عبد الستار العايدي
بعد الدعم الشعبي الداخلي والعربي والدولي، الأوروبي والأمريكي لمشروع قيس سعيّد في إقصاءه للوجود الإخواني في المشهد السياسي، لازالت الشروط المطلوبة لم تتّحقق لدفق الأموال والاستثمارات الخارجية، بخصوص ما سبق وخارطة الطريق المستقبلية لخلاص الديون والعمل من أجل ارتفاع درجات النمو الاقتصادي، وفي خضم ذلك أجندة مصالح إستراتيجية تشمل منطقة شمال إفريقيا.
على طاولة المشهد السياسي، الاتحاد العام التونسي للشغل الذي مازال يبحث على خط وسط بين التجاذبات السياسية التي تحكمه وتحكم المشهد العام، وأمام ما يقرّه قيس سعيّد يعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي أن المسار الحالي في البلاد يكتنفه الغموض ويجب على سعيّد أن يتحمل مسؤولية هذا الوضع، داعما موقفه أن المشروع الذي قدمته حكومته نجلاء بودن لصندوق النقد الدولي سيظل محل نقاش وسيتم رفضه ما لم يشمل ذلك مصالح الشعب، إتحاد الشغل الذي فشل في دعم مبادرته وإختلافه مع رئيس الدولة قيس سعيّد كان ولا يزال في إنتظار الفرصة السانحة لإسترجاع موطأ قدمه داخل المشهد خاصة وأن الاحتجاجات المتفاقمة رفضا للأوضاع القديمة التي لم يطرأ عليها أي مسحة تغيير ، وبداية غضب القواعد النقابية يوم 10 ديسمبر 2021 بصفاقس بإعلان الإضراب العام الجهوي، قبل 17 ديسمبر الذي إعتبره تاريخ بداية الثورة، بداية الثورة من محافظة سيدي بوزيد التي قادتها التيارات القومية
على نفس الطاولة يجلس بعض من الطيف السياسي التونسي الداعمين لقيس سعيد، من التيارات القومية والتيارات السياسية الأخرى التي دعمت قراراته بعد 25 جويلية 2021 وباركت ذلك من أجل إصلاح المشهد المشوّه والتي إعتبرت تلك القرارات هي حقنة الشفاء من حالة الكورونا السياسية التي تعيشها تونس، هذه التيارات التي لم تجد لها حظا في صيرورة الأجندة الإخوانية، قد أعلنت اليوم عدم الإدلاء بكامل ثقتها لصالح قيس سعيّد بعد أن أدركوا أن وجودهم هو مجرد حاشية وزينة للمشروع السياسي البديل الذي يطرحه في المستقبل كما أعلنت رفضها أسلوب قيس سعيّد في الإنفراد بالحكم، هذه الأحزاب السياسية التي تحتكم إلى قواعدها داخل الجهاز الإداري وصلب القواعد النقابية وأنصارها وسط الشارع بعد تنصل قيس سعيّد من وعوده تجاه الطبقة العاطلة عن العمل وخاصة أصحاب الشهائد العليا.
إلى الزاوية من مشهد الطاولة، يحتدم غضب الفئات الشعبية التي هللت لما أقدم عليه قيس سعيّد يوم 25 جويلية، خاصة فئة الشباب، التي باتت تعقد آمالا لتغيير المشهد السياسي المرفوض من أغلبهم وأمل الخلاص من وضع العطالة التي يعيشها قطاع مهمّ منهم، أحلام عصفت بها الرياح بعد تصريحات سعيّد الذي أعلن خلالها رفضه لأغلب القوانين الخاصة بتشغيل العاطلين عن العمل التي صادق عليها البرلمان المجمّد، مما إعتبره البعض أن قيس سعيّد هو مجرّد نسخة مخالفة تحمل نفس أفكار الحلول العقيمة التي صارت إلى الفشل سابقا.
