كان الشاهد يقف على بُعد كافي من الجمع المتزاحم . يسمح له مكانه فى وقّفته تلك . ويُمكنه وبوضوح من قراءة ما تعّكسه بعض الوجوه . مما يعّتمل داخل اصحابها . من مشاعر متنوعة واحاسيس متضاربة احيانا . وهم يتزاحمون امام مُدخل الخيمة  .

     كان صاحب الخيمة . يأتى وعلى نحو دوري شبه مُوسمي . ليُقيم خيمته بشدْ اطنابها الى ارض هذه البقعة . المحاط بفيافي مترامية الاطراف . ليمضي فى هذا الفضاء الصحراوي . ما لا يتخطى يوم من الزمان احيانا , وفى الغالب ساعات وفقط  . فى حيت المكان  . الذى كان  فى سالف الزمان . يرّتاده  مع ناقة عجفاء . يدب ورائها لترعى وتقتات ما ندر من حشاش الارض . 

     كان الشاهد . يعرف يقينا . بان صاحب الخيمة . لم ياتى الى هذه البقعة , الى هذه الاطراف النائية  . بما يتطابق ويتوافق مع ما رسخ فى اعتقاد . هذا الجمع  المحتشد امام الخيمة  . بل كان يفعل ذلك . نُزولا عند توّصية علاجيّة . تنّصحه بارتياد هذه البقعة حاجا زائرا . كما بقية مزارات قليلة اخر ببلاده . عندما يحس بالحاجة . لدعم طاقته المعنوية  . ليسّندها بخلّوة فى هذه البقعة النائية . يسّتعيد بها ترميم كيانه الهش.  والابتعاد به . عن التداعي والانهيار . 

        كان ياتى هذا الفضاء الصحراوي . لحاجة فى نفسه . وكانت اداته للوصول لمبّتغاه  .  تمرْ عبر آلية حوار داخلي صامت مع ذاته . يستدعى به ماضي المكان . من خلال  استنّطاق مفرداته . الصحراء القاسية الجرداء . السكون المغلف بالصمت . ناقته العجفاء . نُدرت حشاش الارض . وبتلاقي هذا الخواء الذى يلفْ ماضيه  . ويخالط حاضره الضاجْ فى الان نفسه  . بهذا الحشد المُتزاحم امام الخيمة . تثم عملية تلاقح  تنتهى به . الى غايته  فى التجدّد والانبعاث  . 

      توقف الشاهد بنظره فجئتا . وهو يتفحص الجمع المتزاحم امام الخيمة . على احد الشُبان فى حالة توتر ظاهر . كانت تلوح بيده ورقة ملفوفة . عندما تغطّت  ملامحه  بمسّحة من احباط وغضب عارم . اقترنت وترافقت حالته هذه . بنهوض صوت مرّتبك . جاء على لسان رجل مُتكرّش . مخاطبا الحشد . يُعدّد ويقول . لا دخول الى الخيمة الا لمن كان :-  * قدوة فى السلوك . ** ماهر فى المسّلك . وفجأتا قاطع المُتكرش فى عدّه  . صوت موازى مُنّفعل فظ وخشن يقول : - من انت كي تحدد من يدخل الخيمة ممن لا يدخلها ؟ ! . انكمش المتكرش واضمحل . ثم تراجع الى نكرة . 

   لاحظ الشاهد . بعد هذا التدخل الخشن . انزياح مسّحة الاحباط والغضب . من على وجه الشاب حامل الورقة . وتَغطى بانشراح ظاهر . ثم ما لبت ان عم الجمع الحاشد . الاضطراب والهيجان . فلمّلم صاحب الخيمة اطرافه وغادر مسرعا . فى رتل من السيارات مرقّط وطويل  . غير ملّتفت الى قبعة رأسه . التى تخطّفها الهواء مُحلّقا بها عاليا . 

     قبل هذا الزمن بأحداثه . وبزمن بعيد . كان صاحب الناقة العجفاء . قد انتقل الى مدن الشمال . حيث فضاء فرص الحياة . فى اتساع يفُوق بكثير فرص جنوبها .  هناك بدأت تظهر على سلوكه مواهب وقدرات استثنائية .   ففى احد المنتديات التى انضم . اليها كناشط فى كوادرها بالشمال . لفت اليه وصُدفتا . انتباه احد مدراء الشركات العالمية . ذات الماركات المسجلة . اثناء ادارته حلقة نقاس اقامها المنتدى . فى واحده من فعاليات نشاطه . اوّصى المدير حينها , اتباعه بالتقرّب منه .  واوعز باستقطابه  . ليكون مندوب للشركة  فى هذه البلاد . ومن ثم وَصِىّ على امتيازاتها  . 

       عندما عُرِض المقترح عليه . قبِل دون تردد . ليس هذا وحسب . بل صار اكثر اجتهاد و مُثابر فى ملاحقة اهداف الشركة وتطلعاتها  .  من صاحبة الماركات المسجلة ذاتها  . فحرّرته هذه . من القيد واللجام ايضا . فتمكن  بذلك . من وضع يده على املاك واطيان واقنان والعبيد  . على امتداد رقعة بلاده . واحياننا يتخطها الى محيطها القريب  . 

    تقدمت الحياة . وتتقدم كما هى دائما . بالعلم والمعرفة فى جميع مفرداتها الرئيسية . ومن بينها الشركات العالمية . فاتسعت طموحات الشركة العتيدة . فارتأت الاستغناء عن خدماته . بأخر جديد يملك من المواهب والقدرات . بما يتوافق مع العصر وجديده .  فأفل نجّمه ومن ثم خمد ومات كمدا . 

     بعد الخمود والافول والموت كمدا . بشهور قليلة .  التقى الشاهد صُدفتا . صاحب الورقة  . فى احد المقاهي بالشمال . كان قد صار الشاب كهلا . يتغطى حيز ليس بالقليل من راسه ببياض الشيّب . خَطَرَ للشاهد انتهاز الفرصة . لاختبار وامتحان ذاكرته . بعد هذا الزمن الطويل  . فاتّجه الى الكرسي الشاغر . الذى يُشارك صاحب الورقة طاولة المقهى . جلس بعد الاذن . ثم اجتهد وجد , فى خلّق براح جيد  من التواصل مع جلِيسه . وبعدما كان له ما اراد , بادره بالقول :- لقد التقينا فى السابق على ما اتذكّر . 

      لم يوافق صاحب الورقة . ما جاء على لسان الشاهد. 

    بعد صمت دام دقائق  . استدعاء الشاهد حينها جهرتا . من مخزون ذاكرته .  الحدث برمّته فى عرض مُفصّل . امام جلِيسه  .  

    ابتسم صاحب الورقة حينها . والاستغراب يغطى وجهه . واردف قائلا :-  صدقت . لقد كنت هناك ! ! . 

    لم يقف الشاهد عند هذا القول . بل استفهم قائلا :- لقد لاحظت حينها . بانك كنت تحمل ورقة ملفوفة بيدك . وما شدّني اليك عُبوس وجهك والغضب الذى يعّتصره . عند ارتفاع صوت ذلك المتكرّش . وهو يعدد ويحدد ويقول . من يُسمح له بدخول الى الخيمة . ومن لا مرور له  . ولاحظت ايضا . ظهور إشراح قد غطى وجهك  . عند نهوض صوت موازى . فظ وخشن . الّجم المتكرّش . فتراجع الى الانكماش وسكت . 

    ابتسم صاحب الورقة مجددا . ثم قال :- كى اكون صادقا معك . لقد كنت احيانا . استرجع ذلك الحدث . واقلّبه في رأسي . ففي ذلك الوقت من الزمان . لحظة وقوع الحدث . وفى تلك السن المبكرة من العمر . قد كنت حينها مُغّتاظ من قول المتكرّش . لأنه سيحرمني فرصة كانت على بُعد خطوات من متناول يدى  . وكنت فى حاجة ماسة لاغتنامها  . ثم اضاف   امّا عن انشراحي . لذلك الصوت الموازي الخشن . فبمختصر القول . لأنه اعادة الفرصة للحياة مُجددا . 

      ثم اضافة وبهدوء ظاهر : -  ولكن عند اقترابي من سنين النضج والاستواء . لاحظت . بان غيظي من تصرّف ذلك المُتكرّش . لم يُخّمده الزمن . فقد تبيّن لى بان سلوكه . كان يستند الى حالة غير طبيعية تكمن داخله . تدفعه نحو احتكار الفرص المتاحة . وحجّبها عن الجميع .  وفى الحين نفسه  ازددت  انحيازا . الى ذلك الصوت الخشن الموازي . لأنه  كان على نقيض سابقه  . فهو يدفع فى اتجاه . اتاحت الفرص للجميع .  وتعلمّت منه ايضا  .  بان الوقوف فى وجه هؤلاء . يُضيف الى براح الحياة . ويجعلها تتسع . كى تَسعْ الجميع . 

     ثم توقف صاحب الورقة عن الحديث وصمت . لم يُمهله الشاهد وعاجله قائلا :- وماذا عن الورقة الملفوفة التى كانت بيدك ؟ ! . صمت حينا . ثم استأنف قائلا . كانت الورقة تضم ما امّلته  والدتي علىّ  . وخطّته يدى . بعدما نقلت  ما جاء على لسانها بعاميّة اهل الجنوب  . الى المتداول على اللسان الرسمي  بالبلاد. 

      كنت احاول من خلال ما حمّلته للورقة . اذا ما تمكنت واستطعت من مُناولتها صاحب الخيمة   .  ان ادفعه نحو مساعدتنا بما يمّلك من نفود واسع  .  على معرفة مكان تواجد أشقائي ابنائها الثلاثة . والوصل الي حيث تواجدهم   سوى كانوا احياء او اموات .  

      فقد ثم استدعائهم . من طرف جهة رسمية مسؤولة  مند قرابة سنة من الزمان  . وانقطع خبرهم  . ولم نتوصّل رغم اجتهادنا . الى دالة نسترّشد بها الى مكانهم . كان ذلك كله , جاء جَرِيرة عمل قام به كبيرهم . ثم قفل صاحب الورقة حديته . مسّتدركا مستفهما مستنكرا . وهو يقول وبصيغة نصف مُقدّسة . وهل نأخذ غير الذى وجدنا متاعنا عنده . انّا اذن لظالمين ! !. ثم نهض من فوّره اثر مكالمة هاتفية . مُغادرا المقهى . بعدما استئذان الشاهد .  

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة