الجزء الثاني
لم يعد للعالم مقياس أو معيار ثابت بالإمكان التحقق منه، فالمنظومات تتهاوي وخدامها وحصونها أصبحوا هم من يخترقها، والشواهد كثيرة، حيث أصبحت الخروقات تمثل القاعدة لدول كبري, كما لم يعد لتقسيمات سايس بيكو الكثير من الاهتمام والنفوذ، ولم تعد المنظومة الدولية للأمم المتحدة تحت السيطرة، بل تتمايل بين أقطاب النزاع والأطماع، والبدائل لن تكون بشكل إنساني، بل بعلوم لا تعرف إلا الأرقام والإحصاءات، والأرباح والخسائر، ويصبح مصير الأنفس البشرية مجرد عملية حسابية ورياضية.
في الوقت الذي نستشرف، من خلال المعطيات، عدم صمود المنظومات الدولية واذرعها، سواء الإستراتيجية أو الإقتصادية أو الإنسانية، بعد تقطع اوصالها، والعودة مجدداً الي القطبية الثنائية حتمية، فالنواة لم تعد قادرة لوحدها لمراقبة ما يدور من حولها من الفجوات، وبالتالي سنري تفسخ المألوف وعودتنا لما قبل 1945، بشكل مختلف، أعمق وأوسع.
يظن الكثير من المهتمين، بأن الحرب الروسية الأوكرانية، بأنها حرب محدودة، ضيقة النطاق، بل علي العكس تماماً، هي ارهاصات تمهيدية لما بعدها، وستشكل ابعادا وخرائط عالمية جديدة، وستنعكس علي محيطنا العربي والإفريقي والشرق أوسطي، وهو ما سنأتي عليه لاحقاً.
فالقرار الأمريكي والقرار الصيني، المؤثر بشكل مباشر في الحرب الدائرة، ثابت الخطي، جازم في إنجاز المهام، ولم يكن إطلاقا للطرفين نوايا معادية ضدية، بل مصلحية، وصراع من أجل إعادة تشكيل الموازين وتقاسم المصالح ةالأطماع، وقد أشار كسنجر بقوله، أنه يجب علي أمريكا والصين أن تضعاحدودا للمواجهة والا فإن العالم سيجد نفسه في وضع مماثل للحرب العالمية الأولي، كما تؤكد الوثائق الأمريكية المسلمة للصين قبيل نشأة الحرب، ما يشير للكثير من التوافقات بين القطبين القادمين، فــ الاحلاف والتكتلات أصبحت مرنة و مؤقتة، ومبررات التقارب وصولاً للأهداف القادمة واضحة المعالم،
يتوجب علينا اليوم فهم العلاقات الدولية ليس بمفهومها العسكري بل الإقتصادي (الردع الإقتصادي)، وهو ما يدفعني لقراءة وإستشراف تحالفات أمريكية – صينية قادمة، (رغم إختلاف النهج السياسي، والتصعيد العسكري) وتأكيدا علي الفتور الأمريكي في علاقته والشريك الأوروبي، بل لمحاولة تفتيته وإعادة بناء ثنائية قادرة علي حمل أوزار وأعباء القادم.
فما عرفناه بالردع الإقتصادي، هو وسيلة أخري لإعادة التوازن، فلم تعد الصين تشكل الخطر والتهديد لأمريكا، بل علي العكس، فتحالفهما سيحقق ثبات المستقبل لكلاهما، في مواجهة أوروبا، وتبقي خارجها كيانات متفرقة وموزعة تابعة لأحد الثقلين، في حين تبقي روسيا عازمة علي عودة امبراطوريتها القديمة وإتحادها السوفيتي، فالجميع خارج القطبين بات يمثل القطار البطيء، ويحمل اثقالا.
سنأتي في هذه السلسلة لكثير من التفاصيل، في لقاء آخر
للاطلاع على الجزء الأول .. .. من خلال الرابط أدناه