من بعيد يجلس الخصوم بعد إقصائهم إثر 25 جويلية، حركة النهضة ممثل تنظيم الإخوان المسلمين العالمي في تونس وبجانبها الأحزاب الداعمة لها وكذلك الأحزاب المعارضة لقيس سعيّد وحركة النهضة، حين كل المشاريع التي سيطرحها قيس سعيّد التي ستظل قيد الإنتظار والتمحيص ما لم تستجب لمتطلبات المشهد السياسي العام، وإستنادا لمعطى تعطيل العمل بالنظام البرلماني وصيرورة منظومة الإنتقال الديمقراطي التي تعيشه التجربة التونسية سيظل قيس سعيّد محلّ مأزق بين البديل السياسي المستقبلي والطرح الديمقراطي الذي يستوعب كل خصومه أو أغلبهم.
تشرذم الحزامين السياسي والشعبي قبل وبعد 25 جويلية 2021 وحالة التململ التي شملت كل الأوساط كانت نتيجة الصحون الممتلئة بالوعود البراقة والفارغة ومثل كؤوس النبيذ المسكرة والتي إعتبرها البعض طريقا لسيطرة قيس سعيّد وتنفيذ مشروعه السياسي الفردي الذي يفتقد للغة الحوار التي تجمع مصلحة الجميع وخاصة المساندين له، فيما إعتبر البعض الآخر أن تخلّي قيس عن أغلب الوعود كان لمصلحة بعض الدول الأجنبية الفاعلة ديبلوماسيا في المشهد السياسي التونسي والتي أجبرت سعيّد على ذلك مقابل دعمها له بخصوص المفاوضات مع المؤسسات المالية المانحة خاصة صندوق النقد الدولي. حالة التشرذم التي يحاول من جهته، راشد الغنوشي، أن يستغلّها لصالح موقفه بعد تأكيده مرة أخرى على عودة البرلمان، تصريحات قد تكون هي الأخرى سبيل لمزيد إضرام النار داخل قوقعة المساندين لقيس سعيّد وفتح المجال أمام التأويلات بفشله في إقصاء الإخوان نهائيا من المشهد السياسي وحلّ حركة النهضة رغم التهديد بمحاسبة المتورطين من الأحزاب في مسألة التمويل الأجنبي أثناء الحملات الانتخابية وتصريحاته المشيرة إلى بعض السياسيين ووصفهم بالخونة والعمالة.
قد تكون طاولة العشاء قبل الأخير بالنسبة قيس سعيّد، طاولة الحكم التي تقوم على المشروع السياسي البديل الذي لازالت بوادر نجاح التأسيس له غير واضحة ، كما أن نجاح هذا المشروع مرتهن لعدد أكباش الفداء التي سيتم تقديمها على هذه الطاولة لخدمة المشهد العام الجديد في تونس ولإنقاذ الديبلوماسية التونسية والعلاقات الاقتصادية الإقليمية والدولية، وكذلك لإنقاذ تونس من جبل الديون المرتهنة به، نجاح قد لا يكون الطريق إليه هو الصراع الدائر اليوم حول تواريخ بداية الثورة التونسية، 17 ديسمبر 2010 أو 14 جانفي 2011 ، ممّا يحيل على أن قيس سعيّد يبتغي لملمة حالة التشرذم التي يعيشها حزامه السياسي والشعبي برسم بداية جديدة لمسار الثورة قد تكون نتائجها أفضل من وجهة نظره أو ستكون صورة أخرى بتفاصيل لحالة التدهور التي تعيشها تونس اليوم.
بين الأمل الشعبي الذي يذوي وسعير الغضب المتأجج كل يوم، وبين المساندين والخصوم لقيس سعيّد، وجدت القوى الدولية المتصارعة حول المصالح الاستراتيجية في منطقة شمال إفريقيا هي كذلك مقعدا لها ودائم على نفس الطاولة وقبالة قيس سعيد مما سيجبره على مراعاة نصيبها أو أن كل الشموع التي تضيئ القاعة ستكون هي سبيل نجاح مشروعه السياسي أو الظلام والعودة إلى المربّع الأول أو ما قبل 25 جويلية.