لقد بين صندوق الحياة البرية العالمي «World Wildlife Fund» أنه لو كانت المحيطات بلدًا فسوف يكون إقتصاده هو السابع في العالم، وهذا بسبب أن أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم يعتمدون على التنوع البيولوجي في المحيطات والبحار في العالم من أجل معيشتهم، وبالتالي فالاقتصاد الأزرق يعتبر مصدراً للنمو الاقتصادي، فعلى سبيل المثال فإن الدول الجزرية الصغيرة مثل Palau و Seychelles تُمثل السياحة البحرية فيها أكثر من نصف قيمة العائدات الاقتصادية للبلد ، كما أن مصائد الأسماك بها تُمثل مابين 10 و 50 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول الصغيرة، ويُساهم أيضاً الصيد المستدام والمقترن بجهود الحفاظ على البيئة على إستدامة الموارد الطبيعية الساحلية التي تستخدمها هذه الدول لقرون قادمة، وقد أوضح البنك الدولي أن القيمة الكلية لاقتصاد المحيطات والبحار في جميع أنحاء العالم تُقدر بنحو 1.5 تريليون دولار سنويًا، كما أن 85% من التجارة العالمية للسلع والبضائع يتم نقلها عبر البحر، فيما تُعد الزراعة المائية (المزارع السمكية) أسرع القطاعات الغذائية نموًا ضمن الاقتصاد الازرق وتوفر لوحدها نحو 50% من الأسماك المخصصة للاستهلاك البشرية حول العالم، كما تُشير التقديرات إلى أن نحو 24% من النفط الخام يأتي من الحقول البحرية ، وأن نحو 50 مليون وظيفة حول العالم ترتبط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بنشاطات صيد وتعليب وزراعة الأسماك، وأن عدد البحارة العاملين على متن السفن التجارية والمنصات البحرية قد تجاوز 1.75 مليون بنهاية العام 2017، وفي المقابل فقد حذرت المنظمات الدولية وعلماء البيئة البحرية أن كوكبنا قد شهد إنخفاضاً في تنوع الاحياء المائية بنسبة زادت عن 39%، وأن نصف الشعاب المرجانية وثلث الاعشاب البحرية قد تلاشت بالفعل، كما أن 26% من المخزون السمكي مهدد بالانقراض.

ومن جانب آخر فقد أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) منذ العام 2013 مبادرة أسمتها مبادرة النمو الأزرق "blue growth initiative"  من أجل دعم التحول إلى الاقتصاد الأزرق، ومساعدة الدول والحكومات في وضع وتنفيذ سياسات تعزز مفهومه، وقد أوضحت الفاو أن من ضمن أهداف هذه المبادرة مايلي:
1- الاهتمام بتربية الأحياء المائية من خلال تعزيز السياسات والممارسات الجيدة لاستزراع السمك والمحار والنباتات البحرية للإنتاج والنمو السمكي بصورة مسؤولة ومستدامة، وتحفيز الطرق والوسائل التي من شأنها أن تعزز النمو والنظم الرقابية واستعادة التنوع البيولوجي، وخدمات النظام البيئي.
2- الاهتمام بمصائد الأسماك الطبيعية وإستعادة الأرصدة السمكية عبر دعم الصيد الرشيد، ومكافحة الصيد غير المشروع وغير المنظم، وإلغاء ممارسات وسلوكيات الصيد الضارة.
3-  تحسين طرق بناء وصيانة مصائد الأسماك والعمل على إستدامتها.
4-  الاهتمام بأنظمة المأكولات البحرية، وتعزيز سلاسل القيمة الكفوءة للمأكولات البحرية
5-  تعزيز التعاون بين الدول في مجال الاقتصاد الازرق. 
6-  توفير مزيد من فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة.

7-  تطوير السياسات والاستثمار والابتكار في دعم الأمن الغذائي والحد من الفقر

-8.          تطوير السياسات والاستثمار والابتكار في دعم الإدارة المستدامة للموارد المائية

9-  تحسين السياحة البيئية المستدامة واعتبارها مصدراً هاماً لزيادة الناتج المحلي و العالمي.

إن مصائد الاسماك المستدامة تحتوي علي أكثر من 80% من التنوع البيولوجي العالمي تبدأ من البلانكتون وصولاً الي الحوت الابيض، وأنها  توفر حوالي نصف الاكسجين الموجود في الغلاف الجوي، فيما تمتص الكائنات الحية البحرية مثل أشجار المانجروف والاعشاب البحرية والسبخات والاراضي الرطبة والشعاب المرجانية حوالي خمس أضعاف الكربون الذي تمتصه الغابات الاستوائية، كما أن بين 13و 20% من اجمالي المدن الكبيرة حول العالم مقامة علي السواحل، أضف إلى ذلك أن دولاً وإمارات مثل الدنمارك والنرويج وفنلندا واليونان وسنغافورة ودبى والمغرب تعتمد بنسبة 80%من دخلها القومى على الاقتصاد الازرق ونشاطاته المتنوعة.

وقد خلصت الاستاذة رانيا مرزوق الباحثة المتخصصة في الشؤون الاقتصادية في ختام دراسة قامت بها عن الاقتصاد الازرق الى مجموعة من التوصيات نوجزها لكم في الاتي :-

1-      إبرام اتفاقية عربية جديدة تضم الدول العربية الساحلية انطلاقاً من رؤية اقتصادية عربية مشتركة للاقتصاد الأزرق.

2-     إنشاء تجمع عربي إقليمي على غرار الاتحاد من اجل المتوسط يضم الدول العربية الساحلية، ليصبح منبراً لتحليل وصنع وتنفيذ السياسات التي تزيد من استغلال الامكانيات التي يوفرها الاقتصاد الأزرق في الوطن العربي، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تحقيق تنمية مستدامة لشعوب تلك الدول.

3-     تصميم خريطة استثمارية والتي بدورها تحدد الفرص التي يتيحها الاقتصاد الأزرق في المنطقة العربية، والترويج لتلك الفرص في مجتمعات الأعمال إقليمياً وعالمياً، سعياً منها لتحويل تلك الفرص إلى مشروعات تساهم في تحقيق التنمية المنشودة.

4-     فتح قنوات الاتصال وتعميق الروابط مع المنظمات الدولية المعنية بحماية البيئة البحرية، مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنظمة التعاون والتنمية، والبنك الدولي ، والمنظمة البحرية الدولية (IMO)، بهدف دعم ممارسات الإدارة الجيدة للموارد البحرية بالدول الساحلية.

 لقد قطعت كل من الامارات والسعودية ومصر شوطاً كبيراً في هذا الجانب ، فيما أدركت دولاً أخرى أهميته وقررت أن تلتحق بالركب ومنها الاردن والمغرب وعُمان وجيبوتي ، فيما لازلنا نحن الليبييون نراوح مكاننا بسبب إنعدام التخطيط الصحيح للاقتصاد، وافتقار البلد لكفاءات وطنية في هذا النوع من الاقتصاد   

أختم بالقول أن بلادنا تمتلك شاطئ يربو على 2000 كلم، وأنها تحتل موقعاً جغرافياً يجعل منها بوابة افريقيا الشمالية ، وهذا المورد قد تم تجاهله عبر السنوات كنتيجة حتمية للاعتماد على البترول كمورد وحيد وريعي لشعب قليل العدد يقطن في بلد مترامية الاطراف. إن المشروعات الصغرى والمتوسطة والتعليم التقني المربوط بالبحر هو بدون أدنى شك أحد ركائز الاقتصاد البديل في ليبيا، والذي لن يكلف خزينة الدولة الشئ الكثير في حال تبنيهما، كما أن فتح باب الاستثمار والشراكات الجادة مع الدول الشقيقة أو دول حوض المتوسط في انشاء واستغلال المناطق الصناعية والحرة واللوجستية والموانئ الجافة واحواض السفن، وتسهيل نشاط خدمات العبور واعادة التصدير سيشكل حتماً رقماً مهماً في اقتصاد وطني صحيح بعيد كل البعد عن ايراد النفط الذي قد ينضب في أي لحظة،  أو قد تنخفض أسعاره، والتي يحددها أصلاً كبار المستهلكين عالمياً وليس المنتجين له.

خبير ليبي اقتصاديات النقل 

الاراء المشنورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة