كآلاف الليبيات كان لي الْيَوْمَ موعد مع" طابور المصرف " فعبر مجموعة خاصة بفرع مصرف الجمهورية" الظهرة "على الفيسبوك علمت أن المصرف قرر تخصيص هذا الْيَوْمَ لتوزيع السيولة على زبائنه بواقع "600" دينار للفرد بعد أن عجز عن توفير سيولة نقدية لزبائنه لأكثر من ثلاث أشهر متواصلة ...رافقتها الحاجة والعجز وحرج السؤال وعبء الديون وكسرة النفس وضيق الخاطر ... ليعلن عن  توزيعها على كل الزبائن ذكور وإناث دفعة واحدة على ان يبدأ توزيع الأرقام السابعة صباحاً...وهذا يعني الاستعداد ليوم طويل ومرهق وساعات من الوقوف والترقب حتى نتمكن من السحب في تجربة تكررت مرارا خلال السنوات الأخيرة ، بعد أن صار من الصعب علينا ونحن الشعب الذي كان بإمكاننا السحب على الأحمر حتى وحساباتنا فارغة أن نتحصل على دينارات من أرصدتنا ... 

اتفقت وشقيقتي التي يضمنا نفس المصرف والفرع  والعمر المشترك... ان نلتقي فجراً حتى نتمكن من الحصول على رقم يمكننا من دخول المصرف لسحب بعض من أموالنا المودعة في حساباتنا الجارية ، وهكذا كان ...صليت ركعات الفجر على عجالة بعد الآذان الاول وخرجت بسيارتي ولازال الظلام مسيطراً يكسره ضوء متناثر هنا وهناك من أعمدة الشوارع وبعض المباني الحكومية المضاءة في كل الأوقات ...وسط أزمة عامة في الكهرباء تبقينا لساعات خارج العالم الحديث يوميا.. ، وما ان تجاوزت منطقة سكني الخالية من حركة السيارات  ، مارة بطريق السكة والجسر الرابط  بجزيرة " جنة العريف" حيث تتفرع الشوارع الرئيسية الرابطة وسط المدينة والتي تقف على امتدادها  سيارات أمن بالكاد تميز أن كانوا سيارات شرطة أو جيش أو أمن أو مليشيات ... فكل الألوان موجودة   البيضاء والزرقاء والبنية وكل الأشكال موجودة  ايضا بشعارات ومن غير شعارات ...المليئة بالأفراد والمليئة بالأسلحة وحتى الخاصة والمعتمة والتي لا تحمل أرقام ... جميعها هناك و هدفها واحد ، حراسة  مباني الحكومة الفارغة !!!

وما أن اجتزت الجسر حتى بان علي  اكتضاض غير متوقع في هذا التوقيت ، سيارات متراصة تقف على جوانب الطريق وفِي وسطه وبشر يفترشون الجزيرة وآخرون يحيطون بها من كل جانب في تجمعات صغيرة ومتفرقة ...

المكان مزدحم و مؤنس وكأننا في منتصف النهار  ، واصلت طريقي يمين الطريق في اتجاه الظهرة والكثير من السيارات بمحاذاتي ، سيارات مليئة بالرجال والنساء فرادة وجماعات تجرهم العجلات والأمل في سحب بضعة دنانير ....  طرابلس على موعد مع السيولة........هذا ما دار في ذهني وانا ابحث عن محط  لسيارتي في الساحة التي غزاها مئات الأشخاص بسياراتهم فجراً وهذه اول الإشارات ليوم لم أتصور كيف سيكون ولا كيف سينتهي !!!

...ترجلت باحثة عن اختى وسط كوم من البشر وكراسي البلاستك مستخدمة هاتفي لإرشادي ، صوت الآذان الثاني يصدح وسط الساحة والنَّاس تهُم بالإتجاه للمسجد تاركة أماكنها التي ألفتها والكثير من المخلفات البلاستيكية ...، لقد قضوا ليلتهم على سيسان عمارة الدينار المقابلة لموقف السيارات وديوان المحاسبة ، يتسامرون لتقصير الوقت... 

بعض النسوة ومن بينهم اختى أيضاً ذهبن للصلاة وبقيت احرس مكانها وأتعرف على رفيقات الرحلة حتى هجم علينا عناصر الأمن بهراوتهم :اوقفي انت وياها طابور طابور كل وحدة تشّد مكانها، ربكة وهرج اعترى المكان وما عاد احد منا يرغب في الاستمرار  في الأحاديث الدائرة  في أغلبها عن واقعنا المرير ، من شح السيولة وأنقطاعات الماء المتكررة عن العاصمة وغياب الكهرباء لساعات ...نتائج الامتحانات وشطحات وزير التعليم في غير وقتها وطوابير اليوم التي ستذهب محصلتها لشراء كبش العيد!!!  

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة