حميد زناز

كان مقرّرا أن تنعقد القمة العربية القادمة في شهر مارس المقبل بالجزائر، ولكن نظرا للظروف التي تمر بها منطقة المغرب العربي وتحديدا ذلك التوترالمزمن الذي تعرفه العلاقة بين الجزائر والمغرب وعلى وجه الخصوص الدرجة الخطيرة التي وصل إليها الصراع في الأشهر القليلة الماضية، علاوة على التطورات الأخيرة في مواقف دول عربية وغربية مؤثرة وهيئات عالمية في مسألة الصحراء والبوليزاريوز. ولئن أجلت القمة رسميا بسبب الوباء الى ما بعد شهر رمضان، فإن السبب الحقيقي هو مجموعة من العراقيل الجدية التي باتت تعترضها والتي قد تؤدي إلى إلغائها أو تغيير مكان وزمان انعقادها وهو ما أشار إليه وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة ذاته لما تحدث عن احتمال حضور باهت للقمة بتخفيض مستوى المشاركة فيها من طرف كثير من الدول العربية. كيف لا وهو الذي صرح عبر صحيفة لكسبريسيون الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية أن القمة العربية المقبلة المزمع تنظيمها في الجزائر ستكون مناسبة لإعلان مساندة البوليزاريو!  ولو أنه بدأ يتراجع شيئا فشيئا عن هذا الطرح كما يظهر من البيان الذي صدر فور انتهاء اجتماعه مع السفراء العرب في الجزائر إذ لا ذكر فيه لقضية الصحراء

و كان ذلك نتيجة لفشل جهوده الديبلوماسية من أجل جلب الاعتراف للبلوليزاريو و"الجمهورية العربية الصحراوية" و فرض مسألة الصحراء في جدول اعمال القمة ،لأن معظم دول تميل معظم الدول الأعضاء في الجامعة العربية تميل اليوم الى اعتبار الصحراء المتنازع عليها 'مغربية'، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إذا لا تخفي بلدان مجلس التعاون الخليجي مساندتها الصريحة الرسمية لمغربية الصحراء و قد أكدت ذلك في البيان الختامي لاجتماعها الأخير.  

وحتى جامعة الدول العربية ذاتها لا تعترف لا بالبوليزاريو ولا بالجمهورية العربية الصحراوية ولا تقبل مناقشة الموضوع أصلا وهو ما نراه مجسدا في الخريطة الرسمية المعتمدة في موقع الجامعة العربية الالكتروني حيث استبقت انعقاد القمة في الجزائر بنشر خريطة للوطن العربي نجد فيها خريطة المملكة المغربية كاملة لا ذكر فيها للصحراء الغربية التي تتحدث عنها الجزائر وتعتبرها ملفها الخارجي الأساسي. كما أن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب أرسل أيضا برقية الى كل أعضاء الأمانات جاء فيها أنه قد تلقى مذكرة واردة من جامعة الدول العربية مرفقة بصورة لخريطة الوطن العربي لا ذكر فيها " للجمهورية العربية الصحراوية" ومطالبا باعتمادها في جميع الأنشطة والفعاليات القادمة. فهل بعد كل تلك الإشارات الواضحة تتجرأ السلطات الجزائرية على ارسال دعوة رسمية للبوليزاريو للمشاركة في القمة؟ وبغض النظر عن مشاركة ممثل الجمهورية العربية الصحراوية أم لا، فهل تطرح مسألة الصحراء والعلاقات الصعبة مع المغرب في اشغال القمة المقبلة؟

ستجد الجزائر نفسها في ورطة فإن لم تطرح قضية الصحراء في القمة فهي ضربة ديبلوماسية موجعة لها وإن حاولت طرحها سيكون موقف دول المجلس الخليجي سلبيا ومعاكسا ورافضا ونحن نعرف تأثير منظمة المجلس التعاون الخليجي في الجامعة العربية.  وكيف يمكن أن تقبل الحكومة الجزائرية انعقاد قمة عربية في الجزائر دون حضور ما تسميه رئيس الجمهورية العربية الصحراوية المقيم على أراضيها؟ كيف يمكن مشاركة المغرب والبلد المضيف قد قطع العلاقات الديبلوماسية معه ومنعه حتى من استعمال مجاله الجوي؟ واتهمه حتى بقتل ثلاثة مواطنين جزائريين وهدده بالرد القوي؟ وليس هذا فحسب بل اتهمت الصحافة الجزائرية وعلى رأسها وكالة الانباء الجزائرية المغرب بتحريض البنك الدولي على تسويد الوضع الاقتصادي في الجزائر في تقريره الصادر في شهر ديسمبر المنصرم. وفي عددها الأخير والأول من هذه السنة الجديدة، يناير2022، وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر تلطيف الأجواء مع المملكة المغربية بهدف تحضير جيد للقمة العربية التي تحتضنها الجزائر، نشرت مجلة الجيش الناطقة باسم الجيش الجزائري افتتاحية نددت في أولها بالأجندات الأجنبية والتواجد العسكري في مجال الجزائر الإقليمي وتكريس الخدامة الاستراتيجية المغربية للمشروع الصهيوني. أما وكالة الانباء الجزائرية فلا تتردد في وصف المغرب في نفس الوقت بمملكة الشر والبؤس

أمام كل هذه الصعوبات التي تعترض القمة، ما يثير الاستغراب هو تلميح الجزائر على لسان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة الى احتمال دعوة بشار الأسد لحضور القمة وذلك بإيعاز من إيران وروسيا كما يرى بعض المحللين. فهل يمكن التطبيع مع بشار الأسد وكأن شيئا لم يكن؟ ودون أن يقدم تنازلات حاسمة من أجل إعادة الحياة الطبيعية الى سوريا؟ من الأكيد أن دولا عربية رئيسية لن توافق على مشاركة النظام السوري لأنها تعتبره وهي محقة أنه حليف للملالي الذين عاثوا فسادا في سوريا ولبنان والعراق واليمن

في الجو معضلة كبرى فمن جهة، كيف يمكن معالجة قضية خطيرة مزمنة تكاد ان تشعل الحرب بين المغرب والجزائر في الجزائر ذاتها؟ ومن جهة أخرى، هل تكون قمة عربية ناجحة تلك التي لا يطرح فيها الخلاف الكبير بين عضوين كبيرين في الجامعة العربية، المغرب والجزائر؟ كيف سيكون موقف الجزائر في حالة ادراج مسألة تصنيف الحوثيون كمنظمة إرهابية في القمة؟ 

قد لا تنعقد القمة وأن تم ذلك يبقى نجاحها من المعجزات نظرا للانقسامات العربية حول قضايا كثيرة كالتطبيع مع إسرائيل والموقف من إيران والازمة في سوريا وليبيا واليمن والسودان ولبنان..  كلما مر يوم الا واتسع الخرق على الراقع.