، لازالت رئيسة الحكومة الجديدة نجلاء بودن لم ترسم خريطة طريق واضحة لتقديمها إلى المؤسسات المالية المانحة وتفضي لحل إستراتيجي يخدم خلاص الديون السنوية التي توجّب دفعها والتقليص من نسب التضخم والمحافظة على كتلة الأجور الحالية في ظل سياسة التقشف التي تعيشها الدولة اليوم، إضافة إلى كيفية التعامل مع المطالب المتزايدة برفع سقف الأجور إزاء غلاء المعيشة وتقهقر القدرة الشرائية .

إنجيلا ميركل تونس، كما وصفها البعض، أصبحت تعي أن تونس المثقلة بالديون وللمرة الرابعة قد أجرت خلال عقد من الزمن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي وذلك للتوصل إلى اتفاق على ثلاث سنوات والحصول خلال 2021 على 3.3 مليار يورو مقابل وعد بإصلاحات يبدو الالتزام بها أصعب من السابق  خاصة بعد توقف المفاوضات إثر إعلان قيس سعيّد عن الإجراءات الاستثنائية، 25 جويلية 202،. كما أصبحت تدرك خطورة إرتفاع نسبة البطالة إلى حوالى 18% بسبب تداعيات جائحة كورونا وخوف الإستثمار الأجنبي في ظل عدم الاستقرار السياسي، وإرتفاع نسبة المديونية في تونس التي تجاوزت 80 بالمائة، وضع إقتصادي قاتم أجبر تونس للإقتراض لسداد الديون ودفع أجور الموظفين، إلى جانب أن تونس مطالبة بسداد ديون بقيمة 4.5 مليار يورو لسنة 2021، وتمويل ب5.7 مليار يورو لتفادي عجز الميزانية في انتظار قانون المالية للعام 2021 – 2022 الذي لم يتم بعد إعداده.

خريطة طريق إقتصادية بعناوينها الأولى، ستطرح أمام نجلاء بودن تحدّيات صعبة رغم رسائل الطمأنينة التي يرسلها كل مرة قيس سعيّد بعد كل لقاء معها، ورغم تصريحات المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل إستعداد بلادها للوقوف إلى جانب تونس، خاصة وأن المستثمرين الألمان مثلهم مثل غيرهم من المستثمرين الأجانب قد فقدوا الثقة في نجاح إستثماراتهم بتونس في ظل هذا الوضع المتردي والاحتجاجات الاجتماعية المتواترة التي قد تعطّل إستمرارية وجودهم لسنوات، خريطة طريق قد تكون على مقاس مطالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قد تنجح في خلاص ديون تونس وتفشل في الخلاص من الأزمة الاقتصادية الداخلية، إعتبارا لصيت نجلاء بودن الجيّد سابقا عند البنك الدولي في إدارة المشاريع المموّلة من طرف إدارته في مجال التعليم العالي بتونس، رغم إنتقاد البعض لها ووصف ما أقدمت عليه خلال إشرافها على تلك المشاريع بالفشل وأنها عجزت عن إدارة ملفات صغرى.

مواد وفصول ونقاط مفصّلة ، ستحتاجها نجلاء بودن ضمن خطتها المستقبلية للتعامل مع كل المسائل التي تعتبر تعجيزية إلى حدّ الآن بعد تحذير محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، من أن أي طلب بتدخل البنك لسد عجز الميزانية، ميزانية 2021 ، سيرفع التضخم بشكل كبير وسيؤثر على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي وسيضعِف قيمة الدينار التونسي،كما أن تونس إستوفت حظوظها بعد أن تحصلت أواخر شهر أوت 2021 على 741 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي، في إطار التوزيع العام لمخصصات أقرّها الصندوق في ذات الشهر بعد موافقته على توزيع عام لما يعادل 650 مليار دولار من وحدات حقوق السحب الخاصة على أعضائه لدعم السيولة العالمية.

بعد كل هذا الفزع من السقوط في حضيض النماذج السياسية والاقتصاديات الفاشلة، العربية والأجنبية، رسالة إطمئنان أفصح عنها مدير إدارة الشرق الاوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، أنّ تونس من بين الدول التي تحتاج الى المساندة الفعلية إستنادا إلى الإمكانات الهائلة ورأس المال البشري الضخم الذي تحتكم إليه، وأنه بالرغم "من تخفيض وكالة الترقيم الائتماني "موديز" الترقيم السيادي لتونس الى "س أأ1"، انه سيجري خلال فترة قريبة قادمة اجتماعات مع أعضاء من الحكومة التونسية، إلى جانب ورقات الضغط السياسية الإقليمية التي يطرحها قيس سعيّد على طاولة قصر قرطاج دون الكشف عن مضمونها، قد يكونا من أولى محدّدات خريطة الطريق التي ستعوّل عليها نجلاء بودن مستقبلا، خاصة بعد اللقاءات المتعددة مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد، زيادة على ذلك نجاح حكومتها خلال فترة قصيرة ولو بنسبة قليلة في السير على الطريق الصحيح لتفكيك ملفات الفساد التي تنخر كل أجهزة الدولة.

في خضمّ غياب الإنتماء السياسي عن توجّهات رئيس الجمهورية وعن رئيسة الحكومة، وصمت نجلاء بودن وكلمات قيس سعيد المفعمة بالغموض التي ملأت فراغ صمتها، تظلّ القرارات التي ستصدر بخصوص خريطة الطريق المستقبلية، محل ترقّب وتخوّف للجانب المخالف لذلك سواء من الحضور الإخواني أو غيره من المتواجدين داخل المشهد السياسي الذي يسعى إلى تشويه الجانب التونسي في المحافل الدولية أو لدى المؤسسات المالية المانحة بدعوى سقوط التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس بعد عودة منظومة الانقلابات التي لا تؤدي إلا لطريق الديكتاتورية.