عبد الستار العايدي

إلى جانب محاولة حراك "مواطنون ضد الانقلاب" بقيادة حركة النهضة السخرية رئيس الدولة وأعضاء حملته التفسيرية ووصفهم بالـ"الشيعة"على لسان راشد الغنوشي ومزيد تجييش الشعب ضد ممثل السلطة التنفيذية، يؤكد نور الدين الطبوبي بعد فوزه بعهدة ثانية لقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل أن "التوقيت بالنسبة للجميع قد إنتهى وتونس للجميع"، في تصريح ضمني أن الاتحاد قد يشرع في تنفيذ خياره الثالث وأن المهلة التي منحها لكل الطيف السياسي وقيس سعيد قد انتهت بعد أن عجزوا عن تحقيق التوافق حول خارطة موحّدة وأن الاتحاد لن يسمح بعودة الديكتاتورية مرة أخرى ولو على منهج قيس سعيد، الأخير الذي إنتقل إلى المرحلة الثانية من خارطته السياسية، أراد من مشاركته في الدورة السادسة لقمة الاتحاد الأوروبي – الاتحاد الافريقي   المنعقدة ببلجيكا إيصال رسائل عدة قد تبوح بنتائجها في المستقبل القريب.

أول نقطة في فحوى رسالته إلى الطيف السياسي وعموم الشعب التونسي، من مشاركته في هذه القمة، هي كسر عزلة الديبلوماسية التونسية وعزلة رئيس الدولة بسبب ما أقرّه من إجراءات إستثنائية بعد 25 جويلية 2021 وما يحاول التأسيس له من نظام سياسي جديد حسب رؤية فردانية، أما النقطة الثانية، يحاول سعيّد أن يقطع الطريق دوليا أمام بعض مكونات المشهد السياسي التي تصف ما فعله بأنه إنقلاب، هذه المجموعة من الأحزاب والحركات والشخصيات التي حاولت كل جهدها أن تضع المطبات في طريق العلاقات الديبلوماسية التونسية مع بعض الدول مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا تحت معطى الوزن الاقتصادي لهذه الدول داخل المؤسسات المالية المانحة، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ففشل مشروع قيس سعيد سيكون بعد فشل تونس في إقناع الصناديق الدولية بمزيد التداين، أما النقطة الثالثة، يؤكد سعيّد أنه لن يتنازل عن مشروعه السياسي وأنه سيعمل على تلافي المساعي السابقة التي فشلت في إقناع الخارج بجدوى رؤيته السياسية المستقبلية لتونس، وأنه الورقة الرابحة في آخر المطاف باعتبار وزنه السياسي كرئيس جمهورية وثقل شعبيته التي سيعمل على أن لا يخسرها أو يخسر أغلبها.   

الرسالة الثانية الموجّهة للخارج التي تزامنت مع مشاركة رئيسة الحكومة نجلاء بودن في القمة العالمية الثانية للإعاقة التي احتضنتها مدينة أوسلو، فمن خلال التصريحات الذي أدلى بها على هامش القمة الأوروبية الافريقية يشدّد قيس سعيد على أن خطابه في الخارج هو نفسه ما أفصح عنه طيلة أشهر في خطاباته التي توجّه بها إلى الشعب التونسي في الداخل، كما تشير مشاركته في هذه القمة إلى عدم تراجعه عن مواقفه السابقة تجاه إسترجاع الأموال المنهوبة بالإضافة إلى تأكيد الدور الذي تلعبه الديبلوماسية التونسية في منطقة شمال إفريقيا وإفريقيا عموما خاصة في المسألة الليبية، كما أن الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه تونس لن يمنع من التعامل بندّية مع الدول الأخرى  والحفاظ على سيادة الدولة وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية تحت غطاء الديون المتخلّدة بذمتها لبعض الدول الكبرى أو البنوك الدولية.

الرسالة الثالثة المبطّنة والتي أراد قيس سعيّد ترسيخها في أذهان مكونات المشهد السياسي التونسي وفي سير المحادثات مع قادة بعض الدول وعدد من المسؤولين هي أنه لا مجال للتفكير مرّة أخرى في إعادة صياغة مشهد سياسي على شاكلة ما قبل 25 جويلية وأنه الجهة الوحيدة المتبقية التي يمكن التعامل معها إستنادا إلى ما حققه من خطوات ناجحة نحو طمس معالم المشهد السياسي القديم بتجميد البرلمان وحل المجلس الأعلى للقضاء وفرض سلطته على المؤسسة العسكرية والأمنية، هذه المشاركة في القمة الأوروبية والافريقية هي تأكيد ضمني أيضا من قيس سعيّد لكل المتابعين أنه قد نجح في تحقيق نصف ما تطلّبته خارطة مشروعه السياسي البديل ولازال النصف الآخر، المعطى الاقتصادي، قيد العمل على تحقيق أهم الخطوات لترسيخ الأساس الثاني لهذا المشروع ومنه إلى الأساس الثالث أو إنجاح الاستحقاقات السياسية القادمة التي أقرّها.

 بعد أن نجح قيس سعيّد إلى حدّ معيّن في إيضاح الصورة الحقيقية لرؤيته السياسية الحالية خلال هذه القمة الأوروبية الافريقية ورسائل الطمأنة على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية وعدد من المسؤولين الأجانب، لا يزال أمام رئيس الدولة عائقين لفسح الطريق نهائيا لإقناع الجميع بأنه لم يبقى أمامهم غير إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية، العائق الأول شتات المعارضة التي تحولت من مقاعد السلطة إلى جهة تعمل على هدم كل ما يسعى اليه سعيّد، والعائق الثاني هو إصرار الاتحاد العام التونسي للشغل على عدم الرضوخ لتمشي السلطة التنفيذية ووضع الشريك الاجتماعي الأقوى في تونس تحت تصرّفها والإقرار بالإصلاحات التي طلبتها المؤسسات المالية الدولية، مما سيفضي إلى بذل جهود أكبر من قيس سعيّد لمحو العائقين الذين لا يزالا سطرا فارغا في ملف المفاوضات حول التداين وملف الدبلوماسية التونسية.

قد يتساءل البعض عن ماهية الرسالة الرابعة التي سيبوح بها قيس سعيّد في المستقبل القريب ليعلن أن البقايا الصغيرة من المرحلة الأولى من مشروعه قد إنتهت إلى غير رجعة أو أنها ستكون مطبات مزعجة في المرحلة الثانية، وماهي السبل التي سيستند اليها لانجاح هذه المرحلة رغم وجود المعارضين له وإقناع المجموعة الدولية المترددة بعض الشيء حاليا في تقديم الدعم اللازم؟