مافعله العرب بأنفسهم خلال العقود الأخيرة يشبه وصف القرآن الكريم لبني إسرائيل إبان حربهم للنبي وأتباعه في المدينة المنورة " يخربون بيوتهم بإيديهم " و " بأسهم بينهم شديد " .

فعرب اليوم كيهود الأمس ، يحاربون بعضهم بعضا كالذئاب الضارية في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان ووو..لا طلبا لثأر ناقة أو فرس ، بل خدمة لمشروع صهيوني إمبريالي يسعى إلى تفتيت المفتت وتجزيء المجزأ..باسم الثورات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية أوطان عربية بأسرها دمرت وأنتهكت وشردت شعوبها بين أركان الأرض الأربعة بدعم وتحريض وتمويل من بلاد عربية أخرى ..لماذا ؟ ومن أجل ماذا ؟ لا أحد يملك إجابة تشفي الصدور ..

المضحك أن العرب يصرون على التمسك بتقليد عقد القمم الرئاسية تحت مظلة الجامعة التي ولدت ميتة كجزء من آلية خداع الذات بالإيحاء أن هناك عملا سياسيا مشتركا بين دويلاتهم الورقية ، بينما الواقع على الأرض يؤكد أن العرب أشد عداءا بينهم من عداء اسرائيل لهم..
القمة الثلاثون في تونس تنعقد بتمويل كويتي سعودي ، وحضور 14 من الزعماء ، وعدد المقاعد هو نفسه مع توقعات بالزيادة في الاعوام المقبلة إذا استمر مشروع الفوضى الخلاقة في تحقيق النجاح ..في سوريا قتال أهلي تحول إلى صراع إقليمي دولي ولم يبقى من مظاهر السيادة غير علم دولة الوحدة  وصوت بشار الجعفري في أروقة الأمم المتحدة والجولان بقرار من سيد العالم صار جزءا من اراضي اسرائيل الكبرى  ..اليمن تحول إلى سلخانة كبيرة تعرض فيها جثت أطفال عدن وصنعاء الضامرة ..ليبيا صارت ميدان رماية مفتوح لحملات الصيد التي تجريها قوات " الافريكوم" لقنص عناصر التنظيمات الجهادية المخلقة في معامل وكالة الاستخبارات الامريكية ..والعراق نزيف طائفي ومذهبي وعرقي تجاوز عمره العقد ونصف العقد ..السودان يغرق والجزائر تغلي كالمرجل ..وتونس ومصر ليستا بخير ..وبراميل النفط في الخليج لاتحتاج إلا لشرارة صغيرة ليشتعل البيت بمن فيه ولا أحد محصن ولا أحد أكبر من المخطط المرسوم.. فلسطين والقدس صارتا قصة من الفلكلور الشعبي وحكاية ترويها الجدات في الليالي الباردة حين تنقطع الكهرباء لا أكثر  ..ودولة العدو أصبح اسمها اسرائيل والكل يتبارى لكسب مودتها وتعزيز أواصر الصداقة والجوار معها ..

ليس أجمل من العنوان الذي تناقلته صفحات الفيس بوك تعليقا على صور الزعماء العرب وهم نيام في قمة تونس : - نامت الأمة .. فقط يحتاج إلى تحوير بسيط ليكتب هكذا : - ماتت الأمة..نعم ماتت الأمة ولم تعد تحتاج إلى مؤتمرات قمة تصرف فيها الملايين والالاف من ابنائها يبتلعهم البحر في رحلة البحث عن رغيف الخبز والأمان المفقود في أوطانهم بل تحتاج إلى جنازة وقبر تدفن فيه هزائمها وعارها ..لم تعد الأمة بحاجة إلى بيان ختامي بل تحتاج إلى حفل تأبين ختامي وورقة نعي تعلن عن خروج العرب من جغرافية العالم كما خرجوا من تاريخ البشرية ..

الأمر لاعلاقة له بالتفاؤل والتشاؤم ، لكنها معطيات واقع دولي لم يعد يسمح ببقاء الضعفاء والهامشيين والمتعيشيين كطفيليات على حساب الأمم القوية والحية والمنتجة ..لقد نهضت دول جنوب شرق آسيا وحققت في ظرف زمني قياسي قفزتها الصناعية والتنموية ولحقت بها دول امريكا اللاتينية بل ودول من قارة افريقيا كأثيوبيا ورواندا ومعظمها دول تفتقر للثروات الطبيعية ، بينما ال 22 دولة عربية التي تحتكم على ثلثي مخزون الكوكب من البترول والغاز تعجز عن تأمين الغذاء والحاجات الاساسية لمواطنيها دون الحاجة للاستيراد من الخارج ..

لم يعد لمؤسسة القمة من معنى ولاجدوى فمن يحضرون مؤتمراتها يستغلونها في الاسترخاء والنوم أمام عدسات المصورين ..والجامعة العربية التي عجزت عن تحقيق الحد الأدنى من أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية والتنموية خلال مايربو عن السبعة عقود تحولت إلى عبء سياسي وحتى مالي على الدول الاعضاء ، تجاوزها الواقع الجيوسياسي الجديد والبيئة الإقليمية المتغيرة الشروط والعالم نفسه ماعاد يخضع للقوانين والمفاهيم القديمة..لذا وجب دفنها ولنكتفي بما فعلته بالقضية الفلسطينية ومافعلته بالعراق ومافعلته بسوريا واليمن وليبيا..


الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